قلم: عرفات عبد الله أبو زايد
جرت العادة عند تناول أي أزمة فإنه لابد من تشخيصها بالشكل المطلوب والمنوط به أن يساهم في تفكيك الأزمة قبل أن تصبح كارثة واجتياح بالمعني الإداري كما يقول علماء الإدارة في تفسير مراحل تطور الأزمات بداية من مرحلة الحضانة حتى مرحلة الاستقرار والتعويض, ومن خلال نقاش أزمة تعطيل انتخابات مجالس الطلبة في جامعات قطاع غزة فإنه لازال الغبار متراكماً فوق صناديق الاقتراع داخل جامعات قطاع غزة, للعام السادس عشر على التوالي, حيث جرت أخر انتخابات "حقيقية" داخل أروقة الجامعات في العام 2006, وعقب الأحداث الداخلية الفلسطينية في صيف العام 2007 دخلت الجامعات في حالة من التعطيل الكامل للانتخابات, وفي الانتخابات الأخيرة كانت الشبيبة الفتحاوية قد فازت في العدد الأكبر من مجالس اتحاد الطلبة "الأزهر – الأقصى – القدس المفتوحة- .. إلخ", وفازت الكتلة الإسلامية في عدد محدود أهمها "الجامعة الإسلامية والكلية الجامعية للعلوم التطبيقية", في ظل حالة الاستقطاب حادة غير مسبوقة، حيث كانت تود حركة فتح من خلالها رد اعتبارها نتيجة لإخفاقها بالانتخابات التشريعية، وبالمقابل كانت حماس تسعى لإثبات أن النجاح بالانتخابات العامة لم يكن محض صدفة.
بالعودة لأحداث صيف 2007م، اتخذت الجامعات طريقتين لتجاوز مسألة الانتخابات تمثلت في:
1- تعيين أعضاء ورئيس لمجلس الطلبة بقرار من الجامعة.
2- قيام الجامعة بتكليف أخر إطار طلابي فائز بانتخابات 2006 بتعيين عدد من المحسوبين عليه لتشكيل مجلس اتحاد الطلبة، أي التكليف بالتزكية.
ومن المهم الإشارة إليه أنه في كلتا الحالتين لم يخرج قرار كلا المجلسين بشكلهما الحالي عن قرار إدارات الجامعات، بحيث تم تشكيل هذه المجالس لكي تكون أدوات في أيدي إدارات الجامعة وتنفيذ أجندة الجامعات وليس للدفاع عن حقوق الطلبة، حتى أن بعض الجامعات قامت بتوظيف رئيس المجلس وأعضاء المجلس كموظفين لديها في الجامعات، بحيث أنه بعض الجامعات بقيت تتعامل مع رئيس مجلس الطلبة المنتخب منذ 2006 كرئيس لمجلس الطلبة وفي ذات الوقت هو موظف لديها، هذا حقيقي وليس للمزاح.!
وعلى سبيل المثال وليس الحصر في العام 2015 في خِضم أزمة الرسوم الجامعية بإحدى الجامعات الكبرى كنت كمنسق لسكرتاريا الأطر الطلابية في لقاء إذاعي للحديث عن المشكلة وكان الضيف الآخر هو رئيس مجلس الطلبة لإحدى الجامعات الكبيرة، وفي معرض رده عن سؤال حول رفع الرسوم الجامعية قام بالحديث عن حق الجامعة برفع الرسوم الجامعية وأن الطالب يجب عليه أن يدفع مقابل تعليمه، وأن ما يجري من الأطر الطلابية هو عمل مسيس وموجه ضد الجامعة.. "هذا كان رد رئيس مجلس طلبة دوره الدفاع عن الطالب".
وما زلنا إطار تشخيص الأزمة، حيث قمنا عبر عدة مبادرات تمثلت في الاتفاق على إجراء الانتخابات، وقمنا بعقد لقاءات مطولة برعاية نواب بالمجلس التشريعي، حيث أتذكر بعد نقاش عدة أسابيع تم وضعنا في قاعة في المتحف وتم اغلاق الباب علينا لمدة 10 ساعات متواصلة لكي ننجز نظام انتخابي جديد وفق نظام التمثيل النسبي، حيث أن النظام القائم هو نظام الأغلبية الذي هو مرفوض من كافة الأطر الطلابية، وتم إقرار النظام الانتخابي وفق نظام التمثيل النسبي بنسبة حسم 2%, وتم وضع مواعيد الانتخابات, ولكن كان أمامنا ثلاث عُقد وهي مطالب الشبيبة الفتحاوية والتي يمكن توضيحها في النقاط التالية:
1- مطالبة الشبيبة بفتح مقرات انتخابية لهم إسوة ببقية الأطر الطلابية وذلك بعد اغلاقها سابقاً في العام 2007.
2- حرية الدعاية والمطبوعات للشبيبة الفتحاوية.
3- الضمانات الأمنية لمرشحي الشبيبة في الانتخابات الجامعية وكوادرها العاملين بالميدان.
على الرغم من قناعاتي الشخصية بأن الانتخابات الجامعية لا يجب أن ترتهن لقرار أمني أو تكون بقرار من ضابط أمن ولابد أن تنتزع ولا توهب, ولكن من باب إزالة العراقيل, تم الاتفاق على عقد لقاء مع قيادة وزارة الداخلية بحيث نخرج بموعد لإجراء الانتخابات وتم تشكيل وفد كنت ممثل عن الأطر الطلابية فيه برفقة الشيخ خالد البطش و الدكتور سامي أبوزهري وكان من المفترض أن يكون معنا الدكتور فايز أبوعيطة, وتوجهنا بالفعل للقاء اللواء توفيق أبونعيم الذي رحب بالمقترح واشترط وجود كادر مسؤول عن حركة فتح يوقع أيضاً هذا الاتفاق, ولكن في هذا اليوم د. فايز أبوعيطة لم يتمكن من حضور اللقاء, فقد تواصلت معه فكان مسافراً في الضفة المحتلة, ومن هنا تم تجميد القضية بالكامل, ولكن ما فهمته فيما بعد بأن لدى حركة فتح قرار بعدم الاعتراف بحكومة غزة وهناك قرار بعدم دخول مقراتها أو التوقيع على أي تفاهم معها.
نتيجة لعدم الثقة بين كلا حركتي حماس وفتح تم الاتفاق على التزامن بإجراء الانتخابات بالجامعة الإسلامية والأزهر بحيث تجرى الانتخابات في ذات اليوم, ولكن تفاجئنا لاحقاً في العام 2017 بمبادرة من الكتلة الإسلامية بإجراء الانتخابات في الجامعة الإسلامية بشكل منفرد وفق نظام التمثيل النسبي 2% , على شرط أن تجرى الانتخابات في جامعة الأزهر بعد عام بالتمام والكمال وفق نظام التمثيل النسبي, وفي حال لم تلتزم الشبيبة تتراجع الكتلة الإسلامية خطوة للخلف وتعود لإجراء الانتخابات وفق نظام الأغلبية, ذات المفاجأة تكررت بسحب الكتلة الإسلامية للمبادرة بعد بضع أيام دون أي مبررات مقنعة.
من خلال ما سبق يتبين لدينا عدة معضلات رئيسية تعود لأسباب تعطيل انتخابات مجالس اتحاد الطلبة في جامعات غزة وهي على النحو التالي:
1- عدم وجود إرادة حقيقية لدى بعض إدارات الجامعات خاصة الكبرى منها في إجراء الانتخابات "القرار سياسي".
2- وجود مشكلات تقنية تتعلق بالمطالب الخاصة بالشبيبة الفتحاوية "مقرات – ضمانات أمنية"
3- عدم وجود وعي كافِ لدى الطلبة بحقهم بالمشاركة بعملية ديمقراطية داخل الجامعات ينتخبوا من يمثلهم.
استطاعت الأطر الطلابية أن تنجز عدة مهام كانت معقدة للغاية وهو الاتفاق على النظام الانتخابي ووثيقة الشرف للعمل الطلابي، وانشاء تنسيقية للأطر الطلابية، وبناء علاقات واسعة مع مؤسسات المجتمع الأهلي والمدني ذات الصلة بالعمل الطلابي، وهو ما يمنح الأطر الطلابية مساحة وهامش أوسع في إطار عملية الضغط والمناصرة لإجراء الانتخابات الجامعية، ولكن العمل المبذول من الأطر الطلابية هو أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب منها، ويمكن تقسيم مواقف ورؤى الأطر الطلابية الى ثلاث فئات:
1- أطر طلابية تريد ابقاء الوضع على ما هو عليه للحفاظ على ما لديها من مكتسبات.
2- أطر طلابية لم تبذل جهود حقيقية واقتصار واختزال فعالياتها على بعض الخدمات الروتينية التي لا تصنع جيل واعِ ومثقف مدافع عن حقوقه الطلابية والنقابية.
3- أطر طلابية هي نسخ كربونية من بعض الأطر الوازنة والكبيرة وتدور في فلكها وتتبنى رؤيتها في كل التفاعلات الطلابية.
في ظل هذا المواقع فإن المأمول من الأطر الطلابية الكثير من المهام التي يجب أن تقوم بها قيادة الأطر الطلابية ومنسقيها داخل الجامعات عبر خطاب وازن تجاه الطلاب وإدارات الجامعات، خطاب قادر على وضع برامج حقيقي وإجرائي، والأطر الطلابية تمتلك الكثير من الأدوات والأساليب التي نستطيع من خلالها الوصول لكل طالب ولدينا الكثير من المفاعيل التي نستطيع من خلالها التأثير على طلبة الجامعات، ولدينا من الكوادر التي نستطيع من خلالها تجاوز الواقع الحالي الذي تهيمن عليه بعض الأطر الطلابية بشكل غير قانوني.
أشعر بالاستغراب الشديد وأنا أتابع الانتخابات الجامعية في جامعات الضفة وكيف يتم اجراء الانتخابات تحت حِراب الاحتلال بينما نحن في جامعات غزة لازلنا في مرحلة ردة الفعل ونضع العراقيل والعُقد في نفوسنا قبل واقعنا, من الجدير ذكره لمن لا يعلم, فإن إجراء الانتخابات وفق نظام التمثيل النسبي 2% سيضمن لأصغر الكتل الطلابية عدداً أن يكون لها مكاناً في مجالس اتحاد الطلبة أو ما يسمى المؤتمر الذي ينبثق عنه مجلس الطلبة, فالمطلوب حراكاً طلابياً واستثمار للإمكانيات التي بين ايدي الأطر الطلابية وتسخيرها لهذا الهدف, مع ضرورة الخروج من حالة الخمول, على الأقل المطلوب أضعف الإيمان هو أن ترفع صوتها و أن لا تستكين لهذا الواقع, المطلوب أن تكون الأطر جزء من الحدث وليس متفرج عليه, لديكم من الطاقات والكوادر القادرة على إحداث تغييرات جمة في الحقل الطلابي عززوا جهودكم في هذا الاتجاه, ونحن معكم وجنود لديكم بكل ما نملك من خبرات وقدرات وعلاقات مع المؤسسات وإدارات الجامعات التي تؤمن بنا ونؤمن بأنها شريكة معنا في هذا النضال.