لم يكتف الاحتلال بالسيطرة على منافذ القطاع البرية، والبحرية، والجوية، والحصار الخانق الذي يفرضه على الغزيين من خلال القيود المفروضة على حركة البضائع والأشخاص، فخلال الـ 15 سنة الماضية، شنت قوات الاحتلال أربع هجمات رئيسية على قطاع غزة، آخرها كان في بداية مايو العام الماضي، ووقعت هجمات جوية وبرية متفرقة بينهما، أدت إلى دمار وتغيير في ملامح القطاع، وأثرت على الحالة النفسية للمواطنين،
فتأثير الطائرات الاستطلاعية "الزنانات"؛ شكّل ركنًا وسببًا رئيسيًا لترك أثر نفسي سلبي على المواطنين حسب ما يقوله خبراء في علم النفس والاجتماع؛ فالتحليق المستمر للطائرات يعزز فرص تذكيرهم بحربٍ خاضوها خلفت عشرات الشهداء، وتدمير مئات المنشآت السكنية، الاقتصادية، التعليمية، والصحية في قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه حوالي ٢.٢ مليون نسمة يعيشون في مساحة ضيقة ومحاصرة لا تزيد عن ٣٦٠ كيلومتر مربع.
ووصفت المواطنة سندس الخطيب، الزنانة بقولها "الزنانة بالنسبة لي لعنة وتسبب لي صداعاً كبيرًا، وقلقًا مستمرًا، ولم أعتد يومًا عليها طوال حياتي، فكلما سمعت صوتها يقترب دقّ قلبي خوفًا، وعادت ذاكرتي للأربع حروب السابقة وتخيّلت بأنها ستستهدفني في لحظة ما"
وقال الدكتور النفسي خالد دحلان:" التحليق المكثف للطيران يلعب دورًا مهمًا في التأثير على الحالة النفسية للمواطنين، فنحن نعيش في حربٍ نفسية مستمرة مع الاحتلال الصهيوني، والمسيرة النضالية الكبيرة كان لها انعكاس على الوضع النفسي للمواطنين، من حالة القلق والتوتر، والاكتئاب، والوسواس القهري، وبعض الأمراض الذهنية، وحالة الترقب والخوف المستمر".
وأضاف إنّ جيش الاحتلال لديه أكثر من 25 ألف موظف يعمل في مجال الصحة النفسية، بينما نحن لا ندخل لمؤسساتنا الحكومية موظفي صحة نفسية إلّا بحالاتٍ نادرة، وهذا الذي يدفع أغلب المواطنين إلى عدم التوجه إلى الأطباء النفسيين وتفريغ ما بداخلهم من آثار الحروب؛ بسبب قلة الدخل، وعدم توفر الخدمات النفسية لدى الجهات الحكومية ".
وأشار دحلان إلى أنّ الزنانة أو أي مظاهر تسليح يظهرها الاحتلال على الحدود تنبه وتحفز لدى المواطنين حالة الحرب وما يترتب عليها من تدمير وخسائر بشرية ومادية، وكل هذا يسبب بظهور أعراض الصدمة النفسية أو ما يسمى "كرب ما بعد الصدمة" .
وذكر إن اضطراب ما بعد الصدمة هو اضطراب القلق المرهق الذي يحدث بعد التعرض لحدث صادم أو مشاهدته، وقد يتضمن الحدث تهديدًا حقيقيًا أو متوقعًا للإصابة أو الموت، ويشمل ذلك حالة الحرب والخوف والتشريد الذي يعيشها الشعب الفلسطيني خلال الحروب، مشيرًا إلى أنّ الأشخاص الذين لديهم اضطراب ما بعد الصدمة يعانون من إحساس قوي بالخطر؛ ما يجعلهم يشعرون بالتوتر أو الخوف عند سماع شيء يذكرهم بالخطر، أو حتى في الحالات الآمنة.
والجدير ذكره، أنّ كثير من الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة يلجؤون في بعض الأحيان إلى المخدرات والكحول غير المشروعة للتأقلم مع أعراضهم، في حين أنّ هذه الطرق قد تخفف مؤقتًا من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، إلا أنها لا تعالجه بشكل نهائي، بل من الممكن أن تزيد الأمور سوءًا؛ لذلك يجب التعرف على المرض والبحث عنه وطلب المساعدة أو مراجعة الطبيب