قائمة الموقع

"أبو وردة والنجار".. فلسطينيان خطف "الدبور" قوت أطفالهما

2022-06-12T20:21:00+03:00
زورق اسرائيلي اطلاق نار على الصيادين.jpeg
شمس نيوز - مطر الزق

أمسك محمد مقبض المحرك وفر مسرعًا، لكن أين؟ المكان واسع جدًا ولا يمكنه الفرار، يحاول قدر المستطاع أن يتلاشى الإصابة بالرصاصات التي تنهمر عليه كالمطر، رائحة الموت اقتربت، والمحرك توقف، وصوت "الدبور" المرعب يقترب، أما شقيقه يوسف الذي دَبَّ الرعب والخوف في قلبه كانت أنفاسه كاللهب، وضع يديه على رأسه وظل مختبئًا أسفل المركب ينتظر اللحظات المرعبة.

دقات قلب محمد تخفق بقوة، فالموقف أصبح جادًا وخطيرًا، لا مكان هنا ليستمع أحد لصرخاته، وطلب النجدة، استطاع محمد الفرار لمسافة 500 متر دون فائدة، فقد تمكن زورق إسرائيلي يُطلق عليه "الدبور" من اللحاق به وإيقافه، صرخ أحد الجنود المدججين بالسلاح دون رحمة أو إنسانية "اخلع ثيابك واقفز في البحر" كانت حينها الأجواء باردة جدًا، وعقارب الساعة تشير إلى الخامسة والنصف صباحًا من يوم السبت الماضي.

عينا محمد كانتا تراقبان شقيقه يوسف الذي أصيب سابقًا برصاص مطاط في قدمه أثناء مطاردة سابقة، يقول له: "اسمع الكلام وانزل هدول فش عندهم رحمة، ما ابتفرق معاهم" استجاب الشقيقان ونزلا للبحر.

ألقى جنود الاحتلال الحبل للشقيقين، فصعدا للزورق الإسرائيلي الذي تسبب بجروح في جسد محمد؛ لأن سطح الزورق "خشن" أسس خصيصًا لئلا ينزلق جنود الاحتلال أثناء مطاردة الصيادين على طول البحر.

قصة الصيادين أبو وردة التي يرويها محمد لـ "شمس نيوز" تتكرر يوميًا مع الصيادين الفلسطينيين على طول شاطئ بحر قطاع غزة، حيث يخترق جنود الاحتلال جميع الاتفاقيات التي تنص على السماح للصيادين بممارسة عملهم، في المساحة المتفق عليها أقلها (3 أميال)؛ ويؤكد الصيادون أن زوارق الاحتلال تخترق هذه المساحة الصغيرة؛ لتحاربهم في توفير لقمة العيش لهم ولأطفالهم.

 

الطريق إلى أسدود

يكمل الصياد أبو وردة القصة ويقول: "شتمونا أساءوا معاملتنا، وغموا عيوننا، وربطوا أيدينا، بعد وقت نُقلنا إلى مركب آخر، ومنه إلى ميناء سدود".

خضع الشقيقان خلال تلك المسافة للتحقيق الميداني، ما أسماؤكم؟ ماذا تفعلون في البحر؟ إلى أي التنظيمات تنتمون؟ تبع تلك الأسئلة عبارة من أحد جنود الاحتلال "أنتم أتعبتمونا".

هذه الجملة، قالها محمد أبو وردة لمراسل "شمس نيوز" دون أن يلقي لها بالًا؛ لكن الحقيقة لتلك الكلمة معان كبيرة ودليل على قوة الصياد الفلسطيني أمام جنود الاحتلال، فلا يستسلم ولا يخضع ولا يكل ولا يمل في الوصول إلى البحر؛ لممارسة مهنة الصيد وتوفير لقمة العيش له ولأطفاله.

وصل الشقيقان برفقة جنود الاحتلال إلى ميناء أسدود واحتجزا في غرفة زجاجية دون توجيه أي تهمة لهما، وبقيا حتى ساعات المساء من نفس اليوم دون أن يكلمهم أحد، كانت ساعات مملة وصعبة وقاسية، فقد تعب الشقيقان وكانا يحلمان بالنوم.

ما أن بدأت جفون محمد وشقيقه يوسف توحيان بالنعاس جاءهم صوت من بعيد: "يلا على السيارة"، وانتقلا مباشرة إلى حاجز "إيرز" ومنه إلى قطاع غزة، حيث الحرية ولقاء الأهل الذين كانوا يترقبون سماع أخبار محمد ويوسف.

 

مشهد آخر من الجنوب

حكاية الصيادين محمد ويوسف أبو وردة وقعت في منطقة السودانية شمال القطاع، أما حكاية محمد النجار ونجله أمجد فقد وقعت في منطقة خانيونس جنوب القطاع، وهي لا تقل خطورة وقساوة عن مشهد الرعب الذي عاشه أبو ورده.

بدأت قصة النجار في شهر رمضان الماضي، كان العمل شحيحا، والرزق قليل؛ لكن أطفاله وذويه شجعوه للعمل وأخبروه: "أن شهر رمضان مليء بالخير والرزق"، اضطر حينها لاستدانة بعضٍ من الأموال لتوفير مستلزمات رحلة الصيد والإبحار بحثًا عن قوت أطفاله.

جهز محمد مركبه ونحو 800 صنارة صيد، انطلق برفقة نجله أمجد إلى حوض البحر، ونصبوا أدواتهم ينتظرون الرزق، الساعة الثالثة فجرًا كان الهدوء سيد الموقف، فطلب محمد من نجله أن يصنع له كوبًا من القهوة.

ارتشف الاثنان القهوة وبدأت أدوات الصيد تتحرك كإشارة لوصول الرزق، فانتفض الاثنين يرفعان الصنارة وتمكنا من رفع 350 صنارة من أصل 800، وفي زاوية أخرى من المركب كان الاثنين يرفعان الشباك التي امتلأت بما قسمه الله لهما.

رفع محمد يديه شاكرا الله على ما أعطاه من رزقه الكريم، وارتسمت علامات الفرح والسرور على وجهه، لكن أمجد فقد السيطرة على الشباك فانقطعت، وهب محمد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

فجأة جاء كشاف من بعيد وصوت قوي، وأمواج البحر بدأت ترتفع، أمجد يقول لوالده الذي أشاح بوجهه إلى الضوء، وقد انقلبت البسمة وتحولت إلى "كشرة" حينها تعقدت حواجب محمد وبدأ الخوف يتسلل رويدًا رويدًا إلى جسده: "هذا زورق يا أبي، ماذا نفعل؟".

أراد الأب أن يهدئ من روع نجله ويزيل الخوف من قلبه: "لا تقلق نحن في أمان، نصطاد في المنطقة المسموح لنا، ولن يفعل هؤلاء شيء"، قالها وهو يدرك أنه يواسي نفسه، ثوانٍ معدودة حتى انطلق أزيز الرصاص ينهمر عليهم كالمطر من فوق رؤوسهم ومن حولهم، اقترب الزورق وصرخ الجندي في وجههم "أوقفوا المحرك، واخلعوا ثيابكم".

أمام هذا المشهد المرعب اضطر الأب ونجله تنفيذ ما يُطلب منهما، وجاءهم الطلب الثالث كأنه بروتوكول خاص يُمارس باستمرار؛ لإذلال كرامة الانسان الفلسطيني "ألقي نفسك في البحر"، كان البرد قارصًا وجسدا الأب ونجله يرتجفان من شدة البرد.

رفعهما جنود الاحتلال على الزورق، الذي يُطلق عليه "الدبور"، فغموا عيونهم، وربطوا أيديهم، وانطلقوا بسرعة من خانيونس جنوب قطاع غزة إلى أقصى الشمال لميناء أسدود، وهناك لم يتحدث اليهما أحد.

ساعات قليلة قضاها محمد ونجله في ميناء أسدود، قبل نقلهما إلى حاجز "إيرز"، والعودة إلى ذويهم دون أي "فلس" بل كُسر ظهراهما لمضاعفة تراكم الديون عليهما، لتبدأ حكاية جديدة من المعاناة.

إحصائية منذ بداية 2022

مشاهد اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة على الصيادين في عرض بحر قطاع غزة، تسببت بظروف اقتصادية مادية صعبة لقطاع الصيادين، يُشار إلى أن عدد الصيادين يبلغ نحو 3600 صياد على طول شاطئ بحر القطاع.

ومن الجدير ذكره، أن المنطقة المسموح بها للصيد وفقًا للاتفاقيات مع العدو الإسرائيلي وصلت إلى 15 ميلًا كأقصى حد، ثم قلصها جنود الاحتلال حتى وصلت إلى 6 أميال ثم أقل من ذلك بكثير.

منسق اتحاد لجان الصيادين زكريا بكر، قال لشمس نيوز: "إن اعتداءات الاحتلال بلغت منذ بداية العام الجاري 150 اعتداءً، توزعت كالتالي: 41 اعتقالا، (ما يزال 5 منهم قيد الاعتقال)، بالإضافة لإصابة 16 صيادًا، وتدمير 7 قوارب، ومصادرة 13 قاربًا آخرين، وإتلاف مئات قطع الشباك".

اخبار ذات صلة