غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

السيلة الحارثية.. سيل هادر لا يوقفه العابرون

السيلة الحارثية.. سيل هادر لا يوقفه العابرون
شمس نيوز - إعلام الضفة

شكَّلت عملية "حومش" التي وقعت مساء الخميس 16-12-2021م، حدثاً استثنائياً للتداعيات التي تلت تلك العملية، والتي لا تقل عن قوة الحدث نفسه، بل وتتجاوزه نحو تغيير معادلات الاشتباك.

بعد أيام من وقوع العملية، أعلن جهاز الشاباك الصهيوني اعتقال الشيخ القيادي محمد يوسف جرادات، ونجلي شقيقته التي اعتقلها لتلحق بأبنائها عمر وغيث جرادات، والمحررين إبراهيم طحاينة ومحمود جرادات.

من جهته، اتهم جهاز الشاباك الشيخ محمد جرادات بالمسؤولية المباشرة عن العملية، وتعرض لتعذيب وحشي لم ينل من عزيمته، إلى جانب الأسير القائد محمود غالب جرادات، والمساعدة غير المباشرة للشقيقين عمر وغيث جرادات.

وأصدرت قوات الاحتلال قرار الهدم لمنازلهم، ونفذت عملية الهدم بحق منزل الأسير القائد محمود جرادات في ثم قامت بهدم منزل القيادي محمد جرادات والأسيرين غيث وعمر جرادات. 

الرجل القدوة والجبل الأشم

منذ بداية الرحلة، تعرّف الشيخ محمد جرادات على المعلم الشهيد فتحي الشقاقي، وأمسك بوعيه الثوري في يد، والبندقية في اليد الأخرى، وكان إلى جانب الطليعة الأولى المؤسسون التاريخيون لحركة الجهاد الإسلامي في الضفة المحتلة.

يعتبر الشيخ "أبو أحمد"، من أبرز رواد العمل الإسلامي المقاوم، ويحفظ القراَن الكريم غيباً منذ صباه، وشارك في مقاومة الاحتلال إبان انتفاضة الحجارة 1987م، وقاد العمل الجماهيري في مدينة جنين، ولم تزحزحه الاعتقالات المتكررة عن طريق الجهاد والمقاومة.

جاءت انتفاضة الأقصى وهجاً من نور ونار، وكان جرادات شيخ المجاهدين الذي خرَّج من بين يديه القادة والشهداء والاستشهاديين، وتعرض للإصابة أثناء مطاردته في جبال السيلة الحارثية، وخضع لتحقيق قاس وعنيف في مراكز التحقيق، وأمضى في سجون الاحتلال، ما يقارب 12 عاماً على عدة فترات.

ابتلاه الله، بعد أن قُتل نجله البكر في شجار مؤسف، لكنه كعادة القادة العظام أعلن الصفح والعفو عن القاتلين وتأسيس هيئة السلم الأهلي، لأنه يعلم أن أي دم يسيل في الصراع الأهلي الداخلي يخدم الاحتلال.

وبعد سنوات، كبر فيها الجسد وتعب، لكن الروح هي التي تقاتل، فتقدم مع نجلي شقيقته إلى ساحة المواجهة، رغم أنه كان قادراً على أن يكتفي بالدعوة والتنظير، من فوق منبر مسجد الشهيد فتحي الشقاقي، لكنه تقدم الصفوف، ورمى بنفسه في المعركة من جديد، ليكون قدوةً جهاديةً حسنةً لكل السائرين على درب الحرية.

هُدمت البيوت ولم تُهدم الكرامة

قررت قوات الاحتلال، الانتقام من منازل الأسرى المجاهدين وهدمها في السيلة الحارثية، بعد أن عجزت عن هدم إرادتهم وعزيمتهم.

وحين تقدمت الجرافات والاَليات العسكرية، كان الشباب الجهادي الثائر يستنفر من كل حدب وصوب للدفاع عن منازل الأبطال المهددة بالهدم، والاعتصام بها، كما خرجت كتيبة جنين من زمن الملحمة، تدافع عن السيلة، كما كانت الملحمة تدافع عن المخيم.

وبعد عجز الاحتلال، وخوض اشتباكات عنيفة مع المجاهدين، هدمت منزل الأسير القائد محمود غالب جرادات يوم الاثنين 14-2-2022م، واستشهد الفتى محمد أبو صلاح (17 عاماً)، من قرية اليامون المجاورة للسيلة الحارثية، نتيجة المواجهات العنيفة مع قوات الاحتلال.

فيما خرجت ميار جرادات، ابنة القائد محمود جرادات، ذات الـ10 أعوام، تقف بثبات وعزم، وتقول: "يريدون الاحتلال أن نبكي.. ولن نبكي، هدم منزلنا سنعيد البناء من جديد". وعن والدها تقول: "المهم أن والدي بخير، ولن يبقى في السجن طوال العمر، سيتحرر، وسنحرر فلسطين من الاحتلال".

ثم عادت يوم الثلاثاء 8-3-2022م، وبدأت في هدم منزل الأسرى منتصر وغيث ووالدتهم المجاهدة عطاف جرادات بالمعدات اليدوية، فيما قامت بتفخيخ منزل الأسير الشيخ محمد جرادات وتفجيره.

وأرسل الشيخ المجاهد محمد جرادات "أبو أحمد"، رسالة من داخل سجن "مجدو"، اعتبر فيها أن ما حصل من هدم بيته هو فدى الأقصى والقدس وفلسطين، سائلاً الله القبول. قائلاً للاحتلال: "اليوم تدمرون بيوتنا وغداً سنتبّر علوكم، في سبيل الله".

وأرسل رسالته إلى أهله وأبنائه، بالقول: "ارفعوا رؤوسكم ولتنسوا فضل الله علينا وعليكم واستمسكوا بحبل الله"، مشيداً بأهل بلدته ووقفتهم: "لقد رأيت وقفتكم الشجاعة والمشرفة والتي طالما علمت أنها موجودة فيكم".

ولم تتوقف اَلة القتل والدمار، حتى عادت فجر اليوم السبت 7-5-2022م، لتقوم بهدم منزل الأسير عمر جرادات، لتؤكد على سياسة العقاب الجماعي، والتغطية على عجز الاحتلال في مواجهة المقاومين الذين يضربون بكل قوة واقتدار في العمق الصهيوني.

السيلة الحارثية.. سيل المجد والشهادة

حجزت السيلة الحارثية مكاناً لها في تاريخ الثورة الفلسطينية، وصنعت أروع الملاحم، وقدمت الشهداء والأسرى والجرحى والثوار الماضين على ذات الدرب.

وبرزت كأحد أهم معاقل الجهاد الاسلامي في فلسطين، فخرَّجت قافلة من الشهداء في مُقدمتهم القادة صالح وسليمان ونعمان ومهدي طحاينة، وحسام وفادي وصالح جرادات وأحمد وعلاء زيود، والاستشهاديين عبد الكريم طحاينة وسامر شواهنة وراغب وهنادي جرادات.

كما قدَّمت قافلة ممتدة وعظيمة من الأسرى الأحرار، على رأسهم المجاهد الكبير رائد السعدي عميد أسرى حركة الجهاد الإسلامي في السجون، بالإضافةِ لصاحبِ أعلى حكم في أسرى الجهاد القائد المهندس أنس جردات (خمسة وثلاثون مؤبداً)، والقائد الكبير سامي جرادات الذي يقضي حكماً بـ(ثلاثةٌ وعشرون مؤبداً)، وسجل طويل من الدم الذي يزهر في كل الربوع، والألم الذي يزهر من كل السجون أملاً بالحرية.