قائمة الموقع

كيف تعاملت المقاومة مع العملاء في غزة؟

2022-03-19T15:21:00+02:00
عملاء.jpg
شمس نيوز - محمود أبو ندى

سعت منظومة الاحتلال الأمنيّة منذ تشكيلها إلى إسقاط الفلسطينيين وتجنيدهم كمتعاونين معها. بالتالي، شكّل ملف العمالة، والوقاية منها ومكافحتها، أحد أهمّ مجالات نشاط المقاومة الفلسطينيّة على مرّ تاريخها، والتي تعاملت معه بأساليب ووسائل اختلفت من فترةٍ إلى أخرى ومن حيّزٍ جغرافيّ إلى آخر. في هذا السّياق، تعتبر تجربة قطاع غزّة في التعامل مع ملف العمالة واحدةً من أهمّ التجارب التي خاضتها المقاومة الفلسطينيّة، وهي التجربة التي يتناولها هذا المقال، مركّزاً على السنوات التي  تَلَت الانسحاب الإسرائيليّ من القطاع ومن بعدها سيطرة حركة "حماس" عليه.

الردع والتصفية الميدانيّة: العملاء في زمن الانتفاضتين

بدأت فصائل المقاومة في الأرض المحتلة، ومنذ بدء تشكّل خلاياها الأولى إبان الانتفاضة الأولى، بالعمل على مكافحة العملاء عبر تشكيل مجموعات وخلايا خاصّة تتولى مهمة ملاحقة المشتبه بهم، والتحقيق معهم، وتصفيتهم في حال "ثبوت" تورّطهم بالعمالة. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار بأن ظروف الانتفاضة والعدوان الإسرائيليّ لم تسمح باتخاذ كافّة الإجراءات ضدّهم، ولا سيما تلك المطلوبة لإنزال العقوبة الكُبرى. كما اختلفت في تلك الفترة توجّهات فصائل المقاومة وفي مراحل مختلفة من الانتفاضة الأولى، بدءاً من تصفية أحد العملاء في قباطية بداية عام 1988، والتي باركتها القيادة الموحّدة. لاحقاً، فُتح "باب التوبة" للعملاء لفترة قصيرة، عادت بعدها القيادة الموحّدة إلى حثّ القوى الضاربة على تصفية العملاء.

أما الفصائل الإسلاميّة فنجد مثلاً أنّ إحدى أولى الخلايا القساميّة التي شُكلت في غزّة اقتصرت مهمتها في بداية نشاطها على ملاحقة العملاء وتصفيتهم. كانت الخلية تضمّ حينها كلاً من عماد عقل، وبشير حماد، وغسان أبو ندى، ونفّذت عدّة عمليات ملاحقة وتحقيق مع مشتبه بهم وتصفيةٍ لعملاء.1 كما كان البروز الجماهيري الأول لاسم "كتائب القسام" في نعي أحد شهداء الخلية، الذي ارتقى خلال ملاحقة أحد العملاء. هذا عدا عن دور جهاز "مجد" الأمنيّ خلال الانتفاضة الاولى، الذي تركّز أحد جوانب نشاطه على متابعة المشبوهين والعملاء والتعامل معهم أمنيّاً.     

يمكن القول ومن خلال تتبع أساليب عمل فصائل المقاومة في ملاحقة العملاء وتصفيتهم خلال الانتفاضتين، إنّ ذلك العمل ارتكز آنذاك على مبدأ "التخلّص السريع"، وهو توجّه خطير يفتقد لأي إجراءٍ عادلٍ، ولا يخضع لأيّة منظومة قانونيّة، وينطوي على احتمالات كبيرة للخطأ والظلم الذي دفع ثمنه أبرياء. من جهةٍ أخرى، رأت الفصائل الفلسطينيّة أنّه توجّهٌ تَفرِضُهُ ظروفُ الميدان والأوضاع الأمنيّة للمقاومة، وقدرتها المحدودة على حجز المشتبه بهم والعملاء في أماكن آمنة ولفتراتٍ زمنيةٍ طويلةٍ، خاصّةً في ظلّ الملاحقة المستمرة والمكثفة من قبل الاحتلال، وأجهزة أمن سلطة أوسلو بعد تشكيلها.

مبدأ العمل السّابق حَمَل معه غياباً لخطواتٍ إجرائيّةٍ ذات مدى زمنيّ واسع، وهو ما نتج عنه وقوعُ إشكالياتٍ عديدة في التعامل مع المشتبه بهم راح ضحيّتها الأبرياء. في بعض الحالات مثلاً، أُوقِعَت ذات العقوبة الكبرى على جميع العملاء دون أخذ طبيعة نشاطهم بعين الاعتبار، كما وقعت حوادث حُمِّلَت فيه عائلات العملاء عقوبةً على ذنبٍ لم تقترفه، أو استُخدِم موضوع تصفية العملاء غطاءً لجرائم قتلٍ جنائيّة لا علاقة لها بالعمل المقاوم.

أخذت آنذاك أساليب تصفية العملاء أربعة أشكال، جميعها لا تفي بمتطلّبات العدالة ولا تكفل للمتّهم الحدّ الأدنى من حقّه. أولها، القتل في المكان نفسه، حيث تصفية المتّهم بالعمالة بناءً على المعلومات الدّالة عليه، سواءً كان مصدرها اعترافات عملاء آخرين أو رصد المقاومة لسلوكه. أما ثانيها، القتل بعد انتهاء التحقيق والذي لطالما شمل أشكال تعذيبٍ متعدّدة، حيث اختطاف المشتبه به واقتياده إلى مكانٍ مجهولٍ مُعدّ سلفاً والتحقيق معه بشأن تعاونه مع الاحتلال، وتنفيذ حكم الإعدام إذا "ثبت" ارتباطه وتعاونه.

أما ثالث تلك الأساليب، فكان إجراء محاكمة "صوريّة" للعميل، عبر اقتياده إلى ساحةٍ عامّةٍ بعد اعترافه أثناء التحقيق (وتحت التعذيب غالباً) بتعاونه مع الاحتلال، بينما يتلو أحد عناصر المقاومة اعتراف العميل أمام الناس قبل إصدار حكم الإعدام وتصفيته. أما آخر تلك الأساليب فجاءت إثر إقامة سلطة أوسلو ووقف سياسة إعدام العملاء، وهي القتل - بعد الاقتحام- من داخل سجون سلطة أوسلو. وهي حالة تكررت مع العديد من العملاء، كان أبرزهم وليد حمدية المتسبب الرئيس باغتيال الشّهيد عماد عقل، إذ اعتُقل حمدية لدى السّلطة الفلسطينية في سجن السرايا وسط مدينة غزّة قبل أن تتمكن مجموعة من كتائب القسام من الوصول إلى زنزانته وتصفيته.2

ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزّة

أخذ ملف العمالة والتعامل معه في جانبه السّياسي والأمنيّ والقانونيّ والاجتماعيّ منحىً تطوريّاً مع سيطرة المقاومة الفلسطينيّة على قطاع غزّة، بعد طردها للاحتلال الإسرائيليّ منه بدايةً، وأجهزة أمن السّلطة الفلسطينية لاحقاً. توّلى مسؤولية متابعة ملف العمالة والإشراف عليه قانونيّاً وأمنيّاً ومجتمعيّاً خلال السّنوات الماضية، الحكومة الفلسطينية في غزّة عبر وزارة الداخليّة وهيئة القضاء العسكريّ، إضافةً إلى الدوائر الأمنيّة والاجتماعيّة التابعة لفصائل المقاومة، التي حافظت على هياكل دوائرها الأمنيّة على الرغم من وجود جهاز حكوميّ –الأمن الداخليّ- مكلّف بمتابعة ملف العملاء والجهد الاستخباري لقوّة الاحتلال ضدّ قطاع غزة. بل إن هذه الدوائر -التابعة للفصائل- فاق عملها في مواضع عدّة إنجازات الجهاز الحكوميّ.

يعود ذلك لتفوّق مقدرات المقاومة- البشريّة تحديداً- على الحكوميّة، ولكنّه في الوقت ذاته يثير أسئلةً جديّةً حول قانونيّة وعدالة الإجراءات في ظلّ تراجع دور الأجهزة الحكوميّة والقضائيّة أمام أجهزة الفصائل. وقد استفادت المقاومة الفلسطينية في غزّة في هذا الشأن من تجربة "حزب الله" في تعامله مع ملف العملاء بعد انسحاب قوّة الاحتلال من الجنوب اللبنانيّ، إذ عمل الحزب على تقسيم الجنوب لمناطق ومربعات، والبدء بالفحص الأمني لجميع المناطق خشية ترك العدو لخلايا من العملاء وراءه. على ذات الطريقة عملت فصائل المقاومة في غزّة، في تقسيم القطاع لمناطق كبرى، ثم صغرى، ثم أصغر، سهّلت متابعتها الأمنيّة معتمدةً على كوادرها المنتشرة كل في منطقته، والذين أعدّتهم ودرّبتهم لهذه المهام الأمنيّة.

المعالجة القانونيّة

بدأتْ بوادر تطوّر المعالجة القانونيّة لملف العمالة مع إعادة هيكلة الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة في القطاع عام 2007 وفق الاحتياج المقاوم. وعلى الرغم من البدايات المتعثرة لتلك الأجهزة -بسبب الخبرات المحدودة المكتسبة من الممارسة الأمنيّة أساساً، على عكس الأجهزة السّابقة التي ضمّت خريجي معاهد أميركيّة وبريطانيّة متعاونة مع السلطة- إلا أنها استطاعت تحقيق تقدّم على صعيد التنسيق والتكامل مع الدوائر الأمنيّة التابعة لفصائل المقاومة.

ارتفعت وتيرةُ ذلك التنسيق بعد استباب الأمور الهيكلية والتنظيمية لجهاز الأمن الداخليّ مع بداية عام 2010، والاتفاق الشامل الذي جرى حينها مع كافة فصائل المقاومة في غزّة، والقاضي بتعهد الفصائل بتسليم كافة المتهمين بالعمالة -حتى من منتسبيها- مع كافة أدلة الإدانة التي جُمعت إلى جهاز الأمن الداخليّ المسؤول عن متابعة ملفات العملاء وتحويلها إلى القضاء.

شمل الاتفاق أن تكون الأولوية في التحقيق مع منتسبي الفصائل للدائرة الأمنيّة الخاصّة بالتنظيم، حيث يقوم بدوره باستخلاص كافة المعلومات التي لدى العميل وما أبلغ عنه وكشفه لأجهزة أمن الاحتلال لتتمكن من التعامل معه ميدانيّاً، ويحيله الفصيل بعد ذلك إلى جهاز الأمن الداخليّ الذي بدوره يعيد عملية التحقيق وفحص كافة الأدلة الماديّة قبل استنفاذ المدة القانونيّة للتوقيف.

هذه العمليّة التي اتفقت عليها الفصائل، على رغم ما تبدو عليه من "إنصاف"، هي عمليّة تتناقض مع المنطقٍ القانونيّ، إذ تُعطي أولويّةَ التحقيق إلى جهةٍ لا تضبطها أيّة التزامات حقوقيّة من ضوابط الإجراء العادل، وتحرّرها من أي مسؤوليّة قانونيّة اتجاه المتّهم (الذي لم تثبت إدانته بعد) وتفتح باب انتهاكات سافرةٍ بحقّه. علاوةً على أن الأجهزة الحكوميّة لا تقوم بتحقيقٍ من الصّفر، إنما تبني تحقيقها على ما توصّلت إليه أجهزة الفصائل.

بعد تحقيق الفصائل، يتوّلى جهازُ الأمن الداخليّ إجراء الاعتقال والتحقيق مع المشتبه بهم. يتم كذلك تمديد الاعتقال والإشراف على التّحقيق بإذنٍ قضائيّ إلى حين موعد المحاكمة، وتتم متابعة الإجراءات القانونيّة من قبل النيابة العسكريّة التي بدورها تتابع الإجراءات مع القضاء العسكريّ منذ اليوم الأول لإلقاء القبض على المشتبه به. في المقابل، تستهجن الجهات الحقوقيّة هذا الإجراء، إذ ترى بعين الخطورة محاكمة المشتبهين المدنيين أمام القضاء العسكريّ.

على صعيد الأحكام، لم تقتصر الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكريّة على عقوبة الإعدام في حقّ من تثبت إدانتهم بالعمالة، بل تنوّعت لتشمل أحكاماً بالسجن لفترات زمنيّة مختلفة، إذ يُأخذ بالاعتبار طبيعة النشاط التخابري للعميل ومدى ارتباطه الزمنيّ بأجهزة أمن الاحتلال، وهو تطوّر يُلتفت إليه. وقد صدر أول قرار حكوميّ بتنفيذ أحكام إعدام قضائيّة صادرة بحق عملاء عام 2010،3 لتُمثِل تلك الخطوة مرحلة جديدة لحكومة غزّة في تعاملها مع من يصدر بحقهم أحكام إعدام من قبل القضاء العسكريّ. كما بلغ عدد أحكام الإعدام التي نفّذتها وزارة الداخلية ما بين الأعوام 2010-2018 في غزّة نحو ثلاثين حكم إعدام بحقّ أفراد أدانهم القضاء العسكريّ بالتخابر مع العدو.

وعلى الرغم من سيطرة ذلك المشهد على التعامل مع العملاء، إلا أن التصفية الميدانيّة كأسلوب لتعامل المقاومة الفلسطينية في غزّة مع العملاء لم يختفِ تماماً بالرغم من تراجعه، وتحديداً أثناء العدوان الإسرائيليّ على القطاع، نتيجةً لقصف مقرات الاحتجاز والخشية من هروب العملاء المحتجزين من جانب، وإرسال رسائل تحذير وردع للعملاء النشطين خلال العدوان من جانبٍ آخر. لذا جرت عمليات تصفية ميدانيّة في أماكن عامة لعدد من العملاء خلال العدوان الإسرائيلي، كانت قد صدرت أحكام الإعدام بحقّهم من محاكم ميدانية ثورية.4

ويُظهر موقع المجد الأمني المقرّب من حركة "حماس" إحصائيةً تكشف عن آلية تعامل المقاومة مع العملاء خلال الحرب، توضح أن (5 %) من العملاء تم إعدامهم ميدانياً، فيما تم إلقاء القبض والتعامل ميدانياً مع (25 %) منهم، فيما جرى اعتقال (20 %) في أماكن خاصة.5، و(50 %) وضعوا تحت الإقامة الجبريّة. أما "الإقامة الجبريّة" فهي أحد أنماط معالجة ملف المشبوهين التي اتضح فيها حجم التعسّف والاجحاف، إذ استُخدمت بإفراطٍ شديدٍ وفي حالات كثيرة دون أدنى مبرّرات وكانت لها إسقاطات نفسيّة واجتماعيّة خطيرة.

في مقابل محاولات وجهود وزارة الداخلية وفصائل المقاومة تطوير أدواتها في معالجة ملف العملاء، فقد حصلت أحكام الإعدام التي نفّذتها بحقّ العملاء على الدوام على إدانة المؤسسات الحقوقية الخاصة والأهلية والسلطة الفلسطينية كذلك. تعتبر تلك الأطراف أن تنفيذ أحكام الإعدام وما يسبقها من إجراءات إنما هو خارج إطار ونطاق القانون ومؤسساته "الشرعية"، وفي ظل غياب حد أدنى من الضمانات القانونية وفق القوانين الفلسطينية والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ومخالفة تنفيذ أحكام الإعدام للقانون الأساسي الفلسطيني لسنة (2003)، الذي تنص المادة (109) منه على وجوب حصول حكم الإعدام على مصادقة من رئيس السلطة الفلسطينية لتنفيذه، وهو أحد المبادئ الأساسيّة في تشريعات حُكم الإعدام، ومنها مبدأ الاسترحام وطلب العفو. وبغض النظر عن التفاصيل الإجرائية تلك، فإن السّلطة الفلسطينية في رام الله تتسامح بشكل عام في قضايا العمالة. 6

المعالجة المجتمعيّة وإعادة تأهيل العملاء ودمجهم

رفض المجتمع الفلسطينيّ العملاء على الدوام وطالب بالتعامل العنيف معهم وبرر ذلك في أحيانٍ كثيرة، حتى دون محاكمة قانونية، اعتباراً منه بأن تعاون العملاء مع الاحتلال هو وقوفٌ ضدّ إرادته وقيمه العليا بالدرجة الأولى. وقد طال ذلك الرفض في أحيان كثيرة عائلات العملاء، وتعرضت كثير منها لنبذ في محيطها الاجتماعي.

وفي مقابل محاولات التطوير الإجرائية والقانونية، وبغض النظر عن تقييمها، فقد عملت فصائل المقاومة خلال السنوات الماضية على معالجة ملف العملاء مجتمعياً. بداية، عملت المقاومة وعبر دوائرها الاجتماعيّة المختلفة  على الحدّ من انعكاس رفض المجتمع للعملاء، وتصنيفهم ضمن أوضع المكانات الاجتماعية، على تعامله مع ذوي العميل وعائلته. لأجل ذلك، لجأت المقاومة إلى العديد من الأساليب والوسائل في سبيل حماية عائلات العملاء وتوفير الدعم الكامل لها، من قبيل تحفظها على ذكر أسماء العملاء الذين نفذت بحقهم أحكام إعدام. ظهر ذلك مثلاً في بيانات الإعدام التي نُفذت خلال عدوان 2014 على غزة، حيث لم تذكر المقاومة أسماء العملاء حينها، وذلك حفاظاً على سمعة عائلاتهم وأبنائهم، التي قالت في ذات البيانات أنها ستعاملهم معاملة أبناء الشّهداء.7

كما أصدرت المقاومة بيانات إشادة بجهاد ومقاومة بعض العائلات التي تم اكتشاف تعاون أحد أبنائها مع الاحتلال، . إضافةً إلى حثها للعائلات على إصدار بيانات وتعميمات تبرؤ من ابنها العميل وسلوكه، وتوجيه دوائرها الاجتماعية إلى ضرورة احتواء عائلة العميل وذويه، ومنعهم من الوصول إلى حالة من الرفض والحقد على المجتمع، والتي قد تكون دافعاً ومبرراً لأحدهم للتعاون مع أجهزة أمن الاحتلال وهو ما حصل في حالاتٍ عديدة.8

الأجهزة الأمنية بدورها زادت من درجة سريّة التعامل مع حالات العمالة، وأصبحت بياناتها الصحفية لا تذكر أسماء العملاء، وعند الضرورة -الفيديوهات التوعوية أو كشف محاضر التحقيق- يتم تعمية الوجوه أو ذكر الحروف الأولى من اسم العميل وعائلته. كما طوّرت وزارة الداخلية في غزّة آليات متابعة مع العائلات التي تتعرض للإساءة والتشهير، وتعاملت بشكلٍ إيجابي مع كل الشكاوى التي تقدمت بها عائلات عملاء تعرضوا لإساءات في محيطهم الاجتماعي.9

إضافةً إلى ذلك نفّذت وزارة الداخلية عدة حملات أطلقت عليها اسم "الحملة الوطنية لمكافحة التخابر"، سارت تلك الحملات في خطين رئيسين، الأول، فتح باب "التوبة" أمام العملاء لمدة شهر واحد، أما الثاني وهو نشاطات توعوية نُفذت في مختلف المؤسسات الاجتماعية في غزة، وشملت تلك النشاطات محاضراتٍ توعوية وإنتاجٍ لمواد مكتوبة ومرئية ومسموعة.10. وعالجت وزارة الداخلية ملفات العملاء الذين سلّموا أنفسهم خلال هذه الحملات دون اللجوء إلى القضاء أو للإجراءات القانونية المعتادة بحقهم، كما أن المعلومات والبيانات التي جُمعت من العملاء التائبين كانت ذات مصداقية وأهمية تفوق تلك التي تُستقى بالعادة من العملاء خلال التحقيق معهم في حال اعتقالهم.11

من ناحيةٍ أخرى نجد أن المقاومة في غزة إلى جانب وزارة الداخليّة أخذت خطواتٍ عديدة تجاه إعادة تأهيل ودمج العملاء المحكومين بسنوات سجن محددة، لكن وعلى الرغم مما سبق، ومع أن ملف دمج العملاء وعائلاتهم والحديث عنه بدء منذ العام 2007، إلا أن الوقائع تُظهر بأننا أمام توجه صوريّ وشديد الضعف. وينجم ذلك عن قصورٍ واضح في التصورات وطريقة التفكير في الملف، وهو الأمر الذي طال ملفاتٍ أخرى مثل التعامل مع ملف "المشبوهين" بالعمالة، والذي ظلّت المقاومة الفلسطينيّة عاجزة عن التعامل معها وفق مبادئ الإجراء القانونيّة العادل الذي تحفظ حقوق الأبرياء، كما تحفظ صورة المقاومة أمام المجتمع، وتزيد من نجاعة عملها في هذا ملفٍ بغاية الحساسيّة.

اخبار ذات صلة