قائمة الموقع

فضل العشر الأوائل من ذي الحجة

2022-06-30T12:49:00+03:00
فضل العشر الأوائل من ذي الحجة.jpg
بقلم الشيخ د. سميح بن كامل حجاج

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين  أما بعد:

فيا أيها الإخوة المؤمنون، تعلمون رحمني الله وإياكم بأننا نعيش في هذه الأيام، أياماً فاضلة، أياماً من أفضل الأيام، تضاعف فيها الحسنات وتفتح فيها أبواب الرحمات، يتفضل الله بها على عباده بمضاعفة الأعمال الصالحة، ويعطيهم على القليل الكثير، يغفر فيها للمستغفرين، ويتوب فيها على عباده المؤمنين، ويجيب السائلين.

هذه الأزمنة تكرر من عام إلى عام، ومن وقت إلى آخر، منها شهر رمضان، ومنها هذه الأيام العشر، ألا وهي العشر الأيام الأولى من شهر ذي الحجة، فإنها أيام فاضلة، عظّم الله شأنها ورفع مكانتها وأقسم بها في كتابه، فقال جل وعلا: "وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ" [الفجر:1-3]. فالليالي العشر هي ليالي عشر ذي الحجة، والشفع هو يوم النحر، والوتر هو يوم عرفة.

وقد أخبر النبي أن العمل الصالح في هذه الأيام أفضل من الجهاد في سبيل الله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ " أخرجه البخاري .

فحري بالمؤمن أن يغتنم هذا الفضل العظيم بالإكثار من الأعمال الصالحة بأنواعها ، وفيما يقربه إلى ربه ويرفع درجته في الجنة، قال تعالى: "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" [آل عمران:133].

 ومما ورد من أنواع العبادة مختصاً بهذه الأيام:

التكبير:  في هذه الأيام يشرع التكبير، فهو من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مثل هذه الأيام، ويسن الجهر به، أما المرأة فلا تجهر وهو نوعان:

الأول : التكبير المطلق ( أي غير مقيد بأدبار الصلوات الخمس ) فله أن يكبر في أي وقت وفي أي مكان، في أيام العشر وأيام التشريق، فالتكبير عبادة من أعظم العبادات، أمر الله به، وحث عليه، فقال عز وجل: "وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ الذُّلّ وَكَبّرْهُ تَكْبِيرًا" [الإسراء:111]، ويقول سبحانه: "وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [البقرة:185].

فالتكبير عبادة، يروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: (قول العبد: الله أكبر، خير من الدنيا وما فيها).

يقول البخاري رحمه الله: "كان عمر بن الخطاب يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيراً".

وقال أيضاً: "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما".

وعن نافع : " أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى ، ثم يكبر حتى يأتي الإمام ، فيكبر بتكبيره " أخرجه الدار قطني بسند صحيح .

وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما: " كان يكبر بمنى تلك الأيام خلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه، وفي ممشائه تلك الأيام جميعاً" أخرجه ابن المنذر في الأوسط بسند جيد، والبخاري تعليقاً بصيغة الجزم.

ومن الأعمال المشروعة في هذه الأيام المباركة الإكثار من ذكر الله بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وقراءة القرآن والاستغفار، عن ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ)) أخرجه أحمد (2/75،131) وأبو عوانة وصححه أحمد شاكر وهو حسن بمجموع طرقه وشواهده .

النوع الثاني: التكبير المقيد ( أي المقيد بأدبار الصلوات الخمس ) ويبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق ، وهو الثالث عشر من ذي الحجة.

فعن شقيق بن سلمة رحمه الله قال : " كان علي رضي الله عنه يكبر بعد صلاة الفجر غداة عرفة ثم لا يقطع حتى يصلي الإمام من آخر أيام التشريق ثم يكبر بعد العصر " أخرجه ابن المنذر والبيهقي و صححه النووي وابن حجر وثبت مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال ابن حجر : " و أصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود : إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى . أخرجه ابن المنذر وغيره والله أعلم " ( الفتح 2/536) .

أما صفة التكبير: فقد قد ثبت عن الصحابة أكثر من صيغة منها أثر ابن مسعود رضي الله عنه : " أنه كان يكبر أيام التشريق : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، و الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد " أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح .

( قال الشَّافِعِيُّ ) وما زَادَ من ذِكْرِ اللَّهِ فَحَسَنٌ وَاسْتَحْسَنَ في الْأُمِّ أن يزيد بعد التكبيرة الثالثة اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدُهُ وَنَصَرَ عَبْدُهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ رَافِعًا بِهِ صَوْتَهُ وَيَزِيدُ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. انظر: الأم - (1 / 241)، أسنى المطالب في شرح روض الطالب - (1 / 284)، إعانة الطالبين - (1 / 262).

فأحيوا سنة التكبير يا عباد الله، قولوا: الله أكبر، قولوها بألسنتكم، واستشعروا معناها في قلوبكم، فإن الله أكبر من كل شيء.

عبد الله! يا مسلم! إن قولك: الله أكبر، ليست بشيء بجانب عظمة العظيم سبحانه، فقلها واصدع بها، ولا تأخذك في الله لومة لائم.

ومن الأعمال المشروعة في هذه الأيام المباركة الحج والعمرة : فاعلموا عباد الله أن أعظم الأعمال وأجلها وأزكاها عند الله في هذه الأيام المباركة هو حج بيت الله الحرام، الحج إلى تلك البقاع الطاهرة، إلى خير البلاد وأعظمها حرمة عند الله، وقد جعل الله في الحج أعظم الأجر والثواب، قال : ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) متفق عليه، أي: ليس عليه ذنب ولا خطيئة. وقال : ((والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) متفق عليه.

قال ابن حجر رحمه الله: "والحج المبرور هو الذي وفيت أحكامه ووقع على أكمل الوجوه، الخالي من الآثام والمحفوف بالصالحات والخيرات من الأعمال"، وقال النووي رحمه الله: "الحج المبرور هو الذي لم يخالطه إثم".

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد)) أخرجه النسائي وهو في صحيح الجامع (2900)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:" العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

وقد فرض الله الحج على المستطيع مرة في العمر، وجعله ركنًا من أركان دينه، قال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ [البقرة:97].

وقد حذرنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تأخير الحج مع الاستطاعة أشد تحذير، فقال: ((تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له))، وقال علي بن أبي طالب : (من قدر على الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا) أخرجه سعيد بن منصور في سننه.

أبعد هذا يبقى مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر تاركًا للحج وقد استطاع؟! كيف يلقى الله وقد ترك ركنًا من أركان دينه؟! ومن يضمن له البقاء إلى السنة القادمة حتى يؤدي فريضة الحج؟! فإن الأعمار بيد الله، فربما مات قبل أن يحج أو عرض له أمر من مرض أو فقر أو تغير في الأحوال في السنة القادمة فلم يستطع الحج.

 

اخبار ذات صلة