دار جدل بين المحللين السياسيين في "اسرائيل" هل انتصر الجيش الصهيوني في معركة حارس الاسوار كما يسميها الصهاينة ؟ كذلك دار نفس الجدل في ساحة المقاومة هل انتصرت المقاومة في معركة سيف القدس ؟ هل حققت انتصار أم حققت إنجاز ؟
من وجهة نظري أن العدو الصهيوني بعد كل معركة مع المقاومة لا يتوقف عند التحليل السياسي بل يشكل لجان لدراسة العبر ومعرفة أين أصاب وأين اخطأ ؟. أتمنى أن تمتلك المقاومة الجرأة على السير بنفس الاتجاه وتشكل لجان لمعرفة أين أصابت وأين اخطأت ؟
من المهم ألا يظل الامر عند التحليل السياسي وقد وصف البعض معركة سيف القدس على أنها إنجاز مهم على طريق التحرير , بينما أصر البعض الآخر على أنها انتصار وما زال يردد ما بعد سيف القدس ليس كما قبلها .
وللحقيقة ترددت قبل الكتابة في هذا الموضوع الشائك وفي النهاية قررت أن اخوض التجربة فأنا لست من مؤيدي تحويل أذرع المقاومة إلى جيوش ولذلك أرى أن كل مقاومتنا وفي كل مراحلها انجازات تتراكم للوصول الى اللحظة المناسبة التي ينهار فيها هذا الكيان المصطنع , وانا أرى ذلك لأن صراعنا مع هذا العدو الاستيطاني الإحلالي مرير وطويل , ويختلف عن أي صراع دار في العالم العربي , فالاحتلال الانجليزي لمصر لم يكن إحلالياً , وكذلك الاحتلال الفرنسي للجزائر , وكل الاحتلالات في الوطن العربي والاسلامي انتهت واندثر المحتلون , وعادت الجيوش من حيث أتت , لأن الاحتلال كان عبارة عن جيوش وليس احتلالاً استيطانياً يحل شعب محل شعب آخر كما في الحالة الفلسطينية .
لقد اثبتت تجارب الشعوب أن الجيوش لا يمكنها تأبيد الاحتلال مهما اوتيت من قوة وجبروت ولعل مقولة رئيس أعظم امبراطورية في التاريخ الرئيس جو بايدن رئيس امريكا في العام 2021م عندما وقف ليقول " إن أفغانستان هي مقبرة الامبراطوريات " , نعم حاول الروس احتلال افغانستان واندحروا وجربت أمريكا حظها وكانت النتيجة الفشل والاندحار , كما كان الفشل والاندحار نصيب بريطانيا عندما كانت إمبراطورية من قبل .
في فلسطين فشلت الجيوش العربية في حسم الصراع حول فلسطين وفي مركزية الصراع ستظل القدس والمسجد الاقصى , ولذلك لم يكن هناك خيار أمام الفلسطينيين سوى المقاومة لهذا المحتل الاستيطاني الإحلالي , لذلك أنا وبقوة مع المقاومة الشعبية المستمرة وذات الوتيرة المنخفضة , أنا مع المقاومة الشعبية المستمرة التي يكون فقراء شعبنا وابناء المخيمات في كل مكان هم وقودها وأداتها وعنوانها , فهؤلاء الفقراء رغم أنهم وقود الثورة إلا أنهم هم الأكثر تضررا مما حدث ويحدث في فلسطين بدءاً بالنكبة 1948م وليس انتهاءً بالانقسام , وهم الاكثر تضرراً من التنسيق الأمني مع المحتل فأبناؤهم من يستشهدون ويسجنون بسبب هذا التنسيق.
عودة الى سيف القدس وما جرى في القدس يوم مسيرة الاعلام أعتقد أن ما جرى يؤكد ان معركة سيف القدس إنجاز على طريق التحرير , لأن ما جرى ويجري في القدس هو تكريس احتلالي ليس لمدينة القدس فقط بل هو تعبير رمزي عن إعادة قوة الردع لسلطة الاحتلال , بل هو خطوة عملية على الأرض لتغيير الواقع الديموغرافي عن طريق طرد اهالي الشيخ جراح وغيرهم من الفلسطينيين القاطنين في القدس , وتغيير للواقع الحضاري والديني في المسجد الاقصى بالقوة , دون أي اعتبار لشرعية دولية , والتي لا تجيز للمحتل القيام بأي تغيير على ما يحتله من أراض أو اجراء أي تغيير للواقع السكاني أو الديمغرافي , وأن على المحتل احترام مقدسات الآخرين الذين تم الاستيلاء على ارضهم بقوة السلاح , العدو يرفض كل القوانين الدولية , ويضرب بها عرض الحائط , ويعلن القدس "عاصمة موحدة لدولته" والآن يجاهر علناً أنه يريد تقسيم المسجد الاقصى زمانياً ومكانياً فأين الانتصار في معركة سيف القدس ؟.
اؤكد أن المقاومة يجب أن تكون فعل يومي يشمل الفعل العسكري , والفعل الشعبي في المظاهرات والفعل الثقافي والفني المقاوم...الخ , إنها منظومة كاملة متكاملة لا تقف لحظة بل هي ديمومة مستمرة لا علاقة لها بالجهوزية وفارق القوة. قد يكون ما حدث في مسيرة الاعلام وقبلها وبعدها سبب صدمة للوعي الشعبي , وكأن السماح لمسيرة الاعلام الصهيونية بالمرور يعني أن مصير المقاومة على المحك , فإذا تمت مسيرة الاعلام فهذه مصيبة , وكأن اسرائيل ربحت الحرب والمقاومة خسرت .
كلا الامور في المقاومة لا تحسب بهذه الصورة , بل عدم دخول المقاومة في حرب من أجل مسيرة الاعلام هو فعل جيد وسليم ولصالح المقاومة من وجهة نظري , رغم آثاره السلبية على شعبية المقاومة وصدقيتها , ولكن المقاومة كسبت في عدم تحويل كل حدث الى حرب وكأنها حروب بين جيوش .
في اعتقادي أن من كسب في هذه الجولة هو قطاع غزة , كسب الافلات من الدمار والمعاناة في حرب أخرى تأكل الأخضر واليابس , لأن العمل العسكري المقاوم لا علاقة له بالحسابات الرقمية المحددة للقوة العسكرية , ولأن أي حساب للقوة العسكرية سوف يعمل لصالح اسرائيل دائماً , فهي قوة عسكرية تمتلك أكثر من 200رأس نووي ولا مقارنة بينها وبين القوة العسكرية للمقاومة.
موضوع مسيرة الاعلام والمستوطنين واقتحامهم للأقصى لا علاقة له بإشهار سيف القدس , القدس محتلة منذ العام 1967م ويجب أن يكون لسيف القدس علاقة بمراكمة الانجازات وحسابات المقاومة المستمرة , بعيداً عن وهم القوة وإمكانية حسم الصراع واحراز النصر المؤكد في معركة واحدة مع الاحتلال.
هكذا من المهم أن نعيد حساباتنا بعيداً عن التهديدات المتضخمة , وبعيدا عن مفهوم غرفة مشتركة ترفع سيف القدس وفي حالة عدم استخدامه نشعر كأننا هزمنا وأن المعركة قد انتهت. من المهم كذلك التأكيد على أهمية عدم خسارة الحاضنة الشعبية , لأن هذه الخسارة أصعب من الهزيمة العسكرية , فالمقاومة ستواجه نوعاً من اهتزاز الثقة , وما على المقاومة إلا الابتعاد عن التضخيم والتهويل في خطابها وكأنها دولة كبرى تحارب دولة أخرى , بل عليها الاستمرار في الفعل المقاوم بكل اشكاله الى أن تأتي اللحظة الحاسمة التي سينهار فيها هذا الكيان , وهذه الفكرة وهذه اللحظة ليست أمنية كما يظن البعض , بل هي جزء من ديننا وعقيدتنا قال تعالى "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا" وحينها تساء وجوههم , ويدخل المؤمنون الصالحون المسجد كما دخلوه أول مرة , ويدمروا كل هذا العلو , ماديا كان أو معنويا , ليس هناك أكثر من القرآن صدقاً ووضوحاً بأن هذا حادث لا محالة لبني إسرائيل.