كانت طولكرم تستقبل شيخها القادم من قرية "فرعون"، في الثامن من مايو عام 1947م، فجاءت صرخة ميلاده في زمن النكبة وقيام ما تسمى (إسرائيل)، وعاش طفولته بين الحرب التي لم تنته بعد، وبين البلاد التي تنتظر أهلها. التحق بصفوف الدراسة في مدارس المدينة، وأكمل تعليمه العالي في معهد خضوري الزراعي، ويتخرج منه مدرساً في سلك التربية والتعليم، يعلَّم طلبته فنون التضحية والفداء، ليتخرجوا من بين يديه قادة وشهداء، كما شهدت له منابر المساجد ومحاريبها إماماً وخطيباً يعلَّم الناس دينهم وقضيتهم، فكانت شخصية متميزة بأبعادها الدينية والسياسية والاجتماعية.
وبرز البعد الديني والروح الإسلامية المفعمة بالانتماء، في جوانب حياته، وخاصة بعد أن رزقه الله بالبنين، فأطلق عليهم أسماء الشهداء، "سيد قطب، إسلامبولي، القسام"، أما نجله البكر، فقد أسماه عبد الفتاح، تيمناً باسم شقيقه الذي استشهد في عمليات الثورة الفلسطينية في السبعينيات بغور الأردن.
مسيرة جهادية طويلة:
يعد الشيخ رياض بدير من أوائل المنتسبين لحركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، وفي بيته كانت له لقاءات عدة مع الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي وإخوانه المجاهدين، فكان من السابقين في تأسيس حركة الجهاد الإسلامي.
كان الشيخ رياض بدير، من رموز انتفاضة الحجارة عام 1987م، وموجهاً لفعالياتها الجماهيرية، حتى تعرض لمحنة الاعتقال عام 1988م، فكان من الأسرى الأوائل الذين استقبلهم سجن النقب الصحراوي، وقضى فيه ستة أشهر كاعتقال إداري، فاتخذ من السجن مدرسة لنشاطاته التربوية والتوعوية للأسرى، ليجهزهم قادة ومجاهدين في ميدان الانتفاضة.
وعقب خروجه من المعتقل، وبسبب الخطر والإزعاج الذي سببه الشيخ لقوات الاحتلال، قامت بفصله بشكل تعسفي من وظيفته في سلك التربية والتعليم، فكان ذلك القرار أصغر من أن ينال من عزيمة الشيخ التي تضاهي الجبال في شموخها وعزتها، فعمل في المجالات الاجتماعية والإنسانية والمؤسسات الشعبية والخيرية.
تمثل بأنموذج الشيخ الشهيد عز الدين القسام، حيث كان الشيخ رياض بدير، يرتقي منبر المسجد، ويحرض الجماهير على القتال، رافعاً سلاحه، وصادحاً بصوته.
لم يكتف الاحتلال بفصله من وظيفته، بل اعتقله مجدداً، حيث تعرض لأبشع أشكال التحقيق بين عامي 1990م – 1991م، لكنه بإيمانه كان أقوى من قسوة الجلادين، وبعزيمته كان أصلب من جدران الزنازين. كما تعرض للاعتقال مجدداً، خلال الحملة الإرهابية التي قادها المجرم رابين بحق قادة حركتي الجهاد وحماس، وإبعادهم إلى مرج الزهور جنوب لبنان عام 1992م. ولم يسلم الشيخ من سجون السلطة الفلسطينية التي أنشأت حديثاً، فتعرض للاعتقال عام 1995م، وأمضى في سجونها عدة أشهر.
مع انطلاق انتفاضة الأقصى المبارك عام 2000م، كان له دور بارز في قيادة العمل العسكري لسرايا القدس في مدينة طولكرم، ولم يمنعه من ذلك كبر سنه أو إعالته لأهله، بل كانت الشهادة شاخصة أمام عينيه يبحث عنها في كل المواقع، ينصب الكمائن، ويطارد المحتلين، ويشارك في الاشتباكات المسلحة، في مقابل إدارة الانتفاضة كممثل لحركة الجهاد الإسلامي في لجنة التنسيق الفصائلي.
قدَّم الشيخ أغلى ما يملك، في سبيل الغاية الكبرى له، فباع بيتاً بناه ولم يسكنه، وباع سيارة كان يعمل عليها، واشترى بذلك سلاحاً، يعينه على غايته، وتحقيق حلمه، وحين كان يسأله الناس ماذا تركت لأسرتك ؟ كان يجيب.. الله ورسوله.
وكاد أن يستشهد عدة مرات، لولا أن الله قد ادخره ليوم عظيم، فقد أصيب خلال اشتباك مسلح أثناء اجتياح قوة صهيونية لمخيم نور شمس، كما نجى بأعجوبة، أثناء قصف طائرات الـ(إف 16) الصهيونية لسجن المقاطعة بطولكرم حيث كان معتقلاً، إثر موقفه الرافض لوقف إطلاق النار.
شهادة مباركة:
مع إعلان الاحتلال أن مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس، من أهم أهداف حملته المسماة "السور الواقي"، حمل الشيخ سلاحه وانطلق إلى مخيم جنين للمشاركة في الدفاع عنه، ولم تعلم أسرته بذلك بذلك، إلا بعد أن تلقت زوجته اتصالاً منه أبلغها خلاله أنه قد وصل إلى المخيم، وأن لا عودة منه إلا بالانتصار أو محمولاً على الأكتاف.
يعد الشيخ القائد رياض بدير من قادة المجموعات المقاتلة، التي تولت المسؤولية عن أهم مواقع المخيم، وبقي الشيخ يقاتل حتى فرغت ذخيرته وهدم المنزل الذي كان يتحصن به عليه بصواريخ الاحتلال ليرتقي شهيداً بتاريخ 11-4-2002م، وليكتشف جثمانه الطاهر بين الأنقاض بعد أيام من انتهاء معركة جنين، وفي يده مسبحة ومصحف وبندقية.