دعا عدد من الأكاديميين والباحثين إلى ضرورة صياغة استراتيجية وطنية جامعة وشاملة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي ورفع تكلفة استمراره، ووقف التراجع في القضية الفلسطينية، وتشكيل تحالف عربي واسلامي يضم دولاً وكيانات وأحزاباً سياسية ومنظمات أهلية وقيادات لمناهضة التطبيع والحد من مخاطره على حقوق الشعب الفلسطيني.
جاء ذلك خلال ندوة سياسية بعنوان: "آفاق مستقبلية للصراع العربي الصهيوني"، نظمتها الهيئة العامة للشباب والثقافة، بالتعاون مع نقابة المهندسين، وأكاديمية المسيري للبحوث والدراسات، ومركز المبادرة الاستراتيجية فلسطين ماليزيا، حضرها المدير العام للعمل الأهلي والآداب في الهيئة الأستاذ سامي أبو وطفة، والمدير العام للفنون والتراث الأستاذ عاطف عسقول، ومدير دائرة البرامج الدكتور فواز السوسي، ونقيب المهندسين فرع غزة المهندس شادي أبو زنادة، ومدير مركز المبادرة الاستراتيجية فلسطين ماليزيا الدكتور إبراهيم الزعيم، ومديرة أكاديمية المسيري إسلام العالول، ولفيف من الباحثين والمثقفين والمهتمين.
وبدأت الندوة بكلمة ألقاها مدير عام الفنون والتراث والمكتبات في الهيئة الأستاذ عاطف عسقول أكد خلالها أن الندوة تأتي في إطار الفعاليات والأنشطة التي تنفذها الهيئة بالتعاون مع عدد من المؤسسات الأهلية والمراكز الثقافية والشبابية لإحياء الذكرى الـ 74 للنكبة، وذلك انطلاقًا من دورها الوطني للمحافظة على الذاكرة الوطنية الفلسطينية، وإيمانًا منها بأن الثقافة شكلٌ مهمٌ من أشكال مقاومة الاحتلال.
من جانبه، تحدث أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر الدكتور مخيمر أبو سعدة حول أبعاد النكبة في ذاكرة الفلسطيني، مؤكدًا أن الشعب الفلسطيني رغم مرور سنوات طويلة على النكبة وتعرضه لجرائم بشعة، من قتل وتشريد وترهيب إلا أنه ما زال متمسكًا بحقوقه الوطنية وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.
وقال أبو سعدة: "بعد 74 عامًا على النكبة لم تقم المؤسسات الدولية بأي تحرك حقيقي لإنصاف الشعب الفلسطيني وإيقاف الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها، وردع الاحتلال، على غرار دعم أوكرانيا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وهو ما يكشف عورة المجتمع الدولي وسياسة الكيل بمكيالين التي يتبعها".
وأضاف: "ليس أمام الفلسطينيين إلا مواصلة المقاومة بكافة أشكالها وهو ما كفلته لهم القوانين والاتفاقيات الدولية، وعلى كل فلسطيني أن يقوم بدوره في مقاومة الاحتلال ضمن استراتيجية وطنية شاملة للمواجهة مع الاحتلال وتحصيل الحقوق الوطنية"، مؤكدًا أن طريق التسوية والمفاوضات وصل إلى طريق مسدود بعد 29 عامًا من المحاولات بسبب تعنت الاحتلال.
من جهته تحدث الكاتب والمحلل السياسي الدكتور أحمد الشقاقي حول دور وتأثير العمق العربي والإسلامي على قضية الصراع مع الكيان الصهيوني، مشيرًا إلى أن القبول بدولة فلسطينية على حدود 1967 منح الفرصة للأنظمة العربية للتنصل من مبادئها والتزاماتها تجاه القضية الفلسطينية".
وقال الشقاقي: "إعلان قيادة السلطة أن التسوية خيارهم الاستراتيجي يُعد ضربة قاسمة للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال، وهو حرق لكل الأوراق والوسائل والأساليب الأخرى التي يمكن توظيفها في الصراع مع الاحتلال، وهو ما شكّل مخرجًا للحكومات العربية لإعلان قبولها بالحل الذي يقبل به الفلسطينيون".
وأكد الشقاقي على ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية الفلسطينية التقليدية والرقمية وتوجيهها لقطع الطريق على الاستفراد الإسرائيلي بالأنظمة العربية، وتعزيز التواصل والتقارب مع الشعوب العربية والاسلامية واستعادة تعاطفها تجاه القضية الفلسطينية من خلال تطوير العلاقة مع الأطر والفعاليات الأهلية والشعبية.
من جانبه، تحدث الخبير القانوني الدكتور صلاح عبد العاطي حول التغلغل الصهيوني في الدول العربية والإسلامية وانعكاسه على القضية الفلسطينية، لافتًا إلى أن الاحتلال بعد فشله في السيطرة على المنطقة العربية ماديًا وعسكريًا اتبع أساليباً أخرى من خلال إقامة علاقات مع عدد من الأنظمة العربية مما شكل غطاء للاحتلال للاستفراد بالفلسطينيين وتنفيذ مخططاته.
وقال عبد العاطي: "تتلقى إسرائيل دعمًا عسكريًا وسياسيًا وماليًا لا محدوداً من الولايات المتحدة الأمريكية وفيتو دائم لتغطية جرائمها وانتهاكاتها مما يسمح لها بالتغلغل سياسيًا واقتصاديًا في المنطقة العربية، والتقدم لنسج علاقات مع الدول الأفريقية خاصة بعد تراجع نفوذ مصر وليبيا والجزائر قاريًا".
وأضاف: "يُعد اتفاق أوسلو كارثة وطنية وأخطر ما فيه أنه أحدث شرخًا وانقسامًا في المشروع الوطني الفلسطيني، ومنح الفرصة للحكومات العربية للمجاهرة بالتعامل مع إسرائيل وعقد الاتفاقيات معها، إضافة إلى رهن القيادة الفلسطينية تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بالتفاوض مع الاحتلال"، مشددًا على ضرورة التوافق على استراتيجية وطنية للتحلل من اتفاقية أوسلو وتبعاتها ووقف عمل لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، وعدم التعامل مع الاحتلال وفق سياسة رد الفعل.
بدوره تحدث الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ توفيق أبو شومر حول الرؤية الذاتية الصهيونية لمستقبل الكيان، مشددًا على ضرورة التعرف على تقنيات الاحتلال ومصادر قوته وأماكن ضعفه لتحسين مستوى أداء النضال الفلسطيني.
وقال أبو شومر: "يُعد المجتمع الإسرائيلي فسيفساء وأشتاتاً من مجتمعات متفرقة لا يمكن أن تتوحد إلا من خلال صناعة الحروب"، مشيرًا إلى دور التعليم والاعلام في تعزيز الانتماء للمشروع الصهيوني.
وأضاف: "يملك الشعب الفلسطيني أدوات قوة مؤثرة أهمها حقوقه الوطنية وتمسكه بأرضه وهو ما يمثل عقبة في وجه الاحتلال، إضافة إلى مدينة القدس التي يكون لها دور مهم ومستمر في إعادة توجيه بوصلة النضال الفلسطيني"، لافتًا إلى أن الشعب الفلسطيني يواجه المشروع الصهيوني نيابة عن الشعوب العربية والأديان السماوية الثلاثة.
من جهته تحدث رئيس حملة المقاطعة - فلسطين الدكتور باسم نعيم حول الموجة الجديدة للتطبيع مع الاحتلال: الاستراتيجية والتداعيات، مبينًا أن الاحتلال سعى منذ نشأته لتكوين جذور له في المنطقة العربية للحفاظ على أمنه وضمان استمراره.
وقال نعيم: "ما حصل خلال العاميين الأخيرين وما اصطلح عليه بالاتفاقيات الإبراهيمية، تجاوز كونه تطبيعًا مع الاحتلال، ووصل إلى مرحلة هندسة وإعادة رسم المنطقة العربية حسب الرؤية الصهيونية"، لافتًا إلى أن تلك الاتفاقيات أقنعت بعض الأنظمة أن مصلحتها القومية والاستراتيجية مع الاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية.
وأكد نعيم على ضرورة العمل لحماية الوعي العربي والإنساني من خطر التطبيع والتحريض ضده، لافتًا إلى أن الدراسات واستطلاعات الرأي الحديثة أظهرت أن الشعوب العربية ما تزال تكن العداء للاحتلال وترفض رفضًا قاطعًا إقامة علاقات معه.