غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

واقع استراتيجيّ جديد يكبّل "إسرائيل" ويحدّ من فعاليتها

حسن عبدو.jpg
بقلم/ حسن عبدو

"إسرائيل" سلعة الغرب وأداته في المنطقة والعالم، وهي قوَّة طرفيّة فاعلة تعمل بانسجام كامل مع المركزية الاستعمارية الغربية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية. إنَّ انشغال المركز الأميركي بذاته في حرب ممتدّة مع روسيا في الأراضي الأوكرانية سيضعف "إسرائيل"، ويقلّل هامش قدرتها على العدوان. وفي الوقت نفسه، يخفف شدة القبضة الأميركيّة على المنطقة العربية والإسلامية التي عانت كثيراً تحت وطأة التدخّلات الغربية والأميركية.

تخوض الولايات المتحدة الأميركية حرباً من أجل السيادة العالمية، تتعلَّق بوزنها ودورها ومكانتها. وفي ضوء نتائج هذه الحرب، ستتمّ إعادة رسم التوازنات الدولية، إما نحو عالم متعدد الأقطاب أو استمرارٍ للهيمنة الغربية بقيادة أميركا وتفرّدها لعقود قادمة.

بحسب مبادئ الجيوبوليتيكا، إنَّ "انشغال المركز بنفسه يؤدي إلى سكون الأطراف". وبناءً عليه، من المتوقّع أن يشهد إقليم الشرق الأوسط - بوصفه نظاماً إقليمياً متفرعاً من النظام العالمي - حالة من الهدوء،  وأن يكون بيئة مؤاتية لبناء علاقات جيدة بين دوله التي تشعر بالتحرر إلى حد ما من اليد الثقيلة للنظام العالمي المنشغل بذاته، وأن يوفر ذلك فرصة لحلِّ كثير من مشاكله البينية في الإقليم.

نشأت "إسرائيل" كاستثمار غربيّ يرتبط ارتباطاً عضوياً بالنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وهي قوّة طرفيّة لهذا النظام العالمي الجائر والظالم. والفرضية الأكثر احتمالاً ألا تتمتع "إسرائيل" بالقدرة التقليدية نفسها لعدوانها المستمر، في ظلِّ انشغال قوى المركز الغربية التي تريد أن تتفرغ بالكامل لصراعها المصيري مع روسيا.

إن قراءة المشهد الاستراتيجي ربما تكون وراء الردود العلنية الواضحة لحرس الثورة الإيراني على "إسرائيل"، سواء في الهجوم الصاروخي الدقيق على أحد أهم مراكز الموساد في كردستان العراق، أو الهجوم السيبراني الواسع على عدد كبير من المواقع المحصنة في "إسرائيل"، أو إعلان الأجهزة الأمنية الإيرانيَّة تفكيك عدد من شبكات التخريب في إيران، والتي ترتبط بـ"إسرائيل" ودول إقليمية في المنطقة.

ويمكن قراءة رفض بعض القيادات الخليجيّة طلب الرئيس الأميركي بايدن بزيادة معدلات إنتاج النفط والغاز تعويضاً عن النفط والغاز الروسي، وكذلك زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لدولة الإمارات بخلاف رغبة الولايات المتحدة الأميركية، في السياق السابق نفسه.

العامل الآخر الَّذي يزيد المشهد الاستراتيجي تعقيداً أمام "إسرائيل" هو الاقتراب من التوقيع على الاتفاق النووي أو ما سُمي "خطة العمل المشتركة" التي تحرّر الاقتصاد الإيراني، وتنهي العقوبات المفروضة على إيران، وترفع مؤسّسة حرس الثورة من لائحة المنظمات الإرهابية، وتعزّز المكانة الإقليمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتحسّن مركزها التفاوضي دولياً وإقليمياً، وتزيد ثقة النظام بنفسه داخلياً وخارجياً، وتعطيه هامشاً واسعاً من الحركة السياسية والعسكرية، وبمقدرات مالية وتقنية عالية، ما سينعكس إيجابياً على قوى محور المقاومة في مواجهة "إسرائيل"، وهو ما يفسّر حالة الصّدمة التي تعيشها القيادة الإسرائيلية وتوسّلها القيادة الأميركية من خلال إعلان مشترك لرئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد، قالا فيه: "إسرائيل تثق بالولايات المتحدة التي لن تخذل أقرب حلفائها، ويستحيل علينا تصديق أنَّ أميركا ستلغي تصنيف حرس الثورة الإيراني كمنظمة إرهابية". 

الحسابات الخاطئة ربما تقود "إسرائيل" إلى الساحة الفلسطينية لممارسة عدوانها، اعتقاداً منها بأنها المكان الأنسب والملائم لاستكمال مشاريعها التوسعية في الضفة والقدس، ما قد يفجر المشهد الفلسطيني كله، والذي وصل إلى حافة الانفجار، كما وصفه عدد من التقارير الاستخبارية الإسرائيلية، إضافةً إلى احتمال تفجّر الصراع إقليمياً مع الاحتلال إذا ما تفجّرت الأحداث في القدس، وفي المسجد الأقصى تحديداً، في لحظة من الانشغال الأميركي عن "إسرائيل".

على عكس ما يعتقد البعض بأنَّ انشغال العالم بالأزمة الأوكرانيّة يعطي "إسرائيل" فرصة لممارسة عدوانها محلياً وإقليمياً، فإنَّ القراءة الموضوعيّة للمشهد الاستراتيجيّ دولياً وإقليمياً تقول بانعدام فرص هذا الكيان العدواني، وتعطي أعداءه الفرص للنيل منه إذا توفّرت الفرصة لذلك، كما يعطي الانشغال الأميركي دول الإقليم هامشاً أوسع من المناورة السياسية لحلِّ الكثير من المشكلات وبناء العلاقات الإيجابيّة التي تؤسّس لعلاقات إقليمية جديدة تخدم دول المنطقة وشعوبها.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".