توقفت كثيراً قبل الكتابة عن التحليل النفسي لمسيرة الاعلام , حيث أن تحليل مسيرة الاعلام يستلزم تحليل الشخصية الاسرائيلية الصهيونية المتطرفة , خاصة بوجود رئيس وزراء من غلاة المستوطنين المؤمنين بالدولة اليهودية النقية الخالية من العرب الفلسطينيين , لقد استعارت الصهيونية الاسرائيلية من الشخصية الغربية , وخاصة من نمط الشخصية الأميركية والحياة الأميركية , ولكنها لم تستطع الالتزام بعناصر يعتبرها الغرب مقدسة مثل الديمقراطية والليبيرالية , فهي أبعد ما تكون عن هذه المفاهيم ولا تستطيع الالتزام بها , فهي تدمر وتقتل بصلف لا مثيل له وبدون توقف.
للأسف نحن كفلسطينيون مقصرون في دراسة "الشخصية الإسرائيلية" ولقد سبقنا الكثير من العلماء العرب وغيرهم ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور المصري المرحوم "قدري حفني" في دراساته عن الشخصية الاسرائيلية.
وأتمنى أن يكون هذا المقال بداية التفكير في جعل هذا الموضوع من المجالات المهمة والحيوية لدارسي علم النفس في فلسطين , فعدم تحليل"الشخصية الإسرائيلية " من ناحية نفسية وعدم تحليل بعض المواقف الإسرائيلية يضعنا في موقف الحرج والتردد إذا ما نحن فشلنا في استبطان اللاشعور اليهودي الصهيوني المنتج لهذه المواقف والمحدد لاتجاهاتها العلنية.
الاستبطان لما يسمى اللاشعور اليهودي الصهيوني يقدم مساهمة بسيطة لتوظيف الانثروبولوجيا النفسية والسيكولوجيا معاً لتوضيح المواقف الإسرائيلية والنوايا الناجمة عنها ومن أمثلة التوضيح اليي سابدأ بها مسيرة الاعلام وما رافقها من تضخيم وتهويل فالقتل اليومي يفوق في وحشيته كل المسيرات ولذلك لابد من قراءة نوايا العدو الصهيوني من مسيرة الاعلام.
مسيرة الاعلام هي تعبير صريح عن عقلية السفاح الذي يستخدم حيلة نفسية دفاعية تسمى التوحد بالمعتدي أي استنساخ اليهود لسلوك هتلر النازي في مذابحهم ضد الشعب الفلسطيني بدءاً بمذبحة دير ياسين وليس انتهاءاً بمذبحة غزة مايو 2021م .
ومثال واضح على شخصية السفاح هي شخصية مناحيم بيغن رئيس وزراء اسرائيل الاسبق وزعيم الليكود , واستاذ نفتالي بينت , لقد اكتملت في كلا الشخصيتين معالم شخصية السفاح لتكون أبرز أمثلة للتوحد بالمعتدي النازي , كما أن معظم الشخصيات الاسرائيلية العسكرية الاسرائلية تقمصت الشكل الفج للعسكرية النازية , ومثال لذلك موشيه دايان , واسحاق رابين , وايهود باراك , وبنيامين نتياهو , وكوخافي وجميع رؤساء الاركان لجيش العدوان ......الخ , والقائمة تطول ويمكن أن تأخذ كل مساحة هذا المقال , ويمكن القول أن آلية التوحد مع المعتدي قد انتشرت بين اليهود في كل أنحاء العالم كالوباء عبر التعاطف مع الضحايا اليهود الذين قتلتهم النازية .
التوحد بالمعتدي النازي أتاح لليهود التحول من المذلة والمسكنة إلى الطغيان , ومن الخنوع إلى السفاحية والقتل الفج.
إن مسيرة الاعلام تعبر عن حاجة الإسرائيليين النفسية لممارسة العدوان , فشخصية المتوحد بالمعتدي تفقد تماسكها إن هي توقفت عن العدوان , لأن العدوان يطمئنها , ويصبح العدوان مانعاً لتفجر موجات القلق والرعب فيها , وكأن لسان حالها يقول ما دمت أنا المعتدي فلا خوف علي من الارتداد إلى ما كنت عليه يهودياً تائهاً خائفاً يفتك به الناس في كل مكان , ويسكن في حارة اليهود ذليلاً وبعيداً عن الناس.
من هنا يمكن استنتاج هشاشة الشخصية الإسرائيلية , وعدم قدرتها على تحمل أي إحباط , كون الإحباط يصيب هذه الشخصية بالتهاوي والتفكك مهدداً بزوال الهوية الزائفة.
لذلك فإن القادة الإسرائيليين السابقون والحاليون مجبرون على تأمين أفضل مستويات الروح المعنوية لجمهورهم عن طريق العدوان واستمرار هذا العدوان , ومسيرة الاعلام والاعتداء على المصلين في المسجد الاقصى والاعتداء على أهالي الشيخ جراح , وقتل شيرين ابو عاقلة ومحاولة قتل الصحفي على السمودي , وقتل اربعين صحفي فلسطيني منذ العام 1967م وحتى مايو 2022م , وقتل الاطفال وآخرهم الشهيد الطفل زيد غنيم في بيت لحم , واستمرار القتل معناه أننا في صراع طويل ومرير مع هذا العدو المتوحد بالنازية , ولا يمكن اختزال عدوانه بمسيرة هنا أو قتل هناك.