فارساً ربانياً من زمن الفاتحين لا يُشَقُ له غبارْ، وفاتحاً جهادياً في زمن الاستشهاديين عبوةً وانفجار، وشهيداً استثنائياً عزَّ نظيرُهُ في البلاد.
في يومٍ عظيمٍ جاءت ديِرُ غزالة من تلك الأرض الخصبة بوليدها الخالد في 23-4-1973م، لعائلة أصيلةٍ من عوائلنا الكريمة التي قدَّمتْ ولم تنتظرْ الجزاء، فكان خالداً نجلُ محمودٍ، ذكرى خالدةً ومحمودةً في مسيرة الجهاد المقدس.
مضى على خطى العلم، حتى أنهى الثانوية العامة، والتحق بجامعة اليرموك في الأردن لدراسة الشريعة الإسلامية، وكان يرتاد مكتبتها قارئاً نهماً، ينهلُ من المعارف والعلوم، ثم عملَ مدرساً يعلَّمُ الأجيالَ دروسَ الإيمان.
كان خالدُ زَمَنِهِ الذي التحق بالركب، وانتمى لحركة الجهاد الإسلامي، طليعةً لهذه الأمة ومشروعاً للمقاومة والشهادة.
تعرَّف على رفيق دربه الشهيد القائد أنور حمران، وتوجها سوياً إلى سوريا، للالتقاء بالشهيد المعلم فتحي الشقاقي عدة مرات، ثم تعلَّم فنون القتال وتصنيع المتفجرات واستخدام الأسلحة، كما تلقيا التدريب في معسكرات المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
كان مؤمناً قوياً، حيث امتازَ بالقوة البدنية، وأتمَّ عدةَ درواتٍ تدريبية في رياضة "التايكوندو" في الأردن، وحصل على حزام دان1 الدولي، وعمل مدرباً في ناد رياضي، ليؤهل جيلاً قادراً على المواجهة، وتحمل المسؤولية.
تعرَّض للاعتقال في سجون الاحتلال عام 1995م، حيث أمضى ثلاثة سنوات، وفي تلك الفترة، لم ينقطع عن طريق العلم، فواصل سعيَهُ لدراسة الماجستير في جامعة النجاح الوطنية بنابلس.
عرفته السجون شيخاً تقياً وأستاذاً واعياً، يصعد منبرَ الجمعةِ، يخطب في إخوانه، ويجالسهُم في دروس الإيمان والوعي والثورة، ويعلَّمهُم مما علَّمَهُ الله من علوم الدين والقتال.
عقب عملية القدس الاستشهادية عام 1998م التي نفذها الاستشهاديان سليمان طحاينة ويوسف الزغير، قامت أجهزة السلطة باعتقال القائد خالد زكارنة مع كوكبة من قادة الحركة، بتهمةِ وقوفهم خلف العملية.
اشتعلت الانتفاضة، وانطلقت جماهير نابلس، لإخراج المعتقلين السياسيين من سجن جنيد، وأقام في نابلس يؤسس المجموعات والخلايا لمواصلة القتال.
بعد اغتيال الشهيد القائد إياد حردان، انتقل القائد خالد زكارنة إلى جنين لحملِ الرايةِ وتعزِيز جنين كركيزة أساسية للجهاد، اَخذاً برأي الشهيد الملْهَم نعمان طحاينة.
تدرَّبَ على يديه الشهيدُ القائد إياد صوالحة، كما تولَّى قيادةَ عمليات سرايا القدس، وتخصَّصَ في صناعة الأحزمة والعبوات الناسفة ذات النوعيةِ غَيْرَ المعهودة، والتي بدت اَثارُهَا في العمليات الاستشهادية التالية:
يعد من أبرزِ مهندسي الانتفاضة، ورجلِ الظلِ الذي لا يُرى إلا في مختبره الذي لم يخرج منه، وكان صنيعُ يديه مشهوداً في الدفاع عن مخيم جنين، وفي العمليات الكبرى التي تلت استشهاده، مثل عملية مجدو وكركور وعملية الجيب الأحمر الذي يزن نصف طن من المتفجرات.
خاض اشتباكَهُ الأخير مع جنود الاحتلال، في الثاني والعشرين من مايو عام 2002م، في عمليةِ اغتيالٍ معقّدةٍ نفَّذَتْها أجهزةُ مخابراتِ العدو، وذلك حين قامَ بتجريبِ صاروخِ "لاو" للمرة الأولى ضد جنود الاحتلال، فانفجر بجسدهِ الطاهر، وارتقت روحُهُ، توزَّعُ على الأرض بذورَها المباركة، لتثمرَ رجالاً يواصلون الدربَ حتى الفتح المبين، ويجهَّزُونَ كتيبةَ جنين التي تحطُ رحالَها في باحاتِ المسجد الأقصى.