خلال متابعتي الصحفية عبر منصات التواصل الاجتماعي شاهدت مقطع فيديو مصور لوالد الشهيد "رعد حازم" يخطب بجموع غفيرة محتشدة أمام منزل الشهيد القائد داوود الزبيدي وقد التف حوله المسلحون من "سرايا القدس وكتائب الأقصى والقسام" وقد خطب بالحاضرين داعياً للمزيد من الوحدة الوطنية.
قد تبدو لك عزيزي القارئ هذه الأحداث بأنها عادية قد تراها أحياناً هنا أو هناك، لكنك لو أعدت النظر مرة أخرى بالمقطع المصور لأدركت حقائق عدة تثبت لك حجم الوعي الوطني في مخيم جنين وتصديرهم قائداً للمرحلة التي يشهدها المخيم، وهم أدرى بحاجتهم لمثل ذلك القائد.
مثل هذه المشاهد تعودنا على رؤيتها في مخيم حنين غالبا، وهي مشاهد سجلها الدم الفلسطيني، نعم سجلها الدم الفلسطيني حين تسمع بنبأ استشهاد شابين أحدهما ينتمى لسرايا القدس وآخر لكتائب الأقصى، لندرك جميعاً أن لعنة الانقسام الفلسطيني لم تصب المخيم وأهله الذين حافظوا على متانة علاقتهم الوطنية مدركين بيقين تام بأن العدو واحد ووجهة السلاح واحدة هي "نحو الاحتلال" فقط.
هذا الوعي والفهم الوطني جعل الشباب قادرين على انتخاب قيادتهم التي أثبتت بجدارة تضحياتها أنها تستحق القيادة، تضحية مدادها الدم والمطاردة مثال ذلك والد الشهيد رعد "فتحي حازم" الذي ظهر نجمه عقب الاعلان عن استشهاد نجله ومن هنا بدأ اختياره كقائداً للمخيم وشبابه، وزاد التفاف المخيم حوله بعد أن بدأ الاحتلال بمطاردته وأبنائه وتعرض عائلته لمحاول اغتيال من قبل القوات "الإسرائيلية" الخاصة.
كل هذه التطورات التي حصلت في بيئة "والد الشهيد رعد" جعلت منه شخصاً محبوباً ومنحته أحقية قيادة الجماهير وأعطته الحق في تولي قيادة "حالة جنين" حتى لو بالدعم المعنوي وشحذ الهمم عند المقاتلين والمواطنين على حد سواء.
إذن نحن أمام حالة فريدة عادت بنا للماضي وذكرتنا بقادة مخيم جنين العظام أمثال محمود طوالبة وأبو جندل وغيرهم من القادة الذين رحلوا أو لا يزالوا أحياء يرزقون، هذه الحالة الثورية اختارها أبناء المخيم وفوضوه ليتكلم باسمهم في كل أعراس الشهداء والاحتفالات الثورية.
هذا هو الطبع الدارج في مخيم يضخ بالأحداث الثورية، أنْ إذا أحب شباب المخيم شخصاً التفوا حوله ونصبوه قائداً ومتحدثاً باسمهم، بالتزكية فقط، التزكية التي سبقها دم شهيد أو مطاردة أو اعتقال ليؤكدوا بأن اختيارهم كان صحيحاً.