قلم: الاعلامي عوض أبو دقة
"باغتوا العدو ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، وتحينوا الفرصة المناسبة لإطلاق الرصاص في كل مرة تشتبكون فيها مع العدو، أو حينما تذهبون إليه مقاتلين. وعلينا أن نحوَّل قتلنا إلى قتالٍ واستشهادٍ"، بهذه الكلمات ختم الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين القائد زياد النخالة، خطابه للجماهير التي احتشدت في مهرجان تأبين شهداء سرايا القدس، بمخيم نور شمس، في طولكرم، شمال الضفة الغربية.
لم تمضِ ساعات على هذا الخطاب، وإذا بالعدو يقتحم جنين، ويحاصر منزل المقاوم محمود الدبعي، الذي خاض اشتباكاً مع قواته الخاصة طيلة 6 ساعات، رفض خلالها هذا المجاهد الاستسلام، وقاتل حتى نفاد ذخيرته.
امتشق البطل محمود الدبعي سلاحه، وكان يعلم أنه وَرِثَ اسماً حمله من قبله قادة عظام منهم من ارتقى على طريق ذات الشوكة (محمود الخواجا، محمود طوالبة، ومحمود جودة) ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً (محمود العارضة)، فأدرك أنه يحملُ أمانةً ثقيلة، أمانةُ الجهاد المحمود عند الله، وعند الناس، وسلسلةُ الحمد مستمرة -بإذن الله-.
وخلال العملية العسكرية الإسرائيلية - التي أطلق فيها جيش الاحتلال قذائف الإنريجا على المنزل المستهدف، واستدعى تعزيزات عسكرية بينها جرافة من نوع D9 - استبسل مقاومو سرايا القدس- كتيبة جنين، في المواجهة، وخاضوا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال من عدة محاور، أدت بحسب اعتراف العدو -بعد ساعات من انسحابه- لمقتل ضابط رفيع بالقوات الخاصة الإسرائيلية.
لكن من تابع الاشتباك على الأرض، لم يساوره أدنى شك أن خسائر العدو كبيرة، خاصةً بعد استدعاء جيش الاحتلال لطائرة "هليكوبتر"، حيث من المعلوم في هذه الحالة أن هناك إصاباتٍ بالغة الخطورة يستدعي نقلها فوراً للمستشفى.
بالتوازي مع هذا الفعل البطولي في المواجهة بجنين، أعلنت مجموعة تُطلق على نفسها
"كتيبة نابلس" أنها قامت باستهداف حاجز بيت فوريك بالرصاص، قبل انسحاب منفذي الهجوم بسلام.
ولعل القارئ المتعمق لهذا الإعلان، يُدرك أننا أمام حالة مقاومة تشتعل في كافة محافظات الضفة الغربية، وتُحاكي تجربة "كتيبة جنين".
الأمر لا يقف عند نابلس، فمن تابع مهرجان تأبين شهداء "سرايا القدس" في طولكرم: سيف أبو لبدة، خليل طوالبة وصائب عباهرة، بالأمس، يؤكد أننا أمام حالة مقاومة مُنظمة تسري في مدن وبلدات وأزقة الضفة، صدَّرتها جنين ومخيمها الباسل، وتحظى بالتفافٍ شعبي واسع.
وفي تقديري أن تصعيد الاحتلال لعدوانه على شعبنا في الضفة يوماً بعد الآخر، سيُنضج هذه الحالة المُقاومة قبل أوانها، وستتفتق في كل المحافظات، كتائب تُحاكي فعل وبطولات فرسان كتيبة جنين.
ولا يختلف اثنان اليوم في كون الاحتلال مأزوم ومتخبط من وقع العمليات البطولية التي يخرج غالبية أبطالها من جنين ومخيمها، لذلك يجب أن تشتعل أرض الضفة كلها تحت أقدام الاحتلال لوقف عدوانه، ومخططاته الاستيطانية اللعينة.
وهنا لا اختلف مع الشاعر تميم البرغوثي، في كون استهداف جيش الاحتلال للإعلامية شيرين أبو عاقلة (رحمها الله)، جاء للتغطية على فشله في سحق جنين ومقاومتها.
وستظل جنين ملهمةً ومُصدِّرة للثورة كما عهدناها، فأبناؤها لازالوا على عهدهم مع الشيخ عز الدين القسام، الذي أطلق من أحراش إحدى بلداتها (يعبد) في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1935 الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية الكبرى، ومع القائد محمود طوالبة ورفاقه، الذين صنعوا ملحمةً بطولية في مخيم جنين، بعد محاصرتهم ورفضهم الاستسلام، في نيسان/إبريل 2002.
..................................
* *باحث دكتوراه في كلية الإعلام - جامعة دمشق*