كما الشامخ، يقف الحاج أحمد جرادات "أبو المنتصر" أمام منزل ابنه "عمر" المدمر، يستذكر سنوات عمره التي أفناها في بنائه، ليأتي جيش الاحتلال لهدمه؛ بزعم مشاركة عمر في عملية إطلاق نار أدت لمقتل مستوطن وإصابة اثنين آخرين قرب مستوطنة "حومش" على طريق جنين نابلس في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
منزل عمر لم يكن المنزل الأول الذي يدمر لهذه العائلة، فكان جيش الاحتلال قد دمر منزل الأسير غيث جرادات -شقيق عمر- والذي يعد المنزل الرئيسي للعائلة في 8/3/2022؛ بزعم تنفيذ غيث عملية إطلاق النار في "حومش".
معاناة الحاج جرادات لم تتوقف عند هدم منزله ومنزل ابنه عمر، وإنما هي ممتدة ومتواصلة، منذ اعتقال أبنائه عمر (20 عامًا)، وغيث (17عامًا) في تاريخ 19/12/2021، وتوجيه الاتهامات لهما بتنفيذ العملية، وأعقبها اعتقال والدتهم -أم منتصر- بتاريخ 27/12، بتهمة علمها عن العملية وعدم إبلاغها عن المنفذين.
وتواصلت معاناة أحمد جرادات باعتقال نجله الكبير، المعتصم بالله بعد قرابة الشهرين من تلك الاعتقالات؛ بزعم امتلاكه للسلاح، وإطلاق النار تجاه قوات الجيش أثناء هدم المنزل الأول -منزل غيث-، وهو ما رفضه المنتصر، ونفى كل تلك الاتهامات.
الأشهر التي فصلت بين هدم منزل العائلة، ومنزل عمر، كانت أشهر عصيبة، إلا أن من بقي من العائلة خارج السجن كان يجد فيها منزلًا يجمعهم، ويأوون إليه ليل نهار، إلى أن جاءهم قرار الهدم قبل نحو شهر من الآن، لتعود العائلة إلى شتاتها مجددًا، كما يقول أحمد جرادات.
ويروي الحاج المكلوم بمنزليه واعتقال زوجته وأبنائه تفاصيل ما جرى خلال الأشهر الأخيرة، مبينًا أنه بعد هدم منزل العائلة الكبير -منزل غيث- والمكون من طابقين، تسكن العائلة في الطابق الأرضي، وابنه أسد الله في الطابق العلوي، اضطروا للذهاب والسكن في منزل عمر، الذي دُمر مؤخرًا، بعد أن نقل ما يُمكن نقله إلى ذلك المنزل.
ويكمل: "استمرينا بالعيش في هذا المنزل أنا وأبنائي الصغار، إلى أن أبلغنا جيش الاحتلال نيته هدمه"، هنا بدأت رحلة جديدة من المعاناة والشتات للعائلة؛ فأبنائه الصغار -طفل جريح وطفلة- بقيا عند أقارب لهم في القرية -سيلة الحارثية- فيما الأثاث انقسم إلى جزئين: الأول نُقل إلى ركام منزل العائلة الذي بدأ الحاج جرادات بالنوم بين أعمدته وجدرانه المدمرة، والآخر إلى مسجد الشهيد فتحي الشقاقي.
جبروت الاحتلال وهمجيته لم تتوقف عند هدم جدران المنزلين، وإنما وصلت إلى أن دمَّر جنوده أرضية منزل العائلة وأعمدته، بعدما وجدوا الأثاث قد عاد له، وعلموا بأن أبا المنتصر يقضي لياليه بين تلك الأعمدة.
يقول جرادات: "عندما جاءوا لهدم منزل عمر، وجدت دورية أخرى متجهة إلى منزل العائلة، ذهبت لهم لأطردهم، وجدتهم يخربون الأثاث، ويدمرونه، سألتهم ماذا تفعلون، أين الضابط -الكابين-، فجاء ليجيب وبكل وقاحة، (هذا المنزل تحت إمرة الجيش، ممنوع السكن فيه، سنهدم الأرضية حتى لا يسكنه أحد)".
وعادة الاحتلال أنه لا يسمح لأصحاب المنازل التي يدمرها بإعادة بنائها، ويُبقي تلك المنازل تحت تصرف قواته، لفترات تتفاوت ما بين 10 إلى 20 عامًا وفي أحيان أخرى يمتد إلى أكثر من ذلك.
الحاج جرادات أنهى حديثه وكله ثقة بأنه سيتمكن من إعادة بناء المنازل، وسيرى أبناءه وزوجته أحرارًا، وهو يردد: "ما يجري عبارة عن همجية، وعقاب جماعي، وإجرام وظلم، لا يوجد دولة في العالم تعمل هذا العمل، وتدعي القانون والديمقراطية، وما يحدث تطهير عرقي، وإجرام لم يشهده التاريخ"