تُشكل انتخابات مجالس اتحاد الطلبة في الجامعات الفلسطينية محور اهتمام العديد من المتابعين المتخصصين وكذلك الأوساط الشعبية، كونها تمثل شريحة واسعة من الشعب الفلسطيني تتمثل بالشباب، ولهذا تحظى الانتخابات الجامعية بقدر كبير من الاهتمام والمتابعة حيث تعطي مقياس مهم في استمزاج الرأي العام الفلسطيني، باعتبارها صورة مصغرة عن الانتخابات العامة، بحيث يمكن البناء عليها في استخلاص العبر لدى الفصائل لتعزيز مكامن القوة ومعالجة نقاط الضعف.
ولم يأتي هذا الاهتمام من باب الصدفة, وإنما بسبب الأعداد التي تمثلها المؤسسات التعليمية الجامعية في الضفة وقطاع غزة, وكنت قد تطرقت في مقال سابق لي كان بعنوان "دور الحركة الطلابية في دعم الحراك الميداني للمقاومة", وسردت خلال المقال سابق الذِكر بعض التفاصيل بالأرقام, ولا ضير من مراجعته مرة أخرى, حيث تتواجد في أراضي الضفة وقطاع غزة 49 مؤسسة تعليمية ما بين جامعة وكلية في قطاع غزة والضفة المحتلة، 32 منهم في الضفة، و16 في قطاع غزة، بالإضافة إلى جامعتين للتعليم المفتوح: جامعة القدس المفتوحة التي تتوزع مراكزها ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة بواقع 22 مركز، (17) مركز في الضفة، و(5) في قطاع غزة، والجامعة العربية المفتوحة في رام الله.، وفي التوزيع الأكاديمي التفصيلي يمكن القول بأنه يوجد 10 جامعات في الضفة يقابلهم 6 في قطاع غزة، وكذلك 11 كلية جامعية في الضفة يقابلهم 5 في قطاع غزة، و11 كلية المجتمع المتوسطة في الضفة، يقابلهم 6 في قطاع غزة.
وتزداد أهمية الجامعات والعملية الانتخابية أيضاً بسبب أعداد الطلبة داخل الجامعات، حيث يتواجد على مقاعد الدراسة في الجامعات والكليات حتى العام 2022 ما مجموعة 214،765 طالب وطالبة -مئتان وأربعة عشر ألف وسبعمائة وخمس وستون طالباً وطالبة - على مستوى الضفة وقطاع غزة، وهذا رقم مهم يستطيع صُناع القرار الاستفادة منه بوضع رؤية تجاه العديد من الملفات والقضايا.
وفقاً للوائح الداخلية وقوانين الجامعات فإن انتخابات مجالس اتحاد الطلبة تجرى بشكل سنوي, وتكون مدة المجلس المنتخب سنة دراسية واحدة ويجوز تمديدها لسنة أخرى في حال حصول كوارث كما تنص بعض القوانين واللوائح, على مستوى جامعات وكليات الضفة المحتلة فإن العملية الانتخابية متواصلة ومستمرة وتقام بشكل سنوي, هناك من يقاطع وهناك من يشارك, حيث قاطعت الكتلة الإسلامية والرابطة الإسلامية وعدد من الأطر الانتخابات بجامعات الضفة في فترة محددة وذلك عقب احداث الانقسام الداخلي, لكن ذلك لم يمنع الجامعات من الدعوة وعقد الانتخابات بشكل سنوي, بغض النظر عن من يشارك أو يقاطع, لاحقاً استطاعت الكتلة الإسلامية أن تندمج بالعملية الانتخابية وعادات للمشاركة في العديد من الانتخابات أهمها جامعة بير زيت والنجاح, فيما منعت الظروف الأمنية والقبضة الحديدية للاحتلال والملاحقات من أن تنخرط الرابطة الإسلامية في انتخابات الجامعات بالضفة المحتلة, حيث ذهب الاحتلال لممارسة عمليات القتل والاغتيال والاعتقال ضد كوادر الرابطة الإسلامية في العديد من المؤسسات التعليمية, وأصبح لزاماً على حركة الجهاد الإسلامي أن تختار بين استمرار المواجهة المباشرة مع الاحتلال عبر كادرها الطلابي كما حدث مع مسؤوليها في عدد من الجامعات وعلى رأسهم الشهيد ضياء التلاحمة والشهيد مهند الحلبي مفجر انتفاضة القدس في أكتوبر 2015, والذي كان يدرس الحقوق في جامعة القدس أبوديس, حيث أصبح مُلهماً لرفاقه في تنفيذ العمليات الفردية والتي لازالت مستمرة حتى هذه اللحظة, والخيار الآخر للحركة كان هو الاندماج التام لكوادر الحركة في العمل النقابي والطلابي بعيداً عن أي جهد مقاوم, ولكنها اختارت الخيار الأقرب لأفئدة كوادرها وهو المواجهة والمشاغلة مع الاحتلال, تطبيقاً لأهم شعار ترفعه الرابطة الإسلامية "المثقف أول من يقاوم وأخر من ينكسر" واتساقاً مع شعارها "إيمان – وعي – ثورة".
بالمقابل في جامعات قطاع غزة للعام الــ 16 على التوالي يُحرم طلبة الجامعات من مجرد أن يشاهدوا شكل صندوق الاقتراع داخل الجامعات, ودخلت الجامعات في بيات شتوي لم تستيقظ منه منذ العام 2006 وهو العام الأخير الذي أجريت به الانتخابات داخل الجامعات وشهدت مشاركة واسعة وحافلة من كافة الأطر الطلابية, على المستوى الشخصي منذ العام 2008 انخرطت برفقة عدد من الكوادر الطلابية المؤثرة مع عدد من المؤسسات والشخصيات البرلمانية والمجتمعية وإدارات الجامعات بهدف الوصول إلى إعادة إجراء الانتخابات داخل الجامعات في قطاع غزة, وهذا الموضوع يطول شرحه, هناك أكثر من 200 ساعة عمل خضناها مع العديد من الجهات لأجل تحقيق هذا الهدف, وقطعنا شوطاً كبيراً في هذا الجانب, أهمها استطعنا الوصول الى نظام انتخابي جديد وفق نظام التمثيل النسبي بنسبة حسم 2%, بعد أن كان النظام السابق هو نظام الأغلبية, وهذا اختراق قوي ومهم لم يكن أحد يحلم بتحقيقه, ومن واقع خبرتي التي أدعي بأنني على إطلاع وعلم بأدق تفاصيل العمل الطلابي عبر مشاركتي في كافة الجلسات والنقاشات الثنائية والجماعية التي كانت مع ممثلي جهات حكومية ورؤساء جامعات ومؤسسات مجتمع مدني وأعضاء مجلس تشريعي وكوادر طلابية, وطلبة جامعات, حتى مع سفراء بعض الدول التي جاءت لتستمع منا عن أسباب التعطيل للانتخابات, وفقاً لانخراطي مع كل هذه الشرائح والفئات التي مازال التواصل بيننا مستمر, فإنني يمكن أن أقسم العوامل التي تعترض إجراء الانتخابات في جامعات قطاع غزة إلى ثلاثة أسباب رئيسية وهي على النحو التالي:
1- أسباب سياسية حزبية.
يمكن القول بأنه لا توجد إرادة سياسية وحزبية حقيقية لدى بعض القوى الفلسطينية نحو إجراء انتخابات الجامعات في قطاع غزة, بحيث هناك فيتو من بعض القوى السياسية ترفض أن تُجرى الانتخابات الجامعية بغزة لاعتبارات تتعلق بعدم منح بعض القوى شرعية أمنية, مثلاً حركة فتح تخشى ان تساهم إقامة الانتخابات منح حكومة غزة التابعة حماس الشرعية في حال الموافقة على اجراءها تحت ظل حكمها, فهذا بالمعنى القانوني له الكثير من التداعيات التي ترفض حركة فتح الانزلاق فيه حسب وجهة نظرها, وبالمناسبة هذا ليس تحليل, بل معلومة من واقع اطلاعي على تفاصيل ذلك عبر اللقاءات الطويلة ذات الصلة التي شاركت بها, وكذلك هناك تخوف حزبي لدى كلاً من حماس وفتح أن يفقدوا السيطرة على أهم جامعتين في قطاع غزة الأزهر والإسلامية إذا ما تمت الانتخابات وفق نظام التمثيل النسبي.
2- أسباب تتعلق بإدارات الجامعات.
تعتبر بعض إدارات الجامعات من أكثر الجهات التي استفادت من تعطيل انتخابات مجالس اتحاد الطلبة، فهي من جهة استفادت بعدم وجود جسم شرعي منتخب يمثل الطلبة ويدافع عن حقوقهم، ومن جهة أخرى استفادت عبر فرض العديد من القرارات المتعلقة بالرسوم الجامعية ورسوم المعاملات الاكاديمية على الطلبة، وبالتالي استطاعت إدارات الجامعات تمرير كافة قراراتها بسبب عدم وجود مجلس اتحاد طلبة منتخب، ولهذا وجود مجلس منتخب يتعارض مع مصالح بعض إدارات الجامعات.
3- أسباب تتعلق بالأطر الطلابية.
من المحزن والمأساوي ما نشاهده اليوم في أن تصل الحركة الطلابية في قطاع غزة إلى هذه الحالة من التراجع, فالحركة الطلابية التي يجب أن تكون في طليعة التغيير على المستوى الحكومي والاجتماعي أصبحت اليوم غير قادرة على التغيير في واقعها الطلابي وبيئتها الطلابية, حيث نرى غياب أي دور للأطر الطلابية تجاه تفعيل قضية الانتخابات, حتى مجرد الموقف أصبح غائباً, مجرد بيان يطالب بإجراء الانتخابات أصبح في طي النسيان, ربما هناك من الأطر الطلابية تخشى أن يتم اجراء الانتخابات, وبالتالي انكشاف عورتها أمام قيادتها التي يحاول أن يُظهر لها أن الأمور وردية, والحالة الطلابية لديه بالجامعات في أعلى درجات التميز والانبهار, مروجاً لبعض الفعاليات الوطنية والأنشطة اللامنهجية التي ينفذها الإطار الطلابي داخل أروقة بعض الجامعات, وبالمناسبة هذه الأنشطة والفعاليات والمهرجانات لا علاقة لها بقوة الإطار الطلابي داخل الجامعات من بعيد أو قريب, فهناك العديد من العوامل التي ترفع من قيمة الإطار الطلابي وتجعله قادراً على استقطاب جموع الطلبة, فالاستقطاب له أدواته وأساليب وطرق مختلفة تماماً عن هذا النوع من الأنشطة, ولذا حالة القبول بالواقع التي تسير عليها الأطر الطلابية هي من ساهمت بشكل كبير في استمرار تعطيل انتخابات الجامعات بقطاع غزة, حيث من المهام الموكلة على عاتق الأطر الطلابية ممارسة دور طليعي ومميز في كافة القضايا الوطنية والمطلبية, وعلى رأس القضايا المطلبية هو الدعوة لإجراء الانتخابات الجامعية, وأن يكون ذلك ضمن برنامج واضح ينخرط به جموع الطلبة, بمعنى البدء في سلسلة خطوات تصعيدية نقابية تدريجية وفقاً لميثاق الشرف الذي تم توقيعه بين الأطر الطلابية وإدارات الجامعات في يناير 2014 في احتفال ومهرجان وطني كبير, نحن اليوم بحاجة إلى قادة حركة طلابية قادرين على تحريك الجامعات بكلمة واحدة بعيداً عن تضييع الجهد في مناقشة القضايا الهامشية واختزاله في البرستيج الذي يرتهن له بعض ممثلي العمل الطلابي.