قائمة الموقع

خبر المصالحة الفلسطينية: دوافعها وآفاقها

2014-04-30T16:19:07+03:00


تتكوّن وحدة تحليل السّياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات من مجموعة من الباحثين الذين يعملون بشكلٍ جماعيّ، ويلتقون دوريًّا، لتدارس المواضيع السياسيّة والإستراتيجيّة الرّاهنة ذات الأهميّة العالية، ومناقشتها، ورصدها، ومتابعة تطوّراتها، وتوقّع تأثيراتها المحتملة. ويقوم باحث بتنسيق الاجتماعات والمواضيع والموادّ المقترحة للنّقاش. يكلّف باحث أو أكثر بصياغة ورقة، ويقدمها لتخضع للمناقشة في جلسة، ثمّ يعاد تحريرها في ضوء الملاحظات التي يبديها أعضاء فريق الوحدة. وتخضع قبل نشرها على الموقع الإلكتروني كورقة "تقدير موقف" أو ورقة "تحليل سياسات" لمراجعةٍ أخيرة.

مقدمة

أعلنت حركتا فتح وحماس في 23 نيسان/ أبريل 2014 عن اتفاق لإنهاء حالة الانقسام السياسي الفلسطيني، والبدء بإجراءات تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال خمسة أسابيع بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وتحديد مواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة. ويقع على عاتق تلك الحكومة معالجة قضايا المعتقلين السياسيين وإعادة تفعيل عمل المجلس التشريعي والمصالحة المجتمعية على أساس اتفاق القاهرة لعام 2011 وإعلان الدوحة لعام 2012. وفيما رحبت دول عربية وأجنبية عديدة بالقرار[1]، شرعت حكومة بنيامين نتنياهو باتخاذ إجراءات عقابية تجاه السلطة الفلسطينية بعد أن خيّرتها بين المضي في المصالحة مع حماس أو "السلام" مع إسرائيل، أما الولايات المتحدة فاعتبرت القرار بأنّه "مخيب للآمال" ويعقّد الجهود الجارية لتحريك عملية السلام. وحمّل الرئيس الأميركي باراك أوباما عملية المصالحة الفلسطينية مسؤولية توقف المفاوضات.

وفيما تتفاوت التفسيرات والتحليلات بشأن ظروف المصالحة وسياقاتها، طُرحت أسئلة حول الأسباب التي دفعت التنظيمين السياسيين الفلسطينيين الأكبر إلى إنهاء حالة الانقسام المرير المزمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة في هذا الوقت تحديدًا، وهل ستنجح المصالحة هذه المرة، بعد أن فشلت المحاولات السابقة جميعًا؟ ولماذا قررت السلطة الفلسطينية أن تتحدى الإرادتين الإسرائيلية والأميركية وأن تمضي في المصالحة؟ وما هي آفاق الوضع الجديد الناشئ واحتمالاته؟

حماس: "مأزق" الحصار

تمر حكومة حماس في قطاع غزة بأزمة مالية خانقة ناتجة من تزامن جملة من الظروف المحلية والإقليمية التي أثرّت سلبيًا في قدراتها على إدارة الوضع المعيشي لسكان قطاع غزة. فقد فُرضت على الحركة حالة حصار وعزلة إقليمية ودولية، زادت حدتها بعد انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013 في مصر والعداء المتصاعد للإخوان المسلمين في عدد من الدول العربية.

وفي حين تراجع الدعم الإيراني منذ منتصف عام 2012 بصورة واضحة بسبب موقف الحركة من الثورة السورية، قامت الحكومة المصرية بعد الانقلاب بتدمير 90% من الأنفاق الواصلة بين قطاع غزة وسيناء، والتي كانت تعد شريان الحياة الرئيس بالنسبة إلى القطاع؛ ما تسبّب بخسائر مباشرة تقدّر بـ 500 مليون دولار مسّت النشاطات الاقتصادية كافة خلال النصف الثاني من عام 2013[2]. وقد أدى ذلك إلى تأخر صرف رواتب نحو 50 ألف موظف عمومي بفاتورة شهرية تبلغ حوالي 37 مليون دولار شهريًا، فيما ارتفعت نسبة البطالة لأكثر من 30% في الربع الأخير من عام 2013[3].

السلطة الفلسطينية: "مأزق" المفاوضات

مع رفضها الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين البالغ عددهم 30 أسيرًا، 14 منهم من داخل الخط الأخضر، تكون إسرائيل قد أطاحت مطلب السلطة الفلسطينية الثالث، والذي شكّل غطاء لقبول الأخيرة استئناف المفاوضات، ووضعتها في موقف سياسي صعب[4]. وقد ربطت إسرائيل بشكل غير رسمي موافقتها لإطلاق سراح هؤلاء الأسرى بقبول الجانب الفلسطيني تمديد المفاوضات والتي يفترض أن تنتهي مدتها بموجب الاتفاق الأصلي في 29 نيسان/ أبريل 2014، وذلك من دون أن تلبي شرط تجميد الاستيطان. وفي الوقت نفسه، أعلنت إسرائيل عن مخطط لبناء 700 وحدة سكنية استيطانية جديدة في القدس الشرقية المحتلة. وقد أوصلت المواقف الإسرائيلية هذه المفاوضات إلى طريق مسدود، فشرعت الدبلوماسية الفلسطينية بعدها في اتخاذ إجراءات تفعيل عضوية دولة فلسطين في المؤسسات الدولية كرد فعل على ذلك، ومن بينها إعلان الانضمام باسم دولة فلسطين إلى 15 اتفاقية ومعاهدة دولية، كما بدأت مساعيها لإتمام المصالحة الفلسطينية مع حركة حماس.

أما على الصعيد الاقتصادي، فتواجه السلطة الفلسطينية التي تقودها حركة فتح في الضفة الغربية الوضع نفسه الذي تواجهه حماس في غزة؛ إذ قررت حكومة نتنياهو حجب أموال الضرائب عنها والتي تقدّر بنحو 1.5 مليار دولار سنويًا، أي ما يعادل أكثر من ثلث موازنة الحكومة الفلسطينية، وذلك كخطوة عقابية ردًا على قيام السلطة الفلسطينية بتقديم طلب انضمام إلى العديد من المؤسسات والهيئات الدولية. وهدّدت إسرائيل باتخاذ المزيد من الإجراءات في حال إتمام المصالحة. وفي ضوء عدم توافر البدائل الجدية وعدم التزام المانحين العرب تنفيذ وعودهم المالية، تصبح السلطة الفلسطينية على شفير الانهيار؛ وهو ما حذّر منه العديد من المسؤولين الفلسطينيين ودفعهم إلى التلويح بإمكانية حلّ السلطة الفلسطينية.

ومن المؤكد أنّ الرأي العام الفلسطيني الضاغط والرافض للمفاوضات والإملاءات الإسرائيلية أجبر طرفي الانقسام الفلسطيني على إعادة النظر في مواقفهما تجاه مسألة المصالحة؛ إذ أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنّ 89% من الفلسطينيين يرفض "اتفاق الإطار" الذي يُروّج له وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري ويرى أنه يصبّ في تحقيق المصالح الإسرائيليّة. كما عبّر الرأي العام الفلسطيني عن رفضه للشروط التي تحاول إسرائيل فرضها على الجانب الفلسطينيّ مثل الاعتراف بيهوديّة الدولة، واستمرار سيطرتها على المعابر البريّة والبحريّة والجويّة، وقبول التعويض بدلًا من حق العودة، وبقاء المُستوطنات؛ ما يعني عمليًا القضاء على احتمالات قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة. كما أظهر الرأي العام الفلسطيني تأييده للمصالحة الفلسطينية، وإجراء انتخابات رئاسيّة وتشريعيّة، وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينيّة بوصفها أولويات لتحقيق المصالحة[5].

ومن جهة أخرى، تدعم المصالحة الفلسطينية شرعية الرئيس محمود عباس ودوره الوطني على الساحة الفلسطينية في مواجهة تيار محمد دحلان، والذي بدأ يعمل مؤخرًا للعودة إلى دائرة الضوء مدعومًا بموجة الثورات المضادة ومستقويًا بارتباطاته بأجهزة استخبارات إسرائيلية وعربية. وبناء على ما سبق، فإنّ المصالحة تعتبر في هذه الظروف مطلبًا فلسطينيًا، فتحاويًا وحمساويًا، وذلك لمواجهة هذه التحديات أساسًا.

احتمالات المصالحة وآفاقها

يلاحظ في اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس التركيز على الأمور الإجرائية مثل: تشكيل الحكومة، وإجراء الانتخابات، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك على حساب القضايا الجوهرية الأكثر أهمية كالاتفاق على برنامج سياسي مشترك لمواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية. وفيما يعبّر ذلك عن امتلاك كل من الحركتين رؤيتين مختلفتين حول المقاومة والمفاوضات مع إسرائيل، فإنه يعبر - من جهة أخرى - عن حاجتهما الماسة لتجديد شرعيتهما لمواجهة استحقاقات المرحلة القادمة.

وفي ضوء ما تقدم، وأخذًا في الاعتبار السياقات المحلية والإقليمية والدولية، تجد المصالحة الفلسطينية نفسها اليوم أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة، هي:

أن تمضي حركتا فتح وحماس في المصالحة مراعاةً للمصالح العليا للشعب الفلسطيني، وأن تتجاهل القيادة الفلسطينية الضغوط والمواقف الأميركية والإسرائيلية، وأن تتمكن حكومة الوحدة الوطنية المكونة من كفاءات فلسطينية تجاوز الأزمة وتهيئة الأجواء لانتخابات جديدة تقبل بها الأطراف كافة، وأن يعاد بناء منظمة التحرير على أسس وطنية جامعة. لكنّ نجاح هذا السيناريو يتوقف على ثلاثة عوامل: الأول، أن تفي الدول العربية بالتزاماتها المالية وأن توفِّر الدعم السياسي لتمكين هذه الحكومة من الصمود. وفي هذا السياق تعقد جامعة الدول العربية اجتماعًا غير عادي على مستوى المندوبين الدائمين اليوم 28 نيسان/ أبريل لمناقشة تطورات المفاوضات وتوفير شبكة الأمان المالية للسلطة الفلسطينية. كما أبدت كل من قطر وتركيا استعدادهما لتوفير المساعدات في حال إتمام المصالحة. والثاني، أن تتجاهل حركة فتح ضغوط قوى معسكر الثورات المضادة للانسحاب من المصالحة أو استغلالها لإنهاء نفوذ حركة حماس في غزة. والثالث، ألا تذهب السلطة الفلسطينية إلى خيار المفاوضات في حال استمرارها من دون توافق سياسي وطني جامع.

أن تفشل عملية المصالحة، فعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي سادت توقيع الاتفاق والجدية التي أظهرها الطرفان، فإنّ ذلك لا يمنع القول بأنّ هناك أجواءً من القلق تعتمل في أوساط الرأي العام الفلسطيني في ضوء التجارب السابقة. فثمة تخوّف من احتمال استخدام المصالحة بوصفها ورقةَ ضغطٍ لتأمين شروط استمرار المفاوضات مع إسرائيل، وبخاصة في ظل استمرار الضغوط الأميركية والإسرائيلية وتصاعدها، والتي ترمي إلى تعطيل المصالحة. قد يتكرّر هذا الأمر كما حصل سابقًا بعد إعلان الدوحة عام 2012 حين خيَّر نتنياهو الرئيس عباس ما بين المصالحة مع حماس والسلام مع إسرائيل، وتكرّر أيضًا في أيار/ مايو 2013 عندما اتفق الطرفان الفلسطينيان على تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال ثلاثة أشهر وإجراء الانتخابات بعد ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيل الحكومة، وهو ما لم يجر التزامه؛ إذ عادت السلطة الفلسطينية بعد ذلك إلى المفاوضات وفقًا لمبادرة "اتفاق الإطار" لوزير الخارجية الأميركي جون كيري. كما أنّ غياب الراعي المباشر للمصالحة والذي يضمن تنفيذ بنود الاتفاق والتزامه من قبل الأطراف، يضع علامات استفهام حول إمكانية نجاحها وبخاصة مع استمرار الأداء السياسي لحكومة الانقلاب في مصر المعادي تمامًا لحركة حماس.

أن يؤدي التصعيد الإسرائيلي المستمر إلى صدام كما في حالة انتفاضة الأقصى. فحكومة اليمين الإسرائيلية تتخذ خطوات تصعيدية تجاه الأراضي الفلسطينية إثر تعثّر المفاوضات واحتمال إتمام المصالحة، ما قد يؤدي إلى احتجاج فلسطيني وعمليات مقاومة، فتقوم إسرائيل باجتياح جزئي وحصار شامل للسلطة الفلسطينية كما حدث عام 2000 بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد، الأمر الذي يؤدي إلى قيام انتفاضة فلسطينية شاملة في مواجهة الاحتلال.

لا شك في أنّ ثمة إدراكًا رسميًا فلسطينيًا بأنّ حكومة نتتياهو تعارض قيام دولة فلسطينية، وأنّ المفاوضات معها عبثية في الواقع. وهذا عامل رئيس في صمود المصالحة الفلسطينية، كما أنّ قيادة حماس تدرك أنّ إدارة قطاع غزة وانفصالها السياسي عن بقية المناطق المحتلة أصبحت عبئًا حقيقيًا. وهذا عامل إضافي يدفع إلى تقوية المصالحة وصمودها. ولكن ثمة عقبات في الطريق ليس أقلها موقف النظام المصري الحالي من حركة حماس.

في كل الأحوال، فإنّ اتفاق المصالحة بين فتح وحماس أخرج الوضع الفلسطيني من عنق الزجاجة وفتح أمامه آفاقًا جديدة تسمح - إن تمسكّت الحركتان بما أنجزتاه، وقاومتا الضغوط، واستعانتا بالموقف الشعبي الداعم والصامد والمقاوم والمواقف الشعبية الدولية المتعاطفة - ببلورة مبادرات أخرى، قد تضع المشروع الوطني الفلسطيني من جديد على الطريق الصحيحة.

اخبار ذات صلة