يقف الشاب ياسر شراب خلف طاولة مستطيلة، وأمامه حجارة صخرية تحيط بها مجموعة من الأدوات الحادة: السكين، والساطور، والبلطة، وإلى جانبه الأيسر "جلخين كهربائيين"، لكل واحد منهما عمل خاص، هذه ليست ورشة حدادة؛ إنما بسطة صغيرة "لسن السكاكين" نصبها صاحبها مع حلول العيد.
وتعد مهنة "سن السكاكين" مهنة قديمة جداً، تصارع الاختفاء؛ ومع اقتراب عيد الأضحى المبارك تستعيد المهنة بريقها من جديد؛ لتشهد إقبالا متفاوتًا، سواء من الجزارين، أو أصحاب مزارع العجول، أو المواطنين الراغبين بذبح الأضحية خلال أيام النحر.
الشاب شراب (32 عامًا) يحاول -كغيره من عشرات الشبان- استغل اقتراب عيد الأضحى؛ لتوفير فرصة عمل تساعده بجزء بسيط من "مصروف البيت"، في ظل عدم توفر فرص العمل، وزيادة الأوضاع الاقتصادية سوءًا.
بدأ شراب يحترف مهنة "سن السكاكين" قبل نحو عشرة أعوام، إذ أنه يعمل في مذبح للدجاج منذ صغره؛ ما ساعده باستعمال السكين بطريقة احترافية، يقول شراب: "ليس من السهل استخدام الأدوات الحادة، وإتقان مهنة سن السكاكين؛ فهي تشكل خطرًا على مستخدمها، ويتوجب عليه الحذر الشديد".
فما أن تدور عقارب الساعة عند الرابعة مساءً، حتى يهم الشاب شراب بفتح بسطته الصغيرة في السوق الشعبي بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة؛ ليستقبل الراغبين بشحذ السكاكين الخاصة لذبح الأضحية، يقول شراب لـ "شمس نيوز": "قبل عيد الأضحى بأربعة أو خمسة أيام، أقوم بفتح البسطة الساعة الرابعة عصرًا؛ لقلة الإقبال، أما في يوم عرفة تحديدًا أفتح البسطة من الساعة السابعة صباحًا وحتى الثانية فجرًا؛ لكثرة الطلب على شحذ السكين ككل عام".
وتمر عملية شحذ السكين بمراحل متعددة؛ لتصبح حادة بشكل جيد، في أول مرحلة توضع السكين على "آلة الجلخ الكهربائي " والتي تساعد على إزالة التآكل من السكين، بينما المرحلة الثانية فهي التنعيم، ويستخدم فيها حجر الزيت يدويًا لتنعيم شفرة السكين، والمرحلة الثالثة والأخيرة يستخدم "المستحد" والذي بعمل على استخراج الشوائب بعد حجر الزيت.
يبهرك بريق السكاكين والأسلحة البيضاء التي يضعها شراب على بسطته الصغيرة؛ ما يدل على إتقانه واحترافه المهنة بشكل جيد، إذ يُشير إلى أنه لا يهتم للأموال بقدر ما يهتم بإتقان عمله؛ لسببين: الأول كما يقول "من شروط ذبح الأضحية أن تكون السكين حادة بشكل جيد، فإذا قمت بسنها جيدًا، فقد أحييت سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي إراحة الذبيحة"، الأمر الثاني "إتقان العمل؛ سعيًا لزرع المحبة في قلوب الناس".
وتتراوح أسعار "سن السكاكين" لدى شراب ما بين 2 إلى 3 شواكل فقط؛ لكنه يلفت الانتباه إلى أن بعض الناس تطلب سن السكين دون مقابل، وهو يقبل بذلك؛ لمساعدة الناس وتقديم خدمة لهم.
وفي مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يمارس السنان "أبو حرب" المهنة منذ سنوات عدة، يقول: "الإقبال على شحذ السكين جيد هذا العام، وقد يبشر بموسم غير متوقع لإقبال الناس على ذبح الأضحية".
وأضاف: "إذا كان هناك حركة شرائية كبيرة على الأضاحي، فهناك حركة كبيرة على سن السكاكين".
ولم يبقَ على موعد عيد الأضحى المبارك سوى أربعة أيام؛ حيث يصادف أول أيام النحر يوم السبت القادم (9-7-2022).