قال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني: إن "الوكالة الأممية تحتاج بشكل عاجل إلى 48 مليون دولار أمريكي للاستمرار في تقديم المساعدات الغذائية والنقدية الطارئة للاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان والأردن".
جاء ذلك، في مستهل كلمته اليوم الخميس، خلال مؤتمر إعلان التبرعات للوكالة الأممية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
وأضاف لازاريني: "الأونروا عانت كثيرا من نقص التمويل المزمن، حيث سعت لمعالجة الأمر من خلال تدابير داخلية مثل ضبط التكاليف والتقشف واعتماد نمو صفري للميزانيات".
وتابع: "التحديات المالية التي تواجه الأونروا لا تحدث من فراغ، فقد أدى تغيّر الأولويات الجيوسياسية والديناميات الإقليمية، ونشوء أزمات إنسانية جديدة، إلى تراجع أولوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني".
وأردف لازرايني: "الخوف من تخلي المجتمع الدولي عن اللاجئين الفلسطينيين يتغلغل جميع محادثاتي معهم، والأونروا تظل بالنسبة لهم آخر ركيزة قائمة لالتزام المجتمع الدولي بحقهم في حياة كريمة وحقهم في حل عادل ودائم".
وأكمل: "فالأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، تتدهور في حين يعاني اللاجئون الفلسطينيون من مستويات عالية من نزع الملكية والعنف وانعدام الأمن".
وذكر لازاريني أن "غزة ما تزال تسعى جاهدة للتعافي من أثر نزاع العام الماضي، وبرغم ما أحرزناه من تقدم في إعادة تأهيل وإعادة بناء المساكن المتضررة، فثمة مسألة أخرى سيستغرق إعادة بنائها وقتاً أطول بكثير، وهي الرفاه النفسي الاجتماعي للفلسطينيين في غزة، ولا سيّما الأطفال منهم".
وفيما يلي نص كلمة لازاريني في المؤتمر:
إنه لمن دواعي سروري أن أتواجد معكم اليوم في مؤتمر التعهدات للأونروا هذا وأود الإعراب عن تقديري لرئيس الجمعية العامة لعقده هذا المؤتمر.
كما أشعر بالامتنان للأمين العام لحضوره هذا الاجتماع.
إن كلا من حضوركم وما أعربتم عنه من دعم قوي اليوم ليعكس تضامنكم مع لاجئي فلسطين والتزامكم الراسخ بولاية الأونروا.
فضلا على ذلك، أتقدّم بالشكر إلى جميع ممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
فمن تعليم أكثر من مليوني فتاة وفتى من لاجئي فلسطين، إلى التطعيم الشامل للرضع وخفض وفيات الأمهات الذي فاق المعايير العالمية، لدينا كلّنا الكثير من مصادر الزهو والفخر حقاً.
وإبان النزاعات المسلحة، مكّن دعمكم الأونروا من توفير المأوى والحماية – وساعد في إعادة بناء الأحياء والتجمعات السكانية المدمّرة.
لقد أصبحنا شريان الحياة لواحد من أكثر المجتمعات عوزاً في المنطقة، ألا وهو مجتمع لاجئي فلسطين، واليوم تتعرض هذه الإنجازات الجماعية للخطر.
فطوال العقد الماضي، إطّردت التحديات بوجه الوكالة للإيفاء بالولاية التي أسندتها إليها هذه الجمعية العامة ذاتها، لماذا؟ لأن الأموال التي أتيحت للأونروا على مدى السنوات العشر الماضية أصابها الركود.
ومن ثم فإن انقطاع التمويل وانخفاضه من المانحين الرئيسيين، بمن فيهم المانحين من المنطقة، وانعدام قدرة الأونروا على التنبؤ بالدخل أرغمنا على العمل على مدى عقد من الزمن بمتوسط عجز يبلغ حوالي 100 مليون دولار أمريكي.
وفي الوقت نفسه، ازدادت احتياجات لاجئي فلسطين وارتفعت تكلفة تقديم الخدمات ذات الجودة.
السيد الرئيس، لا مجال لمقارنة الأونروا بأية وكالة إنسانية أخرى للأمم المتحدة.
لقد فوضتم الأونروا بتقديم خدمات شبيهة بالخدمات الحكومية. ولكننا لا نملك الأدوات الضريبية والمالية للحكومات، بل نعتمد اعتماداً شبه كامل على المساهمات الطوعية، بالأساس من الدول الأعضاء.
لقد أدرنا، لسنوات، نقص التمويل المزمن من خلال تدابير داخلية مثل ضبط التكاليف والتقشف واعتماد نمو صفري للميزانيات.
واليوم، استنفدنا احتياطاتنا المالية ووصلنا إلى أقصى حدود ضبط التكاليف وتدابير التقشف.
ولإيضاح التقشف، فكروا في 50 طفلاً في صف مدرسي واحد في مدارس تعمل على دوامين كل يوم، أو زيارة طبية يقضي الطبيب فيها أقل من ثلاث دقائق مع المريض.
لقد أُرهق كاهل موظفينا البالغ عددهم 28.000، ومعظمهم لاجئون فلسطينيون من معلمين أو ممرضين أو أطباء أو مهندسين أو عمال نظافة، فيما نواصل نحن مطالبتهم بالمستحيل: بتحقيق المزيد كلّ عام بقدر أقل من الموارد وبعدد أقل من الموظفين.
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة، إن التحديات المالية التي تواجه الأونروا لا تحدث من فراغ.
فقد أدى تغيّر الأولويات الجيوسياسية والديناميات الإقليمية، ونشوء أزمات إنسانية جديدة، إلى تراجع أولوية النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.
وبالنسبة للاجئي فلسطين، فإن إضعاف الوكالة يحدث في غياب حلّ سياسي للنزاع يكونون هم جزءا منه. وهذا هو جوهر المسألة بالنسبة للأونروا.
فالخوف من تخلي المجتمع الدولي عن اللاجئين الفلسطينيين يتغلغل جميع محادثاتي معهم.
والأونروا تظل بالنسبة لهم آخر ركيزة قائمة لالتزام المجتمع الدولي بحقهم في حياة كريمة وحقهم في حل عادل ودائم.
فالأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، تتدهور في حين يعاني اللاجئون الفلسطينيون من مستويات عالية من نزع الملكية والعنف وانعدام الأمن.
وما تزال غزة تسعى جاهدة للتعافي من أثر نزاع العام الماضي. وبرغم ما أحرزناه من تقدم في إعادة تأهيل وإعادة بناء المساكن المتضررة، فثمة مسألة أخرى سيستغرق إعادة بنائها وقتاً أطول بكثير، وهي الرفاه النفسي-الاجتماعي للفلسطينيين في غزة، ولا سيّما الأطفال منهم.
فأيّ طفل ذو 12 ربيعاً في مدرسة من مدارس الأونروا عاش أربع نزاعات مسلحة وقضى حياته كلها تحت وطأة حصار اقتصادي واجتماعي.
فيما دخل الصراع في سوريا الآن عامه الثاني عشر، وبلغت الاحتياجات الإنسانية مستوياتها الأعلى منذ بداية الحرب.
وخلال زياراتي الأخيرة، رأيت عدداً متزايداً من لاجئي فلسطين يعودون للعيش وسط ركام مساكنهم في مخيمات اللاجئين مثل اليرموك أو عين التل، لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف الإيجار في مكان آخر.
لا بدّ من أن نتمكن من إعادة تأهيل مدارس الأونروا وعياداتها لتقديم الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية للعائدين.
أما في لبنان، فإن انهيار البلاد اجتماعيا واقتصاديا والارتفاع الحاد في أسعار الوقود والمواد الغذائية وغيرها من السلع الأساسية دفع بمعظم اللاجئين الفلسطينيين الشباب إلى التفكير في خيار واحد فقط: ألا وهو مغادرة المنطقة بأي ّثمن، حتى لو كان على حساب حيواتهم.
وفي الأردن، حيث يعيش اللاجئون الفلسطينيون في بيئة أكثر تساهلاً، تتزايد احتياجاتهم، خاصة في ظل آثار جائحة كوفيد-19 على الوضع الاقتصادي في البلاد.
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة، أدى الوضع في أوكرانيا إلى تفاقم الارتفاع الملحوظ في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، الأمر الذي يؤثر تأثيراً خطيراً على الاقتصاد الأسري المعيشي للاجئين الفلسطينيين.
وفي مناطق عملياتنا الخمس، ارتفعت معدلات الفقر بين اللاجئين الفلسطينيين لتصل إلى 80 في المئة أو أكثر في لبنان وسوريا وغزة. ويفيد عدد كبير جداً من لاجئي فلسطين بأنهم يقتاتون بوجبة واحدة في اليوم.
ففي غزة، ارتفعت تكلفة سلتنا الغذائية بأكثر من 40 في المئة بالمقارنة مع متوسط تكلفتها في العام الماضي. وهذا يتركنا أمام فجوة تمويلية هذا العام تبلغ 72 مليون دولار أمريكي للحفاظ على إمدادات الغذاء إلى ما بعد الربع الثالث من العام لأكثر من مليون لاجئ فلسطيني.
كما تحتاج الأونروا بشكل عاجل إلى 48 مليون دولار أمريكي للاستمرار في تقديم المساعدات الغذائية والنقدية الطارئة للاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان والأردن.
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة، إن ولاية الأونروا هي مسؤولية جماعية لأعضاء الجمعية العامة.
والمحققون أو المقيّمون الخارجيون من ذوي المصداقية، مثل البنك الدولي أو شبكة تقييم أداء المنظمات المتعددة الأطراف (MOPAN)، يؤكدون على أن برامجنا التعليمية والصحية لا تشكل قيمة كبيرة مقابل المال فحسب، بل ولها أيضاً كبير الأثر الإيجابي على حياة اللاجئين.
وينبغي أن يكون أثر الخدمات التي يمكن التنبؤ بها على سلامة اللاجئين وعلى استقرار المنطقة كافياً لإقناع كلّ دولة عضو بالالتزام بتمويل الأونروا تمشياً مع القرارات التي اعتمدتها هي.
ولكن بدلاً من ذلك، تستمر الوكالة في انضوائها تحت ثلاثة أنواع من الضغط الحادة:
أولاً: التزام الجمعية العامة، بدعم شبه شامل، بإعلاء حقوق لاجئي فلسطين وتوجيهاتها للأونروا لتقديم الخدمات الأساسية إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم.
ثانياً، الافتقار إلى التمويل الكافي من الدول الأعضاء لتنفيذ هذه الولاية، ومطالبة بعض المانحين للأونروا بتعديل عملياتها حتى تعيش في حدود إمكانياتها.
وأخيراً، اعتراض البلدان المضيفة ومجتمعات لاجئي فلسطين على تخفيض الخدمات أو تسليمها إلى طرف ثالث، وهو ما ينظر إليه على أنه يمثل تعدياً على حقوق اللاجئين وخطوة نحو تفكيك الوكالة.
إذن، كيف يمكن التوفيق بين هذه التوقعات؟ لعل أقصر الطرق وأكثرها عملية وجدوى من حيث التكلفة هي تقديم المانحين أموالاً تضاهي التكاليف السنوية لتشغيل خدمات الأونروا.
ولم تدخر الوكالة وسعاً في توسيع قاعدة المانحين، والسعي إلى إعادة مَنْ فك الارتباط منهم، وتنويع مصادر التمويل، بما فيها من القطاع الخاص.
لقد طلبت من المانحين الذين خفضوا التمويل أن يعيدوا النظر في أثر قرارهم على استقرار المنطقة.
وقد ناشدت جميع المانحين أن يكفلوا ألا يصبح اللاجئون الفلسطينيون رهينة للأحداث في أوكرانيا.
وتماشياً مع ولايتنا، نستكشف أيضاً إمكانية عقد شراكات مع وكالات الأمم المتحدة الشقيقة.
ونحن بصدد سنّ سلسلة من الإصلاحات الإدارية الداخلية لتحديث الطريقة التي نقدم بها الخدمات ولتعزيز الشفافية والمساءلة والكفاءة في كلّ ما نضطلع به.
فقدرتنا على مواصلة الإيفاء بولايتنا تكمن لدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وإرادتهم السياسية لتمويل ميزانيتنا الأساسية بالكامل.
السيد الرئيس، لدينا الفرصة اليوم وفي الأشهر المقبلة لعكس التوجّه وتجنب انهيار الوكالة.
ففي كانون الثاني/يناير، قدمت ميزانية برامج لعام 2022 يكون النمو فيها صفرا، وذلك للسنة الثالثة على التوالي.
تغطي هذه الميزانية تعليم أكثر من نصف مليون فتاة وفتى، وتقديم الرعاية الصحية الأولية لما يقرب من مليوني شخص، وتوفير شبكة أمان اجتماعي لما يقرب من 400,000 لاجئ فلسطيني من الأكثر فقراً.
وفي سبيل تقديم هذه الخدمات، نحن بحاجة إلى 817 مليون دولار أمريكي، 817 مليون دولار أمريكي بالتمام والكمال.
لم نعد في وضع يسمح لنا باعتماد تدابير تقشفية والتحكم في التكاليف بقدر يضاهي حجم الفجوة التمويلية.
وفي الختام، في عام 2017، دعا الأمين العام الدول الأعضاء إلى التماس حلول تجعل الأونروا مستدامة مالياً.
وبعد خمس سنوات، أجلس أمامكم، مكرراً ما قاله أسلافي، ولكن بمزيد من الإلحاح لأننا استنفدنا القدرة الداخلية على التصدّي، لوحدنا، إلى النقص المزمن في التمويل.
وهذه هي الطريقة التي ينبغي أن تدار بها وكالة بحجم الأونروا ونطاقها إذا ما أرادت أن تواصل تقديم خدمات شبيهة بالخدمات الحكومية والمساهمة في الاستقرار الإقليمي.
إن ولاية الجمعية العامة واضحة للعيان تماماً: ينبغي أن يتلقى اللاجئون الفلسطينيون الخدمات حتى التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم.
وانقطاع الخدمات لن يكون فشلاً للأونروا فقط. بل سيكون فشلاً جماعياً وفشلاً لنهج تعددية الأطراف.
وفي وقت تكثر فيه الأزمات العالمية، من أوكرانيا إلى أفغانستان وإلى القرن الأفريقي، أحثّ على العمل معاً لتجنب أزمة جديدة تتكشف في جزء من العالم شهد بالفعل ما يكفي من ألم وبؤس.
وما زلنا، زملائي وأنا، ملتزمين بالعمل بلا كلل ولا ملل لحماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين وسبل حصولهم على الخدمات – متطلعين إلى إشراككم أنتم وأعضاء لجنتنا الاستشارية في هذا الشأن.
وأتطلع بصفة خاصة إلى الإعلان عن التعهدات في هذا المؤتمر وأناشدكم لتقديم دعمكم المالي القوي في الأشهر المقبلة.
مع خالص الشكر.