شكلت الحركة الطلابية الفلسطينية ركيزة أساسية وعموداً فقرياً للمشروع الوطني الفلسطيني منذ نشأتها، على الرغم من ثمة تعقيدات أحاطت فبها لاسيما في مرحلة النشأة لا أنها تجاوزتها بكل يقين، وذلك عبر فهمها لطبيعة الصراع وبالتالي انخراطها مبكراً في المواجهة مع المشروع الصهيوني الذي سعى لتجهيل شعبنا وإخراجه من حالة الاشتباك، حيث يعلم الاحتلال أن المثقف المشتبك هو الأكثر خطراً على مشروعه التوسعي في المنطقة، بالمقابل سعت الحركة الطلابية لأن تصنع جيلاً مثقفاً قادراً على أن يملك أدوات تحليل الصراع المبني على حالة الوعي، وبالتالي الاستفادة من الطلبة عبر اندماجهم في العمل المقاوم وجعله أكثر احترافية بالاستفادة من التخصصات الجامعية التي أفرزت العديد من الأدمغة التي واجهت الكيان الصهيوني بكل ثقة وثبات في كثير من المحافل.
في ظل الأحداث المستجدة على الأراضي الفلسطينية من المهم أن تدرك الحركة الطلابية قيمة الواجب والمهمة الملقاة على عاتقها، فهي سليلة قيادة فلسطينية تاريخية نشأت في ربوع الجامعات وأسست كفاً مقاوماً يواجه مخرز الاحتلال، وهو معنى مختلف نستشرفه في التجربة اليومية لطلبة الجامعات الذين حملوا على عاتقهم أن يكون لهم دور بارز في تفعيل العمل المقاوم على طريق من سبقوهم، حينما تحدث الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي من قلب دمشق عن المثقف وأهميته في سياق المواجهة مع المشروع الصهيوني فقال: "المثقف أول من يقاوم وأخر من ينكسر"، فلم يكن هذا مجرد شعار يُرفع للتباهي به، بل هذه الكلمات تحمل الكثير من الدلالات الهامة والواجبات المطلوب إنجازها من الحركة الطلابية في ظل التحولات والتغييرات التي تعيشها القضية الفلسطينية، لم يكن مهند الحلبي طالب الحقوق في جامعة القدس أبوديس والقادم من بلدة سردا شمال مدينة رام الله مجرد طالب جامعي عادي، بل كان استثنائي في كل ما يملك من فِهم ووعي لطبيعة الصراع، فقد كان أحد كوادر الرابطة الإسلامية الإطار الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي، وكان لديه ما يكفي من الإيمان والوعي والثورة التي جعلته مفتاحاً لانتفاضة القدس ومُلهماً للكثير من الأجيال عبر تنفيذه لعملية بطولية قرب باب الأسباط بالقدس المحتلة، بمعنى أن الحركة الطلابية عليها الكثير من المهام التي يجب أن تقوم بها، بداية من زرع الايمان لدى طلابنا بعدالة القضية والدفاع عنها وتعزيز الوعي ومواصلة حالة التعبئة داخل جامعات ومواكبة الميدان، ومواجهة سياسة كي الوعي التي يمارسها الاحتلال، وبالتالي فإن هذه الواجبات تسهم بشكل مباشر في انخراط طلبة الجامعات في المواجهات اليومية مع الاحتلال على كل نقاط التماس.
تكمن أهمية الحركة الطلابية في قدرتها للوصول إلى عدد كبير من المجتمع الفلسطيني وهي الشريحة الأهم التي تملك الطاقة والوعي، حيث تتواجد الحركة الطلابية في 49 مؤسسة تعليمية ما بين جامعة وكلية في قطاع غزة والضفة المحتلة، 32 منهم في الضفة، و16 في قطاع غزة، بالإضافة إلى جامعتين للتعليم المفتوح: جامعة القدس المفتوحة التي تتوزع مراكزها ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة بواقع 22 مركز، (17) مركز في الضفة، و(5) في قطاع غزة، والجامعة العربية المفتوحة في رام الله.، وفي التوزيع الأكاديمي التفصيلي يمكن القول بأنه يوجد 10 جامعات في الضفة يقابلهم 6 في قطاع غزة، وكذلك 11 كلية جامعية في الضفة يقابلهم 5 في قطاع غزة، و11 كلية المجتمع المتوسطة في الضفة، يقابلهم 6 في قطاع غزة، وهذا التوزيع الأكاديمي له العديد من المميزات في قدرة الحركة الطلابية على استخدام عدة أساليب وطرق في إطلاق الآليات المناسبة لكل مستوى من المستويات الأكاديمية، فالأساليب والطرق والآليات وحتى الخطاب الذي يتم توجيهه للجامعات يختلف عن الكليات وهكذا، وحتى في أدق تفاصيل العمل، تختلف آليات العمل بين الكليات داخل الجامعة الواحدة، فمثلاً الطريقة والأسلوب للعمل التعبوي والتوعوي في كلية الطب يختلف عن كلية العلوم الإنسانية، والاختلاف يكون من حيث الأدوات والأشخاص التابعين للحركة الطلابية والمطلوب منهم ممارسة هذا الدور، فهناك سمات مختلفة للأشخاص يجب أن تتعامل معها الحركة الطلابية في عملها داخل الجامعات والكليات.
وتزداد أهمية الحركة الطلابية ليس بسبب الأعداد الكبيرة للمؤسسات التعليمية "الجامعات والكليات" فحسب، ولكن أيضاً بسبب أعداد الطلبة داخل الجامعات في ظل أننا نعيش في مجتمع يؤمن بالتعليم الجامعي لأبنائه، حيث يتواجد على مقاعد الدراسة في الجامعات والكليات حتى العام 2022 ما مجموعة 214،765 طالب وطالبة -مئتان وأربعة عشر ألف وسبعمائة وخمس وستون- على مستوى الضفة وقطاع غزة.
من هذا المنطلق يأتي تشكيل وصياغة وعي الطلبة كواحدة من أهم الواجبات والمسؤوليات الواقعة على عاتق الحركة الطلابية، باعتبارها أحدى أهم الركائز لدعم المقاومة واسنادها والانخراط بكافة تشكيلاتها، فالحركة الطلابية لا تقتصر مسؤوليتها ودورها على الجانب الخدماتي المتعلق بالاتجاه الأكاديمي وولا يمكن اختزاله في تنفيذ بعض الفعاليات، بل تتعدى ذلك إلى الوقوف بكل قوة في وجه المشروع الصهيوني والتمترس خلف المقاومة وانشاء جيل مقاوم قادر على قيادة الساحات الميدانية الساخنة بين الاحتلال والمقاومة، والمطلوب منها رفد المقاومة بالكوادر الشبابية ذوي الكفاءة والمهارة والقدرة بهدف دعم مشروع المقاومة بالخبرات العلمية المطلوبة، فنحن نتحدث عن مشروع مقاوم ينتمي له أبناء شعبنا وعلى رأسهم طلبة الجامعات، العديد من المهام المطلوبة من الحركة الطلابية في الضفة المحتلة وقطاع غزة، ولكل طرف منهم دور ومسؤولية ولا يجب أن يتنصل أي منهم عن واجباته تجاه الأحداث الجارية حالياً تحت مبررات غير منطقية، فالعمل المقاوم المشتعل والآخذ بالازدياد في الداخل المحتل وكذلك في مدن الضفة ولاسيما في جنين عبر "كتيبة جنين" يتطلب منا أن نكون على قدر هذه المرحلة وما تحتويه من تحديات ورهان كبير على الحركة الطلابية والشباب، هذه المرحلة التي تحتاج أن تكون الحركة الطلابية أكثر نباهة ولياقة في تطوير ذاتها والارتقاء بالخطط الخاصة بها بهدف إبقاء حالة المشاغلة مع الاحتلال مستمرة عبر الاستفادة من المخزون الكبير الذي تملكه من الكوادر الطلابية في الجامعات بهدف توصيل رسالتها التوعوية لجموع الطلبة، وإدماجهم في العمل المقاوم المشتعل ضد الاحتلال.