اتفق محللون سياسيون على أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة نفتالي بينت حققت انتصارًا بطعم الهزيمة خلال الجولة السابقة التي تمثلت بمسيرة الأعلام؛ لأسباب متعددة، أهمها استنفار كل أجهزة جيش الاحتلال؛ خشية من معركة قادمة مع المقاومة في قطاع غزة، إضافة إلى أنها حاولت استعادة هيبتها التي تآكلت خلال معركة سيف القدس عام 2021.
وأوضح المحللون أن المشهد العام للاحتلال الإسرائيلي كان يدفع حكومة بينت تجاه معركة حاسمة ضد المقاومة في غزة؛ لاستعادة هيبة الجيش، إضافة لإثبات قوة الحكومة الهشة في مواجهة وتحقيق الانتصار والأمن والأمان للمستوطنين الإسرائيليين.
جاء ذلك خلال ندوة سياسية نظمها مركز أطلس للدراسات والأبحاث، شارك فيها نخبة من المفكرين، والمحللين السياسيين، وإعلاميين، ومثقفين.
السياسي والأكاديمي الفلسطيني وعضو الكنيست الإسرائيلي سابقًا إمطانس شحادة، أكد أن المشهد السياسي العام في إسرائيل تحول إلى متدين متطرف جدًا، يسعى إلى استعادة أمجاد التجربة الأولى لاحتلال فلسطين في عامي "1948 – 1967" عبر الاستيطان والتهجير، والتطهير العرقي، واستعادة هيبة الجيش الإسرائيلي الذي تآكل في معركة سيف القدس.
وذكر شحادة خلال مداخلته في الندوة السياسية، أنه تم تشكيل حكومة الاحتلال الإسرائيلي من أحزاب صغيرة ليس لها ثقل سياسي؛ لذلك فهي حكومة ضعيفة، تسعى بكل ما هو متاح لإثبات قوتها أمام المستوطنين الإسرائيليين، وأنها أقوى من حكومة بنيامين نتنياهو.
وأشار إلى أن حكومة بينت كانت تتجه لأبعد مدى خلال مسيرة الأعلام، يوم "الأحد الماضي"، عبر استفزاز الفلسطينيين بشكل كبير، وتسيير المسيرة كما هو مخطط له؛ كونها بحاجة ماسة لصناعة انتصار، وإثبات ذاتها أمام المستوطنين.
وقال شحادة: "المؤسسة الأمنية للاحتلال الإسرائيلي لا ترغب بالمواجهة؛ لكن إذا فرضت عليها من قبل حكومة بينت فهي مستعدة لتنفيذ خطوة استراتيجية لحسم المعركة"، لافتًا إلى أن تآكل قوة الردع لدى جيش الاحتلال باستمرار سيجعل ما تُسمى بالجبهة الداخلية الإسرائيلية أكثر تشتتاً وانقساماً، وعدم قدرتها على تحمل ذلك؛ ما يشكل لها هزيمة قاسية.
وفيما يتعلق برفع مستوى الاستعداد لحرب ضد المقاومة في غزة، يعتقد الأكاديمي الفلسطيني شحادة، أن تجهيز المعدات العسكرية وقت التصعيد يأتي لمنع اندلاع الحرب، ولمنع وقوع مواجهة مع المقاومة في غزة؛ لكنه استدرك بالقول: "لا أستبعد أن يُقدم جيش الاحتلال لمعركة ترفع من سمعة جيشه لدى المستوطنين الإسرائيليين، وهنا لا أتحدث فقط عن غزة؛ إنما عن الضفة والقدس أيضًا".
فيما تحدث مدير مركز القدس للدراسات السياسية الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي، عن المشهد الفلسطيني الذي أعقب مسيرة الأعلام الإسرائيلية، وما بحثه البعض من حالة اليأس والإحباط لعدم رد المقاومة في قطاع غزة، قائلًا: "ليس مطلوب من غزة أن تستشهد".
ويقول الرنتاوي: "يجب ألا نعتبر أن معركة الأعلام الإسرائيلي هي أم المعارك، فهذه جولة من جولات الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، حقق فيها بينت انتصار المهزوم، فمن جهة، سارت المسيرة كما هو مخطط لها، ومن جهة أخرى، وقفت إسرائيل كلها على قدم واحدة؛ خشية من رد المقاومة الباسلة".
وعدد الرنتاوي مشاهد من الخسارة التي تعرض لها الفلسطينيون خلال جولة مسيرة الأعلام 2022، قائلًا: "الوحدة الفلسطينية التي تمثلت في مسيرة الأعلام السابقة 2021 كانت كبيرة جدًا، وفقدناها خلال هذا العام، فلا انتفض أهالي الداخل المحتل، ولا انتفض أهالي الضفة المحتلة، سوى من بعض المشاهد الخجولة".
وفيما يتعلق بالهجوم على المقاومة في غزة، يرى الرنتاوي أن الأسباب كثيرة، أهمها خطاب المقاومة الذي بدا كأن هزيمة إسرائيل ستحدث غدًا، قائلًا: "خسرنا جولة، ولم نخسر المعركة علينا، أن نكون متواضعين مع أبناء شعبنا؛ كي لا تحدث فجوة بين المقاومة والشعب".
وأضاف: "يجب أن تكون المقاومة بكل أشكالها، وأن المسلحة واحدة من أشكال المقاومة مع العدو"، معتقدًا بأن الصواريخ في غزة الآن لها وظيفة واحدة وهي الردع، وعدم جر غزة لمعركة قاتلة مع جيش الاحتلال.
ودعا الرنتاوي المقاومة لوضع استراتيجية طويلة النفس وبعيدة المدى؛ لأن المعركة ليست القدس وقبة الصخرة فقط؛ إنما الاستيطان الذي يأكل أجزاء الضفة المحتلة، والتهجير العرقي، والاستهداف المباشر للإنسان الفلسطيني، كما طالب الجميع بالاعتماد على أنفسهم، وألا يعتمدوا على غيرهم في المعارك مع العدو؛ بسبب ما يملكه شعبنا من إرث طويل من الرهانات الفاشلة.