"هكذا همُ الشهداء على مرِ التاريخ، يرحلون وتبقى ذِكْرَاهُم، يرحلون جسدًا ويَحْيَوْنَ فكرًا، يجسدونَ نماذج فريدة، فريدة بكلِ شيءٍ بسكناتهم، وحركاتهم، وتضحياتهم، وفدائهم، وبذلهم، وعطائهم"، هذا ملخصُ ما خطته يدا الشهيد القائد الكبير في سرايا القدس بهاء أبو العطا، عن سيرة ومسيرة المؤسس الأول لسرايا القدس الشهيد محمود الخواجا.
وحصلتْ "شمس نيوز" على خطابٍ إعلامي كتبه الشهيد القائد الكبير في سرايا القدس بهاء أبو العطا؛ يستذكر فيها المحطات العطرة للشهيد المؤسس الأول لسرايا القدس الشهيد محمود الخواجا.
نص خطاب القائد بهاء أبو العطا عن القائد محمود الخواجا
هو محمود عرفات الخواجا أحد مؤسسي الجهاز العسكري للجهاد الإسلامي، اعتقل عند الاحتلال الإسرائيلي أربع مراتٍ، ومرتين عند السلطة الفلسطينية في أعقاب عدة عمليات عسكرية بطولية ضد الاحتلال.
الشهيد أبو عرفات هو صاحب شخصية عنيدة، وقوة، وعزيمة لا تلين، ولا تهدأ، مقدام، وشجاع، تميز بالبساطة والتواضع وحبه الشديد لأبناء شعبه بشكلٍ عام، كانت الابتسامة الجميلة مرسومة على وجهه دائماً، كان عسكرياً بامتياز، وخطط لأخطر العمليات العسكرية للمقاومة الفلسطينية.
كان يتعامل مع المجاهدين في ظل وجود الاحتلال بكل سرية وحسٍ امنيٍ عالٍ، وكان يتعامل مع الجهاز العسكري كمجموعات قليلة العدد، لا تعرف بعضها البعض، تتلقى المعلومات والتعليمات بكل سرية.
كان يركز على السرية بالعمل، وعلى الالتزام بتنفيذ المطلوب من المجاهدين، وكان -رحمه الله- يركز على أنْ يكون العمل العسكري ضد جنود الاحتلال أكثر من المستوطنين.
كان الشهيد أبو عرفات رجلا أمنياً بامتياز، ومن حرصه الأمني أنه كان يوهم العديد من أبناء الحركة أنه على خلاف مع قيادتها، وأنه ليس له أي علاقةٍ بالعمل التنظيمي، وتفاجأ الكثيرون من الناس ومن أبناء الحركة، بأنه من مؤسسي الجهاز العسكري.
وشكل الشهيد أبو عرفات أول الخلايا بسريةٍ تامةٍ، ولم يستطع أعضاء الخلية حتى التعرف على بعضهم؛ إلا ضمن أسماء حركية معينة، والاعتماد على النقاط الميتة، ومن مناطق مختلفة.
الأثر الذي تركه الشهيد محمود على المقاومة الفلسطينية المزيد من الطاقة للمواصلة على ذات الدرب، والمزيد من الحب للشهداء، والتعلم من تضحياتهم، وأننا نحن الأقوى على الدوام من سيف الجلاد، وأنه يجب علينا مواصلة الجهاد والمقاومة حتى تحرير كامل تراب فلسطين.
مع بدايةِ الفكر الإسلامي الثوري في قطاع غزة على يد المفكر الإسلامي الدكتور فتحي الشقاقي، كان الشهيد أبو عرفات من أوائل الذين أحبوا وآمنوا بتلك الأفكار، وبذلك الطرح الجهادي، فكان مجاهداً فاعلاً في الحركة، وترأس -رحمه الله- العديد من الأنشطة، واعتقل أكثر من مرة؛ لإصراره على الجهاد والمقاومة في سبيل الله.
ومن أبزر العمليات العسكرية التي أشرف عليها:
- عملية بيت ليت الاستشهادية المزدوجة، والتي تعد أشهر العمليات في تاريخ المقاومة الفلسطينية.
- عملية "كفار داروم" الاستشهادية التي نفذها المجاهد خالد الخطيب.
- عملية "نتساريم" التي نفذها الشهيد المجاهد هشام حمد على دراجة هوائية.
- عملية الشهيد علي العماوي في اسدود.
- والكثير من العمليات الاستشهادية النوعية.
كما ذكرنا سابقاً تعرض الشهيد الخواجا للعديد من الاعتقالات والملاحقات من قبل العدو الإسرائيلي، ولكن إرادة الله قضتْ أن يصل العملاء بأمر من قيادة الاحتلال بعد العمليات الشهيرة التي نفذها وخطط لها، واغتال العملاء الشهيد أبا عرفات في صباح من 22 – 6 – 1995 عن طريق أحد العملاء الذي رصد الشهيد بشكلٍ جيدٍ، مع الإشارة إلى أنَّ من نَفَّذَ الاغتيال ثلاثة عملاء بسلاحٍ كاتم للصوتِ، وارتقى أبو عرفات إلى ربه شهيداً وشاهداً على الأمة رحمه الله.
الرسالة التي أوجهها للمقاومة في ذكرى استشهاد أبو عرفات، أنْ يسيروا على نهجه في العمل العسكري، وفي أخلاقه، وتعامله مع الناس.
والتقى الأحبة
بدوره، أعرب شقيق الشهيد محمود الخواجا "أبو ابراهيم" عن فرحته الغامرة بتلك الكلمات التي خطَّها الشهيد القائد بهاء أبو العطا بيديه عن شقيقه الشهيد القائد الكبير محمود الخواجا.
واستذكر "أبو إبراهيم" علاقة الشهيد بهاء أبو العطا بشقيقه، قائلًا: "الشهيد أبو سليم كان يهوى ويعشق أبو عرفات، وكان الشهيد بهاء أبو العطا دائماً ينسب ما وصلتْ إليه سرايا القدس والمقاومة الفلسطينية للشهيد القائد محمود الخواجا، وكان دائماً يدعو للتمسك بنهجه وطريقه وفكره".
وذكر أبو إبراهيم الخواجا أنَّ الشهيد أبا سليم كانَ يتمنى لو كان مقرباً من أبي عرفات؛ وذلك بسبب فارق العمر بين القائدين، مشيراً إلى أنَّ هناك صفات مشتركة بين القائدين تتمثل في "الرؤية، والحزم، واتخاذ القرار المناسب في المكان المناسب".
وأشار الخواجا في حديث مع "شمس نيوز" إلى أن الشهيد بهاء أبو العطا ومن فرط حبه بأبي عرفات كانت صوره حاضرة في حفل زفافه، وكان أبو سليم نفسه من يحمل هذه الصور، ويوزعها على أقاربه؛ لرفعها عاليًا، مضيفًا: "بقيت صور أبي عرفات ملازمة له حتى استشهاده".
وأضاف الخواجا "كان أبو سليم يحرص على حضور ذكرى استشهاد القائد محمود الخواجا، ويشارك في كل الفعاليات التي تقام إحياءً لهذه الذكرى، رغم انشغالاته والمهام الكبيرة الموكلة له".
وأشار إلى أنَّ الحب الشديد والاحترام الكبير الذي يُكنه أبو سليم للشهيد أبي عرفات كان بسبب إخلاص الرجلين مع الله عز وجل، على قاعدة من أحبه الله أحبه الناس"، لافتاً إلى أنَّ من كرامات شقيقه تخليد ذكراه، إذ أنَّ الناس لازالت تردد مقولاته، وتحيي ذكرى استشهاده، وتتحدث عن عظمته رغم مرور 26 عامًا على استشهاده، معقباً: "هذا سر إلهي بين الله عز وجل وأبي عرفات، لاسيما أنَّ الأخير كان دائم التوكل على الله في كل حركاته وسكناته".
وذكر أنَّ هذه المكانة والرفعة ما كان ليحظى بها أبو عرفات لولا تواضعه، وحبه للناس، قائلاً "لو كان مغرورًا لاغتر بنفسه وعرفه الناس (..) استشهد والكثير من أبناء الجهاد الإسلامي، والمحيطون والمقربون منه لا يعرفون عن عمله الأمني والجهادي أي شيء، ولم يكونوا يعلمون عنه أي شيء إلا عند إعلان الشهيد المفكر الشقاقي أن أبا عرفات هو القائد العسكري لسرايا القدس".
وأشار إلى أنَّ الشهيد المفكر فتحي الشقاقي كان دائماً يشيد ببطولات محمود الخواجا، وكان يصفه بـ"البلدوزر"، ويقول له "عندما أمشي معك، أمشي مع البلدوزر، ولا أهاب أحداً"؛ نظرًا للشخصية التي يتمتع بها الشهيد محمود رغم صغر سنه في ذلك الوقت.
وأشار إلى أنّ المطلوب من رفاق الشهيد القائد بهاء أبو العطا وتلاميذ أبي عرفات الخواجا، الاستمرار على ذات النهج، ومشاغلة العدو الإسرائيلي، وأن يتمسّكوا بطريق ذات الشوكة.