وأما عن حكم الضحية: فهي (سنة) مؤكدة في حق كل قادر عند الجمهور, وأوجبها بعض أهل العلم وقد حض عليها النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى الترمذي وابن ماجه عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم, وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها, وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض, فطيبوا بها نفسا. قال الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح: صحيح.
ويدل على عدم الوجوب أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ ترك التضحية, وكذلك عمر وابن عباس وعدد من الصحابة, خشية أن يرى الناس أن التضحية واجبة،كما قال الطحاوي في مختصر العلماء: وروى الشعبي عن أبي سريحة قال رأيت أبا بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ وما يضحيان كراهة أن يقتدى بهما.
وقال عكرمة: كان ابن عباس يبعثني يوم الأضحى بدرهمين أشتري له لحما ويقول من لقيت فقل هذه أضحية ابن عباس.
وقال ابن عمر: ليست بحتم ـ ولكن سنة ومعروف.
قال أبو مسعود الأنصاري: إني لأدع الأضحى وأنا موسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي. اهـ.
وفي سنن الترمذي عن جبلة بن سحيم: أن رجلا سأل ابن عمر عن الأضحية أواجبة هي؟ فقال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فأعادها عليه، فقال أتعقل؟ ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ـ قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة ولكنها سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يعمل بها، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك. اهـ.
وفي المجموع للنووي: مذهبنا أنها سنة مؤكدة في حق الموسر ولا تجب عليه، وبهذا قال أكثر العلماء، وممن قال به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود وابن المنذر.
وقال ربيعة والليث بن سعد وأبو حنيفة والأوزاعي: واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى.
وقال محمد بن الحسن: هي واجبة على المقيم بالأمصار والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصابا.اهـ .
وفي فتح الباري لابن حجر في شرحه لباب سنة الأضحية، قال ـ رحمه الله: وكأنه ترجم بالسنة إشارة إلى مخالفة من قال بوجوبها، قال ابن حزم: لا يصح عن أحد من الصحابة أنها غير واجبة عن الجمهور ولا خلاف في كونها من شرائع الدين، وهي عند الشافعية والجمهور سنة مؤكدة على الكفاية وفي وجه للشافعية من فروض الكفاية، وعن أبي حنيفة تجب على المقيم الموسر، وعن مالك مثله في رواية، لكن لم يقيد بالمقيم ونقل عن الأوزاعي وربيعة والليث مثله، وخالف أبو يوسف من الحنفية وأشهب من المالكية، فوافقا الجمهور، وقال أحمد يكره تركها مع القدرة، وعنه واجبة، وعن محمد بن الحسن هي سنة غير مرخص في تركها، قال الطحاوي وبه نأخذ وليس في الآثار ما يدل على وجوبها وأقرب ما يتمسك به للوجوب حديث أبي هريرة رفعه: من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ـ أخرجه بن ماجة وأحمد ورجاله ثقات ـ لكن اختلف في رفعه ووفقه والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره، ومع ذلك فليس صريحا في الإيجاب قوله: قال ابن عمر هي سنة ومعروف ـ وصله حماد بن سلمة في مصنفه بسند جيد إلى ابن عمر، وللترمذي محسنا من طريق جبلة بن سحيم أن رجلا سأل ابن عمر عن الأضحية أهي واجبة؟ فقال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده ـ قال الترمذي العمل على هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة.اهـ.
ويجزئ عن الزوجة وغيرها من أهل البيت ضحية الزوج ولو كانت تعمل، لأنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كان الواحد منهم يضحي بالشاة الواحدة عنه, وعن أهل بيته وقال المواق في التاج والإكليل: قال مالك: وإن اشترى رجل أضحية بمال نفسه وذبحها عن نفسه وعن أهل بيته فجائز، قال ابن يونس: لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ولأن ذلك ليس بشركة في ملك اللحم، وإنما هي شركة في الثواب والبركة. اهـ.
وفي المنتقى للباجي ـ وهو مالكي: يجوز للإنسان أن يضحي عن نفسه وعن أهل بيته بالشاة الواحدة يعني بأهل بيته ـ أهل نفقته قليلا كانوا، أو كثيرا ـ والأصل في ذلك حديث أبي أيوب: كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته زاد ابن المواز عن مالك وولديه الفقيرين، قال ابن حبيب: وله أن يدخل في أضحيته من بلغ من ولده وإن كان غنيا إذا كان في نفقته وبيته وكذلك من ضم إلى نفقته من أخ، أو ابن أخ قريب. انتهى.
ولا حرج على كل في نشر هذا الحديث فقد دونه المحدثون الأخيار في كتبهم وهو يرغب في شعيرة الأضحية فلا حرج في نشره ولو رجح المحققون عدم وجوب الأضحية.
والله أعلم .