يبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية التي مضى على اندلاعها شهرٌ ستطولُ أكثر، وستتسع دائرتها لتشمل كل الأراضي الأوكرانية، وستشارك فيها دولٌ بالوكالة ومنظماتٌ بالأصالة، وستختلطُ فيها الجيوش الوطنية مع المقاتلين الأجانب، والشركات الأمنية مع متعاقدي القتال والحروب، وسيشترك فيها مقاتلون من دول الجوار مع مقاتلين مدعومين من أمريكا ودول أوروبا، في محاولةٍ مكشوفةٍ لتوريط القوات الروسية، وإغراقها في المستنقع الأوكراني، واستنزاف قوتها وتدمير اقتصادها وإحباط مخططاتها، ولست هنا حزيناً على تورطها ولا سعيداً بالجهود الخبيثة لتوريطها، ولكنني أشخص الحالة وأستعرض الأحداث التي قد تتشابه مع غيرها في التاريخ القريب وتلك التي ما زلنا نشهدها ونعاني منها.
دخلت القوات الروسية إلى الأراضي الأوكرانية وحدها، واجتاحت أطرافها وقلبها، وحاصرت مدنها وعاصمتها، وقصفتها من أراضيها ومن عرض البحار، فيما أعلنت دول الجوار الروسي استعدادها للقتال إلى جانب القوات الروسية، في حال طلبت منها القيادة الروسية المساعدة والتدخل، وقد استعدت قواتها للمهمة وتهيأت لها، وأبدت جاهزيتها للمشاركة في الهجوم والعمليات القتالية، رغم أن الجيش الروسي ليس بحاجةٍ لهم، وهو لم يستخدم بعدُ كامل قوته في الحرب، ولكنه قد يحتاج خلال المراحل التالية إلى قواتٍ بريةٍ، في حال طال الحصار وتحول القتال إلى حرب عصاباتٍ وشوارع.
إلا أن أوكرانيا التي أعلنت التعبئة العامة في جيشها، ومنعت الذكور من سن 18 وحتى 60 عاماً من مغادرة الأراضي الأوكرانية، وألزمتهم بوضع أنفسهم تحت إمرة الجيش وقيادة المقاومة الأوكرانية، فتحت الأبواب واسعةً ومعها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا عامةً وبولندا خاصةً، لكل من يرغب في قتال الروس ومقاومتهم، وسهلت لهم دول الجوار الدخول إلى الأراضي الأوكرانية، وزودتهم بمختلف الأسلحة التي تلزمهم، وسمحت لمشاهير القناصة والمقاتلين الأجانب، والمجرمين والمنحرفين وقطاع الطرق ومرتزقة الحروب، بالعبور إلى أوكرانيا لممارسة هواية القتل، وقد جاء بعضهم طلباً للمال وسعياً وراء الكسب والثراء، بينما التحق غيرهم بجبهات القتال كرهاً في روسيا وحقداً على نظامها وأملاً في هزيمته وإسقاطه.
إنها ذات المهمة القذرة التي قامت بها أمريكا وبريطانيا وحلفائهما، عندما خلقوا في بلادنا داعش وغيرها، وزرعوا في أوطاننا الفتن وفجروا فيها الصراعات، وأدخلوا في أوطاننا كل الفاسدين والقتلة، والمأجورين والسفلة، وأغرقوا شعوبنا في أتون الحرب ومستنقعات الظلام، ودمروا بلادنا وخربوا أوطاننا وسمموا أحلامنا، وشردوا أهلنا وشتتوا شعوبنا، وحققوا ما كانوا يرجون ويتمنون.
إنها أفكار ومخططات الفيلسوف الملياردير الصهيوني برنار هنري ليفي، الذي كان له أكبر الدور في تدمير بلادنا العربية وتخريبها، إذ نقل الحرب عمداً كشعلةٍ من بلدٍ إلى آخر، ونجح في إقناع أمريكا ودول الناتو بالتدخل العسكري في ليبيا، ومن قبل بالتدخل الأمني والمالي والمعلوماتي في مصر وتونس وسوريا، وشجع على تجنيد المرتزقة وإدخال المقاتلين الأجانب، مما أدخل بلادنا العربية في حروبٍ أهليةٍ لم تنته حتى اليوم.
إنه نفسه الشيطان برنار هنري ليفي، الذي سبق له أن زار أوكرانيا، ونفخ فيها ضد روسيا، وأطلق من عاصمتها كييف تصريحاتٍ شديدة اللهجة ضد موسكو، اتهم فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعدوانية، ونعته بأقسى الصفات وأقذعها، يخطط اليوم لتحويل أوكرانيا إلى ساحة حرب وميدان قتال، يجمع فيها كل من يستطيع من المقاتلين الأجانب والمرتزقة المأجورين، تماماً كما حدث في بلادنا العربية، وتساعده في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، علَّها تحقق بذلك أكثر من هدفٍ وغايةٍ، وقد بدأت أفواجٌ من المقاتلين المرتزقة تصل إلى أوكرانيا من أمريكا وكندا وغيرهما.
أظن أننا ما زلنا في بداية الحرب رغم مرور شهرٍ على اندلاعها، ورغم أن المعارك الجارية معاركٌ ضارية وموجعة، إلا أن القادم سيكون أسوأ وأخطر، وأبشع وأقذر، ذلك أن الحروب التي يخوضها الأجانب ويقاتل فيها المرتزقة غالباً ما تكون حروباً قذرةً، لا مكان فيها للقيم والأخلاق، ولا لقواعد الحروب وقوانين القتال.
المرتزقة الذين لا يربطهم بالأرض التي تدور فيها المعارك روابط وطنية ووشائج قومية، لا يبالون بالإنسان، ولا يخافون على الوطن، ولا يترددون في ارتكاب المجازر والمذابح، وستفتح أمامهم الحدود، وستنهال عليهم المساعدات الدولية، وسنجد بين أيديهم أسلحةً فتاكةً مميتةً، تقتل وتدمر وتخرب، مما سيطيل أمد الحرب، ولن يكون الخاسر فيها غير الأوكرانيين، الذين صدقوا أمريكا واتبعوا شيطانها المريد، رئيسها بايدن وفيلسوف الحروب الأهلية برنار ليفي.