الإخوة الأبطال أسرى حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وعموم الأسرى في سجون الاحتلال، رجالاً ونساءً، وفتية وفتيات...
الإخوة الأسرى الأحرار: محمد قاسم عارضة، محمود عبد الله عارضة، يعقوب محمود قادري، أيهم فؤاد كممجي، مناضل يعقوب انفيعات، زكريا محمد الزبيدي.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أتوجه إليكم بتحية العزة والكرامة، وأرسل لكم مع نسيم الحرية العليل سلامًا حارًّا لا تستطيع أن تمنع وصوله قضبان الزنازين والمعتقلات.
إخوتي المقاومون الأبطال... أخواتي المقاومات الرائدات...
بداية، لا يسعني إلا أن أجزل لكم الشكر والثناء على تضحياتكم الجسيمة، وعلى جدارتكم في قيادة معركتكم ضد السجانين الصهاينة، وعلى جميل صبركم، وصلابة إرادتكم وعزيمتكم، وعلى ثباتكم ومثابرتكم، وإيمانكم بأن الله سبحانه وتعالى معكم...
لقد استجمعت نفسي، وأطلقت العنان لقلبي وعقلي، وشرعت بكتابة رسالتي هذه، وكلي أمل أن يصل مضمونها إلى مسامعكم، رغم الحواجز والعقبات، ورغم العزل والقيود، ورغم الأسلاك الشائكة والحدود... سائلاً الله سبحانه وتعالى أن نراكم قريبًا وأنتم تنعمون بالحرية، وترفلون بأثواب الصحة والعافية، وتعانقون أهلكم وأحبتكم وذويكم خارج جدران السجون والزنازين...
وأمام تزاحم الأفكار، واختلاط المشاعر، أقف عاجزًا عن ترجمة لغة القلب والعقل معًا، فمن جهة أشعر بالسعادة لمخاطبة نخبة مميزة من المقاومين والمقاومات، ورموز من خيرة المجاهدين والمجاهدات، ومن جهة أخرى يؤلمني شعوري بالتقصير والعجز تجاهكم، مع إدراكي أنكم بأمس الحاجة إلى بذل كل الجهود من أجل تكسير قيودكم وتحريركم في أسرع وقت ممكن... وقد انتابني شعور عشته في معتقل أنصار حين ذقت طعم الأسر، خلال اجتياح العدو الصهيوني للبنان عام 1982، وتذكرت أوضاع الأسرى في تلك الفترة، وتوقهم إلى الحرية، وترقبهم عمليات التبادل على أحرّ من الجمر، للخروج من السجن الذي اعتبرته حينها مدرسة المقاومين التي تتعلم فيها، وتكتسب ما لا تستطيع تحصليه وأنت خارج القضبان.
ربما يستطيع البعض تحويل السجن إلى مدرسة، ولكن الأهم من ذلك أن لا يصبح المعتقل أسير نفسه، ويعيش حالة الأسر مرتين؛ فكم من أسير حرّ في سجنه، وكم من حرّ أسير في سجن ذاته!
يا من رفعوا لواء المقاومة، ولبوا نداء الجهاد، ووقعوا في الأسر وهم في ميادين القتال وسوح الوغى.
إنه لشرف عظيم لي أن أوجه رسالة إليكم، وإلى أبطال "نفق الحرية" المقاومين المبدعين الذين انتزعوا حريتهم بأظفارهم وأشفار عيونهم، وأنامل فكرهم، وبصيرة عقولهم، ومعول إرادتهم، ليعانقوا شمس الحرية وهي تنسج بخيوطها الذهبية وشاح العزة والإباء، ويتنسموا عبير فلسطين وأزهار البرتقال وهم يتنقلون بين بساتينها وحقولها وروابيها، ويدوّنون في سجل تاريخنا المشرف إنجازًا لا سابق له، وبراءة اختراع لا نظير لها، ويصيبون العدو وجنوده بصدمة مدوية، ويوجهون لمنظومته الأمنية ضربة قاسية...
أقول لكم، وأنتم في سجون العدو ومعتقلاته، بكل ثقة واعتزاز: أنتم أحرار رغم القيود، أنتم أحرار رغم العزل، أنتم أحرار رغم أنف العدو... أنتم من يجعل السجن يضيق على السجان أكثر مما يضيق عليكم، وأنتم من يستطيع تحويل العزل إلى باحة من الحرية، تطوفون في أنحائها بفكركم الثاقب وعقلكم المستنير وخيالكم الرحب، وتنهلون من عالمكم ما لا يستطيع معرفته الكثيرون من الطلقاء...
ربما طعم العزل، في سجن عسقلان وغيره من السجون، مرّ المذاق، وربما هو كالعلقم أو أشد، ولكن ما لا شك فيه أن الاعتقال هو أحد احتمالات المقاومين التي من ضمنها أيضًا: الإصابة، أو الشهادة... فمن يأخذ على عاتقه حمل مشروع المقاومة والسير في درب الجهاد، فإنه يوطّن نفسه ويهيئها لنيل شرف عظيم في أن يصبح: أسيرًا، أو جريحًا، أو شهيدًا... وإيماننا ويقيننا بالله تعالى أنه يختار لنا ما فيه الخير دائمًا، ويبتلينا بما فيه الأجر لنا، ويمتحننا بما نستطيع تحمله. فما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، ولو اجتمع الإنس والجن على أن يضرونا بشيء لن يضرونا إلا بشيء قد كتبه الله علينا، ولو اجتمعوا على أن ينفعونا بشيء لن ينفعونا إلا بشيء قد كتبه الله لنا.
أودّ في رسالتي هذه أن أعبر لكم عن مدى تقديرنا لجهادكم ومقاومتكم، ونحن ندرك أن وجودكم في مقدمة صفوف المواجهة مع العدو، وتوجيه الضربات الموجعة له، هو سبب وجودكم في هذا الأسر. ولذلك نحن نُكبر شجاعتكم وتضحياتكم، وصبركم الجميل، وإرادتكم الفولاذية، وعزيمتكم التي لا تلين. وأنا على يقين بأن النصر آتٍ لا محالة، وأنكم ستخرجون من معتقلاتكم شامخي الهامات، وسوف تنالون ثواب جهادكم عند الله أضعافًا مضاعفة، وأن شعبكم سينصفكم، وسوف يسجل التاريخ صفحات مشرقة لتضحياتكم المشرفة بحروف من ذهب ونور، وسوف تُدرّس بطولاتكم وإبداعاتكم للأجيال المتعاقبة... فأنتم تاج فخر على رؤوسنا، ووشاح عزّ على صدورنا، ولن يخذلكم الله تعالى.
وعلى أمل اللقاء القريب بكم في رحاب الحرية وقد تكسرت قيود الاعتقال، نتجول معًا على ثرى فلسطين الحبيبة وقد تحررت من الاحتلال، ونصلي في المسجد الأقصى المبارك صلاة الشكر والابتهال.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أستودكم الله الذي لا تضيع ودائعه، و]سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ[.
ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان
إحسان عطايا
15/5/2022