بقلم/ محمد مشتهى
تَعرِض الجماعات الصهيونية المتطرفة مكافآت عديدة لكل يهودي يحاول، أو ينجح، أو حتى "يحاول ويفشل" في ذبح القرابين في المسجد الأقصى.
إن الذي يمتلك العقيدة والإيمان لتأدية واجبه الديني لا يحتاج لكل هذه المحفزات المالية بل يحتاج لقناعات يؤمن بها، فمثلاً الأسير يعقوب قادري آمن بحقه ومقاومة عدوه فاشترى سلاحه بعد أن باع مصاغ زوجته ثم ذهب ليقاتل العدو به، والشهيد يعقوب أبو القيعان كذلك قاتل بسكين اشتراه، وكذلك الشهيد رعد وهناك الكثير من قصص البطولة للأسرى والشهداء التي تدلل على ذلك، إذن قصة دفع الناس للقيام بواجبهم الديني والنضالي لم تكن يوما من خلال التحفيز بالمال، فماذا سينفع المال صاحبه بعد تعرضه لخطر الإصابة أو القتل!! الأهم من كل ذلك هي الإرادة والإيمان والقناعة بما يقوم به الشخص، الإيمان بأنه يقوم بعمل نبيل وإنساني وديني ووطني يُرضي الله تعالى، لذلك عندما تتولد هذه القناعة فلا يهم هذا الشخص أي مال ولا حتى الامكانيات وانما يذهب بقناعاته لدرجة الموت ثم لا يتراجع، وهذا هو السِّر الذي يحمله الشهداء عند تنفيذهم للعمليات الفدائية وتصديهم للاقتحامات الصهيونية، وكثير ما تتساءل وسائل الإعلام الصهيونية باندهاش حول تلك القناعة وثبات الفلسطيني وقوته في القتال، وكيف نمت وترسخت تلك القناعة بسرعة في سن الشباب؟، إنه الإيمان الذي لا يعرف حدودا للسّن ولا للون ولا للعرق، إنه الإيمان بالله وبالحق والقناعة بما يقوم به، القناعة بأن فلسطين هي أرضنا وأن هذا هو عدونا، أما بالنسبة للمستوطنين أو حتى ما يدّعون التديُّن، تلك القناعة المهزومة والمهزوزة والمصطنعة والتي تم تركيبها على عجل في عقولهم، بتلك القناعة هم لا يستطيعون الوقوف بشجاعة أمام الأخطار لأن قناعاتهم تبقى غير ثابتة، مما يجعلهم في لحظة الخطر يفاضلون بين ما يقومون به وبين عوائده على أنفسهم، فإذا كانت تبعاته غير آمنة ومؤذية فإنهم مؤكد سيتراجعون، أما إذا كانت آمنة وغير مؤذية ولا يوجد فيها خطر فإنهم يتقدمون، فمواجهة المخاطر تحتاج إلى قناعة وإرادة أكثر مما تحتاج إلى مال وامكانيات، لذلك تكون الغلبة لمن يمتلك قناعة أكثر، لمن يمتلك إرادة أكثر، لمن يمتلك الحق أكثر، وليس لمن يمتلك مال وامكانيات أكثر.
والمتتبع جيداً لهذا الكيان سيجد أنه ومنذ زراعته على أرض فلسطين لم يتم تصدير ولو مشهد بطولي واحد لأي صهيوني، بل ما يشاهده العالم على مدار تاريخه هي سلسلة من مشاهد مهينة ومذلة، حتى أنه سمي ب "جيش الهزائم"، وليس بآخرٍ مشهد هروب سكان تل الربيع المُحتلة ومنع التجوال فيها لمدة عشرة ساعات بسبب مقاتل فلسطيني واحد امتلك الايمان بالله وبحقه وقناعته بما يقوم، فالفلسطيني عبر تاريخ نضاله؛ كل يوم وربما كل ساعة يُصدِّر أروع وأقوى صور ومشاهد العزة والبطولة سواء على مستوى أخلاق المقاتلين في المعارك أو على مستوى بطولات الشهداء أو آباءهم وأمهاتهم أو على مستوى الأسرى ومعارك الأمعاء الخاوية وانتزاع الحرية، أو المرأة الفلسطينية، وما أكثرهن خساوات فلسطين، حتى على مستوى الطفل الفلسطيني لم يخلُ من مئات مشاهد العزة والإباء وما نموذج الطفلة ميار عنا ببعيد، لذلك الشجاعة والرجولة لا يمكن صناعتها أو "دفشها" بالمال، وكما يقول المثل الشعبي: {لا يمكن أن تصنع من الهامل كامل}، ف"الهامل" سيبقى "هامل" ولو أعطيته كنوز الأرض، والله عز وجل أكد لنا بأن البعيدون عن الله هم أكثر الناس حرصا والتصاقا بالحياة فقال: ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٖ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ ﴾.
لذلك ستبقى قصة إعلان المكافآت بشأن القرابين عبارة عن حبر على ورق، فالحسابات هنا ليس لها علاقة بإعلان مكافأة من عدمه، لكن الحسابات الآن تخضع للتقديرات الميدانية فقط، ولو تأكدت المنظومة الأمنية الصهيونية بأن ردة فعل الفلسطيني سيتم استيعابها، فإنها ستسمح للمتطرفين باقتحام الاقصى وتقديم قرابينهم بلا تردد، وهذا ما لا يبدو ظاهرا في الميدان، فالفلسطيني كله متأهب ولغته قوية ومتوحد وعازم للذهاب لأبعد مدى في سبيل حماية معتقداته وعقيدته، أيضا الصهيوني "يخدع نفسه" بتخديره الزائف لبعضٍ من المحيط العربي من خلال التطبيع مع أنظمته وتشغيل ماكينته الإعلامية في تلك الدول لضرب علاقة الشعوب بمقدساتهم واخوانهم الفلسطينيين، تلك الحسابات أثبت التاريخ أنها حسابات خاطئة، لأن الشعوب المسلمة بغض النظر ما إذا كانت عربية أم أعجمية هي شعوب محبة لدينها وقريبة من بعضها ولا تقبل الإهانة في عقيدتها، وسرعان ما تَستنفِر لنصرة الدين، وهذه من ضمن الحسابات الخاطئة التي من المتوقع أنها ستنفجر في وجه حكومة العدو ما إذا سمحت للمتطرفين باقتحام الأقصى وذبح القرابين.
إن إرادة المقاومة ومصداقيتها في كل معاركها وخصوصا في معركة سيف القدس الأخيرة هي الضامن والمانع الأكبر لمنع هذا الاقتحام، فالمقاومة بتقديري هي جادة بنسبة 100% بأنها ستلقن العدو درسا ما إذا تم هذا الاقتحام للأقصى وذبح القرابين في قبة الصخرة، هذا الدرس كيف يكون شكله؟ وحدود جغرافيته؟ هذا يخضع لتقديرات المقاومة.