بينما كان وزير حرب الاحتلال عام ٢٠٠١ بنيامين بن اليعيزر يعقب على اغتيال قائد السرايا إياد حردان مخاطباً المجتمع الصهيوني قائلاً: "بإمكانكم أن ترتاحوا بعد أن تخلصنا من إياد حردان"؛ كانت دماء القائد الشهيد تزهر جيشاً من المقاتلين الأشداء الذين حملوا لواء الجهاد والشهادة من بعده؛ ليكتبوا بأقلام الثبات وحبر الفداء انتصاراً مدوياً لدم الجهاد على سيف بني إسرائيل فكانت العفولة ونتانيا والخضيرة وتل أبيب و غيرها من الأماكن التي كتب فيها المقاومون شهادة الوفاة لراحة المحتلين واستقرارهم.
وكانت ملحمة العصر الخالدة، معركة المخيم عام ٢٠٠٢، التي استل سيفها وحمل درعها مع جموع المقاتلين جنرال السرايا محمود طوالبة سليل هذا الركب النوراني المبارك؛ ليعود للدم ربيعه مرة أخرى، فيزهر مجدداً جحافلاً من القادة والمجاهدين وسيولاً من الاستشهاديين. وليعلن بأن روح المقاومة تقتات الشهادة وأن في الشهادة حياة الأجيال التي تكبر مزهوة بالكرامة التي لا يعرف الذل إليها سبيلاً؛ فأوهام سحق المخيم بددتها كف راغب، ومخراز العدو لم يمنع ثأر هنادي، ولم يكسر إرادة السمودي، ووقف عاجزاً أمام ارتدادات الأسمر وحسنين وغيرهم من الأبطال.
لقد أدرك محمود طوالبة ماذا يعني أن يكون جزءً من حلقة التواصل التاريخي لخط الجهاد، وماذا يعني أن يكون خليفة للشهداء؛ فحمل دمهم الزكي، دم أنور حمران وإياد حردان وكل الشهداء وطاف بها بأمانة واقتدار في شوارع الخضيرة وتل أبيب ومفترقات العفولة قبل أن يجود بنفسه في يوم كَرِّهِ الأخير.
ولقد استمرت مواكب الإباء والنور من بعده (ممثلة بالقادة خالد زكارنة إياد صوالحة والأسير القائد أنس جرادات -والقافلة تطول-)، تزف المجد و تدرك الحسنيين معاً أو إحداهما، فلم تكن لتسقط الراية فيها يوماً منذ أن أشهرها فتحي الشقاقي ورفاقه هناك وصولاً إلى جميل العموري وفدائيو كتيبة جنين.
واليوم وبعد عشرين عاماً على معركة جنين التي أراد العدو من خلالها القضاء على كابوس الجهاد المزعج الذي طالما أقض مضاجعه، تؤكد جنين بالدم والشهادة والاشتباك المستمر على استمرار دورها النهضوي و الطليعي في مواجهة الاحتلال بقوة وبراعة نضجتا من رحم المعاناة. وتؤكد على أن مواجهتها للعدو في المركز منه وقلبه تل أبيب من خلال عمليات شهدائها ضياء حمارشة ورعد حازم هو عنوان المرحلة، وهو امتداد لمقارعة جنوده على يد كتيبتها المجاهدة في ضواحيها المختلفة، وهو أفضل ما يمكن أن تحيى به ذكرى معركة المخيم في ظل ما تشهده المرحلة من سقوط عربي مدوي في وحل المشروع الصهيوني.
جنين اليوم تدرك ثأرها كما تدرك دورها، ونفير الدم سيبقى متواصلاً طالما بقي الاحتلال جاثماً، ولن تنفع معه كل محاولات الاجتثاث والترهيب والعربدة و التركيع؛ فرصاصات المقاومة التي أرقت ليل الجنود في حاجز الجلمة تقض اليوم مضاجعهم في بني باراك وديزنغوف، ودماء ضياء ورعد تمتد لتتصل بدماء عباهرة وأبو لبدة وطوالبة ومن سبقهم، وحتماً سيبقى صدى الرصاصات في المخيم وعرابة والسيلة ويعبد واليامون وكل الضواحي يصنع دويه في قلب بقرتهم المقدسة تل أبيب من جديد؛ فالدم يطلب الدم والشهيد يحيي الملايين. وسيظل المخيم عاصمة الرعب الذي يؤكد زوال هذا الكيان المؤقت.