بصيرة قرآنية
- أحبابنا في الله: من خلال هذا التقديم الموجز لهذه البصيرة القرآنية نأمل أن نكون على أعتاب مرحلة جديدة نستنشق من خلالها عبير الحرية والعزة والكرامة والعيش في كنف الله -عز وجل-.
- في زمن مفسدة بني اسرائيل الأولى التي وصلت ذروتها، في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- كما ذهب بعض المفسرين، والتي تحتاج الى امة مؤمنة تستمد قوتها من الله عز وجل حتى تستطيع اجتثاث هذه الغدة السرطانية... رب العزة سبحانه وتعالى في مطلع سورة الاسراء، استخدم مصطلح بعثنا... وفي نفس السورة استخدم مصطلح ارسلنا، عندما قال: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا} وكلمه البعث تعني الاحياء بعد الموت، والارسال تعني التكليف،،، وهذه إشارة الى أن العرب حين بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- كانوا في حالة موات غير قادرين على تحمل اعباء قيادة الأمة، موات في العقيدة والثقافة والعلم والفكر، موات في المعاملات والعلاقات والروابط، موات في العادات والتقاليد والطباع. موات في إدارة جميع امور حياتهم اليومية، كانوا يعيشون حالة من الجهل قتلتهم الثارات والنعرات والعصبيات والقبليات، كانوا نكرة لا قيمة لهم ولا وزن، تبع للفرس والروم، ووسط هذا الموات وحتى يؤهلهم رب العزة لاجتثاث هذا الخبث الطافح، كان لابد من استخدام كلمة البعث، أي بعث فيهم رب العزة الحياة ببعثة النبي -عليه الصلاة والسلام-، بعث فيهم العقيدة والثقافة والعلم والفكر، بعث فيهم المعاملات والعلاقات والروبط، بعث فيهم الصدق والأمانة والعدل والإخلاص، بعث فيهم العادات والتقاليد والطباع، بعث فيهم الحياة الكريمة، فجعل منهم سادة للأمم، فتحوا البلاد وحرورا العباد.
- والذي يؤكد أن المفسدة الأولى لبني إسرائيل هي التي كانت في زمن النبي عليه الصلاة والسلام- لفظ كلمة عبادًا لنا وكلمة عباد تختلف في التفسير عن كلمة عبيد، فعبيد تشمل المؤمن والكافر، أما عبادا لنا تختص فقط بعباد الله المؤمنين، وهذا ما ذهب اليه غالب المفسرين.
- ويستمر السياق القرآني في استخدام نفس المصطلح في المفسدة الثانية إلى بني إسرائيل، التي اعتبرها بعض المفسرين هي التي نعيشها اليوم حيث بلغ علوا وفساد بني إسرائيل إلى ذروته... يقول رب العزة {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} الإسراء، وهنا كلمة كما دخلوه أول مرة أي سنرسل عليكم عبادا لنا بنفس مواصفات العباد الذين اخرجوا بني اسرائيل أول مرة، وهذه قد تكون إشارة أن علو بني إسرائيل في المفسدة الثانية ستكون العرب في حالة موات شبيهة بحالة الموات التي كانت عليها العرب في زمن المفسدة الأولى مع الفارق البسيط، وهذا ما نراه اليوم من خلال ممارسات الانظمة عندما وضعوا دستور الله جانبًا مصدر العزة والكرامة، وبدأوا يقتبسون القوانين والنظم والافكار من الغرب مصدر الهزيمة، التي أوصلتنا لأن نتنكر لتاريخنا وتراثنا ودستور ربنا، وأوصلتنا لأن نعترف بالعدو القاتل المحتل، وعليه ترى هذه الأنظمة تهويد الحرم الإبراهيمي وتهويد المسجد الاقصى وقتل شعب فلسطين دون أن يحرك ذلك فيهم شيء.
- بل قد يصل الأمر عند بعض الأنظمة بأن تحرض الاحتلال على فعل هذه الممارسات، وتهرول للتطبيع والاعتراف بالمحتل لنيل الرضا الأمريكي، للحفاظ على عروشهم وكروشهم ونزواتهم وشهواتهم، علاوة على ذلك أصبحت كثير من ثقافاتنا وسياساتنا وعاداتنا وتقاليدنا ومعاملاتنا تمامًا محكومة بالعقلية والثقافة الغربية، التي سوقها لنا زعماء التغريب بمصطلحات منمقة مثل الحضارة والحداثة والتقدم والرقي والنهضة والتكنولوجيا وما إلى ذلك من مصطلحات منمقة شكلا.
- استخدام رب العزة نفس المصطلح في زمن مفسدة اسرائيل الثانية قائلا: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} هذا يؤكد أن الامة اليوم فعلًا بحاجة الى عملية بعث تتوافق مع منهج الله حتى نستطيع أن نعيد العزة والكرامة المهدورة والتخلص من هيمنة امريكا دولة الإرهاب والتطرف والظلم الاستبداد، ومن هذا العدو الجاثم على صدورنا منذ أكثر من سبعين عاما.
- ونأمل أن تكون الشعوب الحية الرافضة لهذه الأنظمة وقادة وزعماء التغريب، وأحرار الأمة من العلماء والمفكرين والمثقفين وقوى المقاومة أن تكون هي اللبنات الأولى في عملية البعث الجديد، التي ستسقط هيمنة النظام العالمي الجديد وستذيق الاحتلال ما يستحق وتعيد دستور الله إلى واقع حياة الناس.
- ولا يفوتنا التنبيه أن شهر رمضان المبارك كما هو ميدان للعبادة والطاعة والتقرب إلى الله بالصيام والقيام والصدقة... أيضا هو ميدان للجهاد والمقاومة ورفض الظلم والاستبداد... وكما ببركته ترفرف على الأمة نفحات إيمانية، أيضا ببركته تتحقق النفحات والانتصارت الجهادية.
- نسأل الله أن تكون هذه الحالة الجهادية التي تعيشها الضفة خاصة وفلسطين عامة من ومضات وبركات شهر رمضان شهر الانتصارات، ومن ومضات عبادًا لنا التي ستسوء وجوه بني إسرائيل وتنغص عليهم حياتهم وتحرمهم الأمن والاستقرار.
- قبل الختام من كرم الله علينا أن نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- حاز على الصفتين، صفة "البعث" وصفة "الإرسال"، مصداقا لقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} وقوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وهذه إشارة إلى أن العرب رغم حالة الموات التي يعيشونها إلا أن نزعة الخير موجودة، مصداقا لقول النبي -عليه الصلاة والسلام- (الخير فيّ وفي أمتي الى يوم القيامة).
اللهم بصرنا في ديننا والهمنا التوفيق والسداد في القول والعمل