قائمة الموقع

في الذكرى ال 46 ليوم الأرض: قمة الشر تتهاوى على وقع المقاومة

2022-03-31T13:27:00+03:00
عبد الجواد العطار.jpg
كتب د. عبد الجواد العطار

افتتح محمود  درويش قصيدة الأرض فقال: في شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض أسرارها الدموية، في شهر آذار مرت أمام البنفسج  والبندقية خمس بنات، وقفن أمام مدرسة ابتدائية، واشتعلن مع الورد والزعتر البلدي، وافتتحن نشيد التراث، ودخلن العناق النهائي. آذار يأتي الى الأرض من باطن الأرض يأتي، ومن رقصة الفتيات – البنفسج مال قليلاً ليعبر صوت البنات. العصافيرُ مدّت مناقيرها في اتّجاه النشيد وقلبي. أنا الأرض والأرض أنت. ثم يختم قصيدته  فيقول: أيها العابرون على الأرض في صحو لن تمروا... لن تمروا... لن تمروا.

من وحي الكلمات التي تخرج من عبق الأرض الممزوج بطهر الدم، تغني الشعراء والأحرار بيوم الأرض؛ لأنه شكل وما زال محطةً فارقةً في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني، فمن سحر الأرض تنبعث الكلمات لترسم صورة السنابل وهي تعانق السماء، يوم الأرض الذي تكسرت على صخرته كل مشاريع التصفية والتهويد لدمج وتذويب فلسطينيو الداخل المحتل داخل المجتمع الصهيوني، حيث مثل هذا اليوم أول هبة  جماهيرية بعد احتلال جزء من فلسطين التاريخية عام 1948م، واحتلال باقي فلسطين عام 1967م؛ ليؤكد فيها الفلسطيني بشموخه وإرادته وصموده بأنه لازال متمسكاً بأرضه وهويته.

لم يكن ال 30 من آذار/مارس عام 1976م يوم عادي حيث رسخ ثقافة يتناقلها الأجيال، جيلاً بعد جيل، بأن هذا الاحتلال على الرغم من حالة الهيمنة والغطرسة التي يمارسها بحق الشعب الفلسطيني والتجبر والعنجهية لسنوات وسنوات، فلا بد للحق أن يرجع الى أصحابه، وأن هذه الأرض يجب أن ترجع الى أهلها، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فما من محتل احتل أرضاً وعمر فيها عشرات السنين إلا وقد طرد مذلولاً صاغراً، وسيبقى الفلسطينيون شوكةً في حلق هذا المحتل كما قال الشاعر الفلسطيني توفيق زياد: هنا على صدوركم باقون كجدار... وفي حلوقكم... كقطعة الزجاج... كالصبار...وفي عيونكم... زوبعةً من نار.

لذا فإن الفلسطيني كل يوم له بمثابة يوم للأرض، حيث يواجه سياسات هذا الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية والتي تهدف إلى مصادرة للأراضي الفلسطينية، حيث يشكل الاستيطان رأس أولويات المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، لذلك عندما تحدث الدكتور فتحي الشقاقي رحمه الله عن فلسطين كان سؤاله: لماذا القضية الفلسطينية قضية مركزية للأمة العربية  والإسلامية، وتحدث عن البعد الواقعي، كان جوابه: أن الاحتلال الإسرائيلي يمثل خطراً على الفلسطينيين، ففي كل يوم يقتل ويصادر الأراضي ويدنس المقدسات، وبالتالي تصدى أبناء الشعب الفلسطيني لهذا السياسات ورسموا ملحمةً بطولية في دفاعهم عن أرضهم.

ففي هذا العام يعانق دم شهداء يوم الأرض الستة عام 1976م، شهداء ذكرى يوم الأرض عام 2022م الشهداء الأبطال: خالد وأيمن غبارية، ومحمد أبو القيعان، وضياء حمارشة، حيث هب هؤلاء الأبطال ليواجهوا الحملة المسعورة المتجددة  التي يشنها الاحتلال الصهيوني ضد  الأراضي الفلسطينية في الداخل المحتل وخاصة النقب؛ ليخرج لهم أبناء فلسطين في النقب في ثوره عارمة يتصدون لمخططاته الاستيطانية في النقب والتي تهدف إلى نهب ما تبقى من الأرض الفلسطينية، وما زالت الحملات المجنونة التي يقودها اليمين المتطرف داخل دولة الاحتلال لمصادرة أرض النقب ليكملوا ما يسمونه  بحلم بن غوريون في اعمار صحراء النقب، فإذا كانت احدث يوم الأرض جاءت بعد إعداد الحكومة الإسرائيلية برئاسة رابين عام 1976م عن خطة تهويد منطقة الجليل، فإن عمليات بئر السبع، والخضيرة، وبني براك، جاءت لتواجه خطط تهويد النقب وكل الأراضي الفلسطينية؛ ولإفشال قمة الشر في النقب والتي تسعى لتعزيز الرواية الإسرائيلية، حيث كان للشباب الثائر كلمته في يوم الأرض، فالعمليات البطولية الأخيرة في الداخل المحتل، في بئر السبع والخضيرة وبني براك، تحمل دلالات هامة تتمثل بالتالي:

أولا: تجذر الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه، وبأنه لن يساوم على ذرة تراب منها، وبأن البوصلة يجب أن توجه لتحرير فلسطين كل فلسطين.

ثانيا: الصراع مع هذا العدو المجرم صراع شامل ومفتوح، ولن تستطيع آلة حربه ثني الشعب الفلسطيني عن تحرير أرضه ومقدساته من المحتل.

ثالثا: هذه العمليات تؤكد على أن كل المحاولات الصهيونية لإذابة فلسطينيو الداخل في المجتمع الصهيوني باءت بالفشل، وسيبقى فلسطينيو الأرض المحتلة علم 1948 شوكةً في حلق المحتل.

رابعا: تزامن العمليات البطولية مع ذكرى يوم الأرض رسخ ثقافة الانتصار في عقول وقلوب الفلسطينيون، وبأن زوال هذا الاحتلال لا يأتي إلا عبر المقاومة، فلا يفل الحديد لا الحديد.

خامساً: فشل المنظومة الأمنية والعسكرية في التصدي للعمل المقاوم، والذي زعزع الثقة بين المنظومة الأمنية والمجتمع الصهيوني.

وفي اللحظة التي يسطر فيها أبناء الشعب الفلسطيني أروع ملامح العزة والشموخ بدفاعهم عن أرضهم،  بتهاوي المطبعون من بعض الأنظمة العربية، ليخرجوا لنا بصورة تعبر عن خزيهم وذلهم بإدانة هذا العمل البطولي، حيث صوروا الفلسطيني الذي يذبح كل يوم بأنه القاتل والجلاد، وان المحتل الذي يستبيح الدم ويسرق الأرض، ويدنس المقدسات بأنه الضحية.

والمفارقة العجيبة أن هؤلاء المطبعون تداعوا لعقد قمة الشر في النقب، وفي مستوطنة "سديه بوكر"، هذه المستوطنة التي انتقل للسكن فيها أول رئيس وزراء إسرائيلي ديفيد بن غريون حتى يشجع الاستيطان في النقب، ومات ودفن فيها؛ ليتحول قبره إلى مزار ومتحف للصهاينة، حيث قال بن غريون: "صحراء النقب هي المساحة الأوسع والأكثر فراغاً في البلاد، وعليه فإن من الخطر جداً أن تتسامح إسرائيل مع وجود صحراء بداخلها، فإذا لم تلغ الدولة تلك الصحراء، فستلغي الصحراء الدولة".

يأتي هؤلاء المطبعون لهذا المكان وكأنهم يقرون ويعترفون بحق دولة الاحتلال بقتل الشعب الفلسطيني، وتهجيره من أرضه، حتى أن وزير الخارجية الإماراتي يقول: "نندم على أننا لم نتعرف على إسرائيل لأكثر من 43 عاماً"، هؤلاء كأنهم يقدمون شكرهم لديفيد بن غريون على تهجيره لأكثر من 750 ألف فلسطيني من أرضهم، وتدميرهم لأكثر من 530 قرية ومدينة فلسطينية، وعشرات الآلاف من الشهداء الذين تم قتلهم على يد العصابات الصهيونية، ومئات الآلاف من الأسرى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.

إذاً نحن أمام مشهد مخز ومذل يتمثل في هؤلاء المطبعين، الذي يحمل دلالات تاريخية كبيرة للصهاينة، وذلك نلاحظه بتركيز الإعلام العبري على هذه القمة رغم أن معظم المحللين السياسيين الصهاينة أكدوا بأن هذه القمة ما هي إلا صورة لن تحدث أثراً، ولكن أكدوا بأن انعقادها يعتبر إنجاز كبير له دلالات تاريخية مباشرة على اعتراف المطبعين العرب بالرواية الصهيونية التاريخية بأحقيتهم في هذه الأرض.

ووسط هذه الأجواء القاتمة في قمة الشر في النقب، يسطع النور من آخر النفق في العمليات البطولية في بئر السبع، والخضيرة، وبني براك؛ لتبدد وهمهم وزيفهم، ولترسخ الحقيقة الساطعة التي يعشقها كل مسلم وعربي حر؛ بأن فلسطين كل فلسطين من بحرها إلى نهرها، هي ارض إسلامية حاضرة في وجدان الأمة، وأن هذا الاحتلال عابر عن هذه الأرض، وحتماً ستعود يوماً إلى أصحابها، وسنطردهم من هوائها كما قال الشاعر محمود درويش: سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل – سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل...سنطردهم من هواء الجليل.

اخبار ذات صلة