تعودت إسرائيل على خلط الأوراق ووضع جدول الأعمال الخاص بها وفق مصالحها، وفي زحمة إنشغال العالم بالأزمة الروسية الأوكرانية، أعتقدت إسرائيل أنها ستغيب القضية الفلسطينية عن المشهد الدولي. وتسعى بكل ما تملكه من قوة وعلاقات دولية وإقليمية ليس لتهميش القضية الفلسطينية فحسب بل تصفيتها، عبر عقد تحالفات دول التطبيع العربي، وتعزيز مكانتها الاقليمية، وتأثيرها في عدد من الانظمة العربية والتي تجلت بعقد قمة في النقب.
منذ أشهر وإسرائيل تحذر من انفجار الاراضي الفلسطينية المحتلة، وجندت الولايات المتحدة الامركية وحلفائها العرب الذين كثفوا من اتصالاتهم وزيارتهم والضغط على قيادة السلطة وحماس، لوقف الانفجار الفلسطيني ومقاومة الفلسطينيين، وانقاذ السلطة من الإنهيار والغضب الفلسطيني المتراكم ويتصاعد.
في ظل تكثيف المستوطنين من أساليبهم خلال عام 2021 في توسيع نشاطهم الاستيطاني، واعتداءاتهم على الأرض والمواطنين الفلسطينيين. التقديرات ترجح أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية وصل في نهاية عام 2021 نحو 460 ألفا، يضـاف إليهـم نـحـو 375 ألفا داخل حدود القدس الشرقية.
يجري ذلك في الذكرى الـ 46 ليوم الارض. الخالد، واسرائيل مستمرة في فرض الوقائع اليومية على الأرض، ومع ذلك لن تسطيع أي قوة في العالم تغيير حقيقة جرائمها، والظلم الواقع على الفلسطينيين ومعاناتهم اليومية، وتهجير وقتل وتشريد نحو 6 مليون فلسطيني في أصقاع الأرض.
الشعب الفلسطيني يسعى للحرية والحياة الكريمة، وتحقيق السلام والعدالة من الاحتلال وجرائمه، وجاءت قمة النقب التي خططت لها إسرائيل وسعيها لإعادة تشكيل ما يسمى الشرق الأوسط الجديد وقبادة الإقليم، وفشل بعض الأنظمة العربية من إستعادة دورها ووحدتها لمواجهة التحديات وحل أزماتها الداخلية والخارجية، لكن تلك الأنظمة العربية فضلت الخنوع تحت قيادة جلادها الإسرائيلي المحتل، من أجل مصالحها الخاصة وتعظيم الخطر الإيراني على حساب الانتصار للقضية الفلسطينية.
وتعتقد تلك الأنظمة المرتجفة أن تحالفها مع إسرائيل ستشكل الحماية لها، بتشكيل تحالف إقليمي بقيادة إسرائيل التي ترتكب كل موبقات الدنيا من جرائم واستيطان استعماري ونظام الفصل العنصري الوحيد في العالم، والتنكر لحقوق الفلسطينيين، وهي الخطر الأعظم في المنطقة العربية. وتستغل تلك القمم، وحالة التطبيع المخزي وفق مصالحها.
انعقاد قمة إسرائيلية عربية في النقب المحتل هو ليس مجرد خيانة بل إذلال وعار وخزي، والتي تعمل إسرائيل على تهوديه بشراسة، وأن تعقد في النقب ورمزيته بالنسبة لإسرائيل، وبالقرب من قبر المجرم الأول دافيد بن غريون، والذي قاد وأصدر الأوامر بقتل وتهجير وطرد الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وسرقة ممتلكاتهم، هو انتصار اضافي لإسرائيل وظلم للضحايا.
وهذا هو السياق المستمر منذ ثلاثة عقود على اتفاق اوسلو، وشراسة الاحتلال وتوسيع النشاط الاستيطاني، وبرغم توصيف منظمات حقوق الانسان الدولية إسرائيل بانها نظام فصل عنصري، جاء الهجوم في بئر السبع وإن اختلف الفلسطينيون عليه، وبالقرب من مكان عقد القمة، ولاحقا وقع هجومين في قلب المدن الإسرائيلية ومقتل 11 إسرائيلياً، وفي ظل حمى الاتصالات والتحذيرات من الانفجار في شهر رمضان ليذكر المجتمعين بأن الشرق الأوسط القديم بكل مشكلاته وازماته، لم يتغير وأن القضية الفلسطينية حاضرة بكل تفاصيلها. وأن انعقاد القمة ومخرجاتها وتشكيل منتدى اقليمي لم يغير شيئ من عدالة القضية الفلسطينية وبقائها حاضرة بمقاومة أصحابها وعدم خضوعهم، ولم يجمل شكل إسرائيل وصورتها الحقيقية وجرائمها وتنكرها لحقوق الفلسطينيين.
تزعم وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه منذ 17 عاما لم تشهد دولة الاحتلال مثل هذه العمليات العسكرية داخل المدن، خلال هذه الفترة استمر الاحتلال العسكري بارتكاب جرائمه، وتعزيز الاستيطان، كما استمرت الاجهزة الامنية الفلسطينية بالتنسيق الامني والاعتقالات اليومية التي تنفذها الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والاوضاع القاسية والغضب الشعب من سلوك السلطة والتفرد في السلطة التي تعاني ضعف شديد.
وخشية إسرائيل والولايات المتحدة من إنهيارها، خلال الفترة الماضية استمرت إسرائيل بسياساتها، وتقديم تسهيلات إسرائيلية للسلطة للحفاظ على بقائها واستمراراها عبر مساعدات اقتصادية، وزيادة عدد العمال الفلسطينيين، لشراء سكوتهم ويعملوا في ظروف قاسية وبدون أي حقوق، لمنع اي مقاومة والتي تم تجريفها من قبل الاجهزة الامنية، وساد شبه استقرار، ومع ذلك استمر الاحتلال الذي واصل تنكره لحقوق الفلسطينيين وحرمانهم من العيش بكرامة وحرية.
يبدو أن إسرائيل تخشى غضب الفلسطينيين اللذين قرروا بدون قيادة أن يكون شهر رمضان مشتعلاً من خلال مقاومتهم في جميع انحاء فلسطين، وهذا أيضا أخاف المطبعين وراعيتهم الولايات المتحدة الامريكية والخشية من فقدان السلطة سيطرتها وزيادة ضعفها، وأيضاً تمارس تلك الانظمة والولايات المتحدة الضغط على حكومة الاحتلال بتجنب الاشتباك مع الفلسطينيين في شهر رمضان، والابقاء على الأوضاع القائمة وتقديم التسهيلات الإنسانية خشية الانفجار.
ومع ذلك دولة الاحتلال مستمرة بسياساتها واستفزارات وعنف المستوطنين، والقتل اليومي، وهذا ما يدفع الفلسطينيين للدفاع عن انفسهم والذين فاجئوا جميع الوسطاء والحلفاء، باشعال الارض تحت اقدام الاحتلال.
وهل مطلوب من الفلسطينيين الاستسلام والخضوع لسياسات الاحتلال، والوسطاء اللذين يتماهوا مع الاحتلال وتصفية القضية الفلسطينية، في ظل استمرار الانقسام، وغياب أي مقاومة وطنية شاملة وبناء على خطة وطنية استراتيجية، والتخلص من قيود اوسلو والإتفاقيات الإقتصادية والأمنية.
من غير المعقول أن يبقى حال منظمة التحرير والمؤسسات الوطنية بهذا الضغف والتفكك، وعدم تحملها مسؤولية الشعب الفلسطيني، وطاقاته الحيوية الكامنة، وتوفير أي حماية لشعبنا واستفراد الاحتلال والمستوطنين، والاستثمار في هذا الخوف والرعب من الانفجار الفلسطيني في رمضان الكريم.