لمحة تاريخية عن موقع ومكانة صحراء النقب قد تساهم فى إلقاء الضوء على التطورات التى تعصف بالنقب المحتل وما يهدد به الصهاينة هذه الأيام فى حملتهم المسعورة ،تبلغ مساحة النقب حوالى 14,000 كيلو متر مربع حوالى نصف مساحة فلسطين التاريخية ،ويقطنه الكثير من القبائل والعشائر العربية وترتبط ارتباطا اجتماعيا بقبائل سيناء وشبه الجزيرة العربية والأردن، وتنحدر معظم قبائل وعشائر النقب من قبيلة الترابين والتياها والعزازمة والجهالين والقديرات وقبائل أخرى، وتعتبر طبيعة المنطقة صحراوية جافة باستثناء الجزء الشمالي قضاء بئر السبع.
أهم المدن النقب بئر السبع، رهط ثاني أكبر مدينة في النقب ، عرعرة، تل السبع، تل عراد، كسيفة، حورة، اللقية، أم بطين، شقيب السلام، أم حيران، أم متان، القصر، اخشم، الأعسم، بير هداج، وادي النعم، ترابين الصانع.
قبل إنشاء ما يسمى دولة إسرائيل عام 1948، قدر عدد السكان بنحو 110.000، وأثناء حرب عام 1948، هاجر معظمهم إلى سيناء والسعودية والأردن والقطاع والضفة، وبقي حوالي 11,000 نسمة تم إسكان أغلبهم من قبل الحكومة الصهيونية في قضاء بئر السبع. وبحسب مصدر من الخارجية الصهيونية يوجد حوالي 367,000 من البدو الفلسطينين في داخل الكيان جميعهم من المسلمين السنة منهم 317 الف يعيشون في صحراء النقب، والحياة في الصحراء تتيح لهم ممارسة نمط حياتهم التقليدي بعيدا عن مؤثرات التمدن.
أهل النقب، على غرار بقية السكان في داخل فلسطين المحتلة ، يقيمون فقط في 2% من مساحة النقب ، وذلك استنادا للاستراتيجية الصهيونية "علب السردين " مفادها حشر أكبر عدد من السكان فى أضيق مساحة من الأرض ،قامت الحكومة الإسرائيلية في أواخر الستينات وأوائل السبعينات بإعداد مخططات لإعادة توطين بدو النقب في بلدات ذات نمط مديني، وتقول الحكومة أن المنطق الكامن وراء ذلك هو "عصرنة البدو" وتوفير الخدمات بشكل أفضل، وينفي ذلك المنطق أنه تم إختيار نموذج مديني مكتظ يدمر كامل نمط الحياة البدوي التقليدي، ويستدعي الترحيل الكامل للبدو عن أراضيهم ونمط حياتهم في ما يعد سياسة للتمدين القسري، ، فالبدو الفلسطينيين يعانون من سياسية تمييز عنصري تنتجها الحكومة الاسرائلية.
عادت الأنظار مجددا إلى فلسطينيي النقب، ليس باعتبارهم ضحيةً سلبية لمشروع استعماري تطهيرى مستمر، بل كموكن فاعلٍ في الوجود الفلسطيني المنتشر في أرجاء الوطن، وهي حقيقة تاريخية أعاد تأكيدها الباحث الفلسطيني، ابن مدينة رهط – بئر السبع، منصور النصاصرة، في كتابه البحثي الهام والنوعي، المُعنوَن بـ”بدو النقب وبئر السبع؛ 100 عام من السياسة والمقاومة”، والصادر عن جامعة كولومبيا. وهي مقاومة لم تقتصر على الدفاع عن وجودهم على أرضهم و أماكن سكنهم، بل امتدت لتشمل التضامن والتفاعل مع قضية الشعب الفلسطيني الوطنية، وكان آخرها هبّة أيار/ مايو المجيدة “هبة الأمل والكرامة”، العام الماضي، وهي الهبة التي وحَّدَت فلسطين وشعبها في الداخل والخارج.
إن الحرب المعلنة على النقب التي ينفخ في نارها رئيس حكومة الاحتلال الحالي نفتالي بينيت هدفها تصعيد الاستيطان العنصري الصهيوني الذي يمثل فيه المستوطنون طلائع الصهيونية الراهنة ،فالاستيطان هو السياق التاريخي للحركة الصهيونية والذي بدأ ويتواصل بالسيطرة على التلال وإقامة الأسوار والجدران لحماية الصهاينة المعتدين الذين سلبوا أصحاب الأرض الفلسطينيين أرضهم وحقوقهم.
ما يحدث حاليًّا هو تنفيذ مشروع استيطاني ضخم تحت شعار تشجير الصحراء الذي تتخذه دولة الاحتلال ستارًا لتهجير الفلسطينيين وتجريف أراضيهم وبعثرة قراهم وبيوتهم ومن ثم طمس هويتهم.
وفضلًا عن السياق التاريخي للمواجهة تتمثل مشكلة الكيان الصهيونى مع هبة النقب الحالية في أن هذه المنطقة تضم عددًا من أهم القواعد العسكرية والمرافق الأمنية الحساسة كما تضم مفاعل ديمونة النووي وتشرف القرى الفلسطينية فيها على شبكة الطرق التي يمر منها الجيش ، يحذر أبواق الدعاية الصهيونية من أكاديميين وإعلاميين من "مخاض الفلسطنة والأسلمة" التي يمر بها الفلسطينيون من بدو النقب.
المطلوب فلسطينيًا هو إسناد المقاومة التي تتفجر في النقب باعتبارها تمثل مرحلة جديدة في الصراع ضد المحتل الصهيوني لا تبشر فقط بتعميم التوجهات النضالية في كل فلسطين الداخل بل تدفع على توحيد ساحات النضال الفلسطيني في المستقبل بشكل يفوق ما حدث في هبة سيف القدس.
استجابة القوى الوطنية والاسلامية ومكونات المجتمع المدنى فى قطاع غزة بكل تفاريعه عن "ميلاد الهيئة الوطنية لدعم وإسناد شعبنا الفلسطيني داخل١٩٤٨"،يمثل عمق الوعى والتأكيد على أن المرحلة القادمة تمثل وحدة الأضلاع الأربعة وحدة الشعب والأرض والقضية والمصير ،وهذا الحل يمثل إنهاء مسالة معقدة لموضوعة منظمة التحرير الفلسطينية التى اعترفت باسرائيل كدولة وبالتالى الشعب الفلسطيني فى الداخل رعايا عند الدولة ولا يحق التدخل، هذا الجدل انتهى ولغير رجعة .
صنّف العدو الإسرائيلي الساحة الفلسطينية، في الأرض المحتلة عام 1948، على أنها تهديد استراتيجي يفوق خطره تهديد الصواريخ، وذلك منذ أحداث أيار/مايو 2021.