"لا أحد يقف ضد تطوير بلاده، ويرى الأبراج والأنفاق والكوبري في كل الأماكن، وانتهاء الازدحام المروري على المفترقات؛ لكن أن يكون ذلك على حساب الأموات؛ فلن نقبل به مطلقًا، والأصل أن تحظى القبور التاريخية وخاصة الإسلامية على اهتمام واحترام للحفاظ على هذا الإرث الحضاري والإسلامي"، هذا ما قاله المواطن إيهاب مرتجى.
وقدم المواطن مرتجى وعدد آخر من المواطنين في الشجاعية العديد من الشكاوى، من إقدام طواقم وزارة الأشغال العامة والإسكان على بدء أول مراحل مشروع كوبري الشجاعية على حساب مقبرة "أم مروان" التاريخية؛ وذلك بوضع علامات "إكس" على المنطقة المنوي إزالتها.
غير أن وكيل وزارة الاشغال العامة والإسكان المهندس ناجي سرحان نفى بدء تنفيذ مشروع كوبري الشجاعية قائلًا: "إن الوزارة بصدد إعداد الدراسات الأولية التي تحتاج توسعة للشارع الرئيسي، ولم تبدأ رسميًا بتنفيذ المشروع بعد".
وأوضح سرحان لـ"شمس نيوز" بأن هناك لجنة مشكلة من جميع جهات الاختصاص للتواصل مع جميع الأطراف، مضيفًا: "لن يكون هناك أي تصرف؛ إلا بموافقة الجميع بما فيها أهلنا أصحاب القبور".
يُشار إلى أن "مقبرة أم مروان" وهي مقبرة تاريخية إسلامية قديمة، بدأ تاريخ هذه المقبرة منذ دفن الشيخ علي بن مروان عام 715ه الموافق 1315م، يوجد داخل المقبرة مسجد للشيخ علي سمى باسمه، ويحد المقبرة من الناحية الشرقية شارع صلاح الدين الذي يربط شمال قطاع غزة بجنوبه، ومن الجهة الشمالية والغربية يحدها منازل للمواطنين ومن الجهة الشرقية يحدها شارع بغداد.
أستاذ الهندسة المدنية بالجامعة الإسلامية الدكتور مازن أبو الطيف، أكد أن بناء كوبري الشجاعية على حساب مقبرة "أم مروان" لن يُنهي الأزمة المرورية مطلقًا، مشيرًا إلى أن هناك حلول أخرى أكثر فعالية.
د. أبو الطيف أحد المتضررين من هدم جزء من مقبرة "أم مروان" فهناك تمكث رفات والدته بأمن وأمان إذ أن رفاتها مضى عالى دفنها في المقبرة نحو 15 عامًا، يقول: "أنا لا أقبل مطلقًا أن يتم نبش قبر والدتي أو نقله لمكان آخر".
وأشار إلى أنه تم التواصل مع وزارة الأوقاف منذ نحو عام، وقدمنا لهم اعتراضا مُوقعا من 20 متضررا، أما بلدية غزة فقد أبلغتنا بأن وزارة الأشغال هي المسؤولة عن القضية، متسائلًا: "كيف للوزارة أن تبدأ بتحديد الأماكن التي سيتم إزالتها دون موافقة أهالي القبور؟".
ويرى أستاذ الهندسة المدنية بالجامعة الإسلامية، أن وزارة الأشغال لم تستنزف جميع الحلول الممكنة والواقعية، قائلًا: "هناك العديد من الحلول بعيدًا عن هدم المقبرة لتخفيف أزمة المرور، منها استخدام موقف الزهرة بدلًا من استخدامه كموقف للسيارات الحكومية، إضافة إلى عدم استخدام موقف الشجاعية كموقف للسيارات كما يجري الآن مع موقف السرايا ومنع توقف السيارات هناك".
ومن الحلول التي قدمها د. أبو الطيف إزالة منتزه الشجاعية، وتحويله إلى مبنى تجاري ضخم واستغلال الطابق الأول منه كموقف للسيارات، هذه مسببات الأزمة المرورية وليس المقبرة التي تعتبر مقبرة تاريخية يجب الحفاظ عليها وحمايتها".
وفي السياق ذاته، طرح أ. محمد الحطاب جملة من التساؤلات تزامنًا مع بدء مرحلة "تحديد الأماكن التي سيتم إزالتها في مقبرة أم مروان"، قائلًا: "تم إيقاف مشروع الإسكان شمال قطاع غزة من أجل اكتشاف مقبرة للرومان؛ لكن لا مانع من إزالة جزء من مقبرة بن مروان لبناء جسر الشجاعية، هذه المقبرة تاريخ وفيها من الشهداء الأكرم منا جميعًا..!".
وتساءل الحطاب عبر منشور على حسابه في منصة فيسبوك: "لماذا لم يتم تعبيد شارع الخط الشرقي بالتالي الشاحنات المتجه للشمال تأخذه مسارا لها بدلا من مفترق الشجاعية؟، لماذا لا يُطور سوق البسطات؟ ولماذا لا تنظم مواقف السيارات في مفترق الشجاعية بالتالي تخفف الازدحام؟".
وقال: "أكرموا الأموات في حياتكم، يكرمكم أبناؤكم عندما تلحقون بهم لا لنقل الرفات".
أما المواطن إيهاب مرتجى فقد رفض بالكامل إزالة قبور عائلته من مقبرة "أم مروان" قائلًا: "هناك العديد من القبور لعائلتي، وأنا شخصيًا وعائلتي بشكل عام نعارض إزالة القبور وتوسعة الشارع على حساب المقبرة".
ويعتقد مرتجى لـ"شمس نيوز"، أن إزالة جزء من المقبرة لصالح مشروع كوبري الشجاعية هو تعد على حرمة الأموات، وإثارة لمشاعر ذويهم، والأصل أن يتم استخدام المقبرة للغرض الذي أوقفت له من الأصل، وهو لدفن الموتى وليس لإنشاء كوبري".
واتفق مرتجى مع سابقه د. أبو الطيف، بأن وزارة الأشغال لم تستنزف جميع البدائل قبل الانتقال إلى مرحلة إزالة المقبرة ومن هذه الحلول كما يرى مرتجى: "السبب الرئيسي للازدحام هو سوق البسطات وقد وضع هنا مؤقتًا، وإزالته أو تطويره كمبنى ضخم جزء من الحل، إضافة إلى تحويل الشاحنات الكبيرة للخط الشرقي بعد تهيئته ومنعها من المرور عبر شارع صلاح الدين".
ويقول مرتجى: "هذه الخطوات والحلول البديلة لن تكلف مبلغ المليون دولار المرصود لمشروع كوبري الشجاعية، إضافة إلى أنه يعطي نتائج أفضل، ويراعي حرمة الأموات وفقًا لقوله".
يُشار إلى أن مشروع كوبري الشجاعية هو مشروع مصري طرحه الوفد المصري لإعادة بناء ما دمره الاحتلال الإسرائيلي في العدوان الأخير عام 2021 ضمن المنحة المقدمة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إذ أن المشاريع التي قدمها الوفد المصري وبدأ التنفيذ فيها "إزالة الركام مشاريع خاصة بالنية التحتية والرصف، إضافة إلى مدينة سكنية مصرية بوحدات تقدر بأكثر من 500 وحدة سكنية.
إضافة إلى مشاريع أخرى ببناء ثلاث مدن سكنية بها أكثر من 3 آلاف وحدة سكنية في شمال ووسط وجنوب مدينة غزة، ومخطط لبناء كوبري علوى في الشجاعية، وآخر على مفترق السرايا وسط غزة.