بالرغم من المكاسب الكثيرة والمميزة التي حققتها المرأة العربية خلال الفترة الأخيرة، إلا أن هنالك العديد من الصعوبات التي تحول دون تفعيل مشاركة حقيقية للنساء في الوطن العربي، اذ يعاني الكثير من الصحافيات في العالم العربي من مشاكل وتحديات تفرضها طبيعة عملهن، إضافة إلى خصائص المجتمعات التي يعشن بها، فهل السبب هو غياب الحماية القانونية أم العقليات السائدة؟
يشهد الاعلام العربي تراجعا حادا في مستوى الحريات الصحفية والتعددية الإعلامية، حسب تقارير سنوية لعدة مؤسسات دولية، إذ يوصف الشرق الأوسط بالمنطقة الجغرافية الأسوأ ترتيبا على الإطلاق، إضافة إلى التحديات التي تفرضها الأنظمة الشمولية، فإن الحروب والنزاعات المسلحة تشكل تهديدا حقيقيا على مستقبل الإعلام وحياة الصحفيين والصحفيات، كما تحول عدد من الدول العربية إلى مقبرة للصحفيين، فيما أصبحت دولا أخرى سجنا لكثير من الإعلاميين.
ومع انعقاد الدورة 49 لمجلس حقوق الإنسان، فقد نظمت لجنة دعم الصحفيين (JSC)، لقاء حواريا تحت عنوان "اعلاميات عربيات يكسرن الانحياز ويواجهن التحديات"، وذلك عبر تطبيق Zoom صباح يوم الثلاثاء في 22 آذار-مارس 2022، بحضور اعلاميات من مختلف الدول العربية يتحدثن عن التحديات التي تواجهنها في الوطن العربي، وشارك في اللقاء كل من الاعلامية شيماء عبدالله (اليمن)، الاعلامية فاديا الحسيني (تونس)، الاعلامية ليليان معروف (سوريا)، الاعلامية لينا الطويل (فلسطين)، والاعلامية نور التميمي (العراق).
وافتتحت الإعلامية عبير محفوظ من لجنة دعم الصحافيين ( JSC) اللقاء بقولها: ان اليوم العالمي للمرأة قد وحد كافة الجهود في جميع أنحاء العالم تحت شعار "اكسروا الانحياز"، إذ تسعى المرآه العربية للالتحاق بركب المساواة مع الرجال والذي تأخر بسبب الاضطرابات التي اندلعت في الدول العربية بسبب أزمة كورونا.
ان لجنة دعم الصحفيين، وبناء على التجارب الحية التي اوردنها عن التحديات والمعاناة التي تواجههن يوميا، تطالب الجهات الدولية الناظمة لعمل الصحافة والضامنة لحق الصحفيين والصحفيات بالحماية وبظروف عمل آمنه، واحترام الكرامة الإنسانية ورفض التمييز بمختلف اشكاله والعمل على توفير بيئة عمل آمنة للصحافيات، كما للصحافيين دون تمييز او تحييز.
ورحبت مشرفة قسم البرامج في إذاعة الاسرى ومذيعة قناة القدس اليوم في دولة فلسطين الصحفية لينا الطويل، بالحضور وشكرت لجنة دعم الصحفيين والاعلاميات العربيات على هذه الفرصة لتمثل الاعلاميات الفلسطينيات، موضحة ان هناك جملة من التحديات تواجه الإعلامية الفلسطينية ومنها العمل بوقت الحرب والسلم لنقل الصورة الحقيقية للعالم اجمع.
وأضافت الطويل، ان الإعلامية الفلسطينية تعاني من البيئة والواقع الفلسطيني الذي تعيشه ما بين تحديات ومعيقات يفرضها الاحتلال الصهيوني، من قيود واضطرابات ومضايقات وملاحقة الاعلاميات والإعلاميين ومصادرة موادهم واجهزتهم ومعداتهم الإعلامية واعتقالهم لمدة طويلة والتحقيق معهم على خلفية عملهم الإعلامي.
إلى أن الاحتلال هو أساس المعيقات التي تواجه الصحفي الفلسطيني، مشيرةً إلى أن غياب القانون والقضاء يتيحان انتهاك حقوق الصحافيين، موضحة أن الحريات الصحفية هي نتاج لتطور المجتمع، مؤكدة على أهمية تعزيز سلطة القانون وقانون نقابة الصحافيين في فلسطين.
وأشارت الصحفية لينا الطويل إلى أن الانقسام الفلسطيني أثر على الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يعيشها المواطن الفلسطيني، كما أثر بشكل كبير على العمل الإعلامي، اذ باتت الكثير من المؤسسات الإعلامية حزبية أكثر من كونها وطنية.
وبينت الطويل ان القيود المفروضة على حرية الراي والتعبير يشكل عائقا وتحدي في ظل غياب القانون، مشيرة إلى أن الكثير من المؤسسات الإعلامية لا تلتزم بالحد الأدنى للأجور الذي اقره مجلس الوزراء الفلسطيني.
وسجلت تقارير صادرة من منظمات محلية ودولية عن تزايد نسب انتهاكات حقوق المرأة الصحفية، في ظل غياب القوانين، وتنامي سطوة السلاح المنفلت وضعف هيمنة القانون العراقي، الأمر الذي اثر على الإعلاميات العراقيات.
وبحسب تقارير أعدتها منظمات المجتمع المدني المحلية، سجلت حجم المضايقات التي تعرضت لها الصحفيات والتي تندرج ضمن الانتهاكات، مطالبة بالحماية للصحفيات.
وفي ذات الشأن، قالت مقدمة البرامج بدولة العراق الصحفية نور التميمي، إن التحديات التي تواجه الاعلامية العراقية تتمثل بعدم جود قانون او نص قانون يضمن حمايتهن، مبينة أن تعدد الأحزاب وتعدد وجهات النظر الإعلامية أهم الأسباب في ضعف عمل الإعلامية العراقية.
وأشارت التميمي إلى أن الصحفية العراقية لها وقت محدد للعمل ويصعب تواجدها في الميدان في ساعات متأخرة من الليل رغم وجود أحداث ميدانية بشكل يومي ومستمر.
إن العمل الصحفي في العراق يقلل من وجود المرأة فيه، لأن المجتمع العراقي ينظر للوسط الإعلامي بأنه بيئة سيئة لا يناسب الفتيات، بسبب تعرض عدد كبير من الإعلاميات للتنمر والسخرية، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي.
إن الوضع الأمني والقانوني المتردي لا يسمح للصحفي بقول الحقيقة ومجابهة الفساد بسبب كثرة "الخطوط الحمراء" في العراق التي لا يستطيع "الرجل" الصحفي حماية نفسه منها.
ولعل أبرز الأسباب التي تؤثر على العمل الصحفي للنساء هو الزواج والانجاب أو أن المرأة تابعة لإحدى العشائر، الأمر الذي يدفعهن لترك العمل.
أما في تونس، قالت الكاتبة الصحفية ومراسلة نيو نيوز الإخبارية فاديا الحسيني، إن نقابة الصحفيين والمؤسسات الصحفية تراقب الفضائيات والإعلاميين.
حيث تطرقت الحسيني إلى حادثة اعتداء الامن التونسي عليها أثناء تغطيتها الميدانية، موضحة أنه يجب توفير الحماية الامنية للإعلاميات، واصفة مهنة الصحافة بمهنة المخاطر، لكن ذلك لم يمنعها من اقتحام المجال الإعلامي بنفسها.
وفي ذات السياق تقول الصحفية شيماء عبدالله، مراسلة وصحفية من اليمن: نحن نعيش في مجتمع ذكوري لا يفسح مجالا كبيرا للمرأة الإعلامية، فالرجل هو السبب هذه العوائق التي تتعرض لها الصحفية، فالمرأة مطالبة قبل الرجل بأن تثبت دورها الفعلي في الدفاع عن حقوقها للارتقاء بدورها والوصول إلى تحقيق ذاتها".
أوضحت عبدالله، بان النظر للمرآه الإعلامية باليمن مصدرا للفتنة، والمجتمع اليمني لم يتقبل الصحفية اليمينية بوجودها كمرأة عاملة ودائما تواجه التهديد والرفض والمضايقة.
والصورة التي رسمها غالبية وسائل الإعلام العربية للمرأة هي صورة سلبية، واتخذت أشكالا مختلفة ولكن مضامينها متشابهة؛ فهي إما تظهر كسلعة أو أداة لتسويق سلعة أو مستهلكة أو جاهلة، أو زوجة متسلطة مع الحضور الدائم لصورة المرأة ربة البيت وتجاهل المرآه العاملة.
في نفس السياق قالت الكاتبة والصحافية ليليان معروف من سوريا إن التحدي الأكبر بسوريا هو كيفية الحصول على الخبر من المصدر الموثوق، ربما لدواعي أمنية او هي اسرار دولية يحذر نشرها، لكن في بعض الاوقات يجب السعي وراء الحصول على المعلومة الصحيحة من المصدر الرئيسي والبحث عن الشخص المناسب للحصول عليها، مشيرة إلى وجود تحديات أخرى تكمن بالوزارات والإدارات التي يحكمها رجال، فهذا اما أن يفتح الأبواب أمام الصحفيات أو يغلقها.
أكدت معروف على ان هناك مناطق يصعب على الصحفية الوصول اليها والحصول على المعلومة، خوفاً من التعرض للتحرش أو الضرب بأعمال الشغب في الكثير من الأحيان، خاصه الاعتصامات المطالبة برحيل الحكومات في البلدان العربية، مؤكدة أن الإعلامية في بلادها تعاني من انخفاض الأجور ومنهن من تعمل بالإعلام الرسمي او المواقع الإخبارية وتعاني من تأخير الحصول على أجورهن.
في ظل المنافسة بين الذكور والاناث في المجال الإعلامي، وجب الاعتماد على النقد البناء وعدم آذيه مشاعر الأخرين في سبيل تطوير العمل الإعلامي للمرأة رغم صعوبات المهنة الإعلامية وجب استخلاص المعلومة والحصول عليها بمصداقية دون تحريف.
ختاماً، إن المرأة الإعلامية تسعى بشكل دائم لاستثمار مجهوداتها في تحقيق أهدافها المرجوة في التنمية المستدامة لرفع الظلم عن كافة المجتمعات ونقل الحقائق وتوثيقها لتكون دعما وسندا للمرآه بالصورة الكاملة.