قائمة الموقع

المعركة واحدة والعدو واحد

2022-07-07T10:00:00+03:00
كتيبة جنين

بقلم: راغدة عسيران

منذ ولادة كتيبة جنين المباركة وتصديها لاقتحاماته، يحاول جيش الاحتلال محاصرة منطقة جنين ومنع شباب الضفة الغربية المحتلة من اتخاذها نموذجا لاندلاع انتفاضة شاملة في الضفة الغربية. رغم محاولاته الاجرامية التي تتجسد يوميا بالاقتحامات وقتل واعتقال أبناء المنطقة، استطاعت كتائب "سرايا القدس" الانتشار في بعض مدن الضفة الغربية لمواجهة العدو، في نابلس وطولكرم، ثم سلواد والخليل، بضم القوى الثورية والشباب المقاوم المتعطش لقتال العدو.

لقد جزأ العدو الضفة الغربية المحتلة الى معازل ومناطق مختلفة إداريا، لمنع التواصل وتوحيد القوى ضده، لكن وجود الشباب الواعي والثوري في كل مناطق فلسطين، وليس فقط في الضفة الغربية، أفشل مساعيه. فأخذ المبادرة، في كل منطقة معزولة بالمستوطنات وطرقها وثكناتها، للتصدي للعدو على أساس أن الكيان وجيشه ومستوطنيه يشكلون عدوا واحدا، يجب محاربتة وإخراحه من هواء وأرض فلسطين.

أراد العدو فصل القدس عن الضفة الغربية وقطاع غزة، والاستفراد بالمدينة المقدسة لتهويدها وجعلها عاصمة كيانه. رغم كل اجراءاته القمعية والعراقيل التي وضعها وملاحقته للفلسطينيين لمنعهم من التوجه الى القدس، والمسجد الأقصى، ما زالت جماهير الضفة الغربية تتدفق في المناسبات الدينية الى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وتثبت له أن القدس لا يمكن أن تكون يهودية، إلا في أوهام الصهاينة، بفضل المقدسيين وأهل ال48، والمرابطين، رغم ملاحقتهم ومنعهم من التواجد في البلدة القديمة والمسجد الأقصى. فهي معركة واحدة في مواجهة عدو واحد لحماية القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.

ثم جاءت معركة "سيف القدس" في أيار/مايو العام 2021، لتؤكد للصهاينة أنه لا يمكن فصل قطاع غزة عن القدس. والمجاهدون في القطاع مستعدون لخوض المعركة من أجل حماية القدس، وحماية الضفة الغربية والفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، رغم التواطؤ العربي الرسمي، قبل الدولي، لفصل المسارات بين غزة والقدس والضفة الغربية وال48، كما خطط العدو.

في الداخل المحتل عام 1948، حاول العدو فصل شمالها عن جنوبها، وما زال، وعزل البدو وأهل النقب عن باقي المناطق، للقضاء على أرضهم وتشتيتهم، لكنه فشل بعد أكثر من 70 عاما من الاحتلال بتجزئة فلسطينيي الداخل فيما بينهم، كما فشل في عزلهم عن شعبهم في المناطق الأخرى، لأنه يمارس الإجرام ذاته في كافة المناطق. يسعى العدو الصهيوني الى تهويد المقدسات، في بئر السبع واللد وصفد، تماما كما يسعى الى تهويدها في القدس وبيت لحم والخليل وكفل حارس، إذ أن تهويد أي مكان مقدس، إسلامي أو مسيحي، هو اعتداء على الكل الفلسطيني. رغم اختلاف التصنيفات لدى الاحتلال بين "المواطنين" وبقية الشعب الفلسطيني، و"المقيم" ودرجات الإقامة، الجيّد والعميل مقابل "الإرهابي" (المقاوم) والسيء، بقيت الهوية الفلسطينية المقاومة والصامدة تتحداه وترفض وجوده.

يحاول العدو التعامل مع الأسرى وكأنهم فئة خاصة من الشعب الفلسطيني، يخضعون لقوانين خاصة بهم وبالسجون، يميّز بينهم حسب مناطقهم وانتمائهم السياسي، ويعزل بعضهم ويمنع آخرين من الزيارات أو الكانتينة، وينقل آخرين من سجن الى آخر لمنعهم من الاستقرار والحد من فعالية دورهم في تحريض وتعبئة وتنظيم الأسرى وقيادة نضالاتهم. ولكن أثبتت الحركة الوطنية الأسيرة أن مساعيه فاشلة، وأنهم موحّدون، رغم الاختلافات السياسية والفصائلية والمناطقية، وقد خاضوا إضرابات جماعية شاملة ضد السجان، كما أثبتوا أن السجون الصهيونية تصنع المقاومين بفضل المشاعر الإنسانية والأخوة والتضامن فيما بينهم، والحياة التنظيمية والتثقيف المتواصل. ويكفي النظر الى استقبال الأسرى المحرّرين من قبل أهلهم وأبناء قريتهم وحيّهم وتنظيمهم للتأكيد على أن الاسرى هم امتداد لشعبهم، يرفعون رأسه بسبب بطولاتهم وتحديهم للاحتلال، وأن العدو واحد والمعركة، خارج وداخل السجن، هي معركة واحدة ضده.

يسعى العدو الى تجزئة الشعوب العربية والإسلامية، يقيم علاقات مع بعضهم لضرب الآخرين، ويتدخّل في البلد الواحد لحث فئات على معاداة فئات أخرى وعزلها داخليا. لا يمكن للعدو الصهيوني أن يترك شعب دون التدخّل واثارة الحساسيات داخل المجتمع الواحد، على أساس القومية أو الدين أوالطائفة أو المذهب، كونه يعيش ويستمر على تفتيت الشعوب، ويريد السيطرة عليها. لكن الأهم أنه يريد عزل الشعب الفلسطيني، الذي احتل أرضه ويقتل أبناءه يوميا، ويدمّر منازلهم ويلاحقهم ويعتقلهم، عن باقي الشعوب العربية والإسلامية، "فقام بعملية التفاف كبرى لمحاصرته من الخارج، وقطع شرايين التواصل عنه مع شعوب أمتنا العربية والإسلامية"، كما صرّح مؤخرا القائد زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

يتعامل العدو الصهيوني مع كل دولة عربية وإسلامية ببث السموم واختراع تاريخ خاص لها يعزلها عن الأمة، وضرب تضامن شعوبها مع الشعب الفلسطيني، وهي التي تعتبر أن القضية الفلسطينية هي قضيتها المركزية وأن وحدتها كفيلة باستنهاضها واستقلالها، وأن التاريخ والجغرافيا والهوية توحّدها، خلافا للمستوطنين الصهاينة الذين جاؤوا من بلاد مختلفة، لا توحّدهم لا الهوية ولا اللغة ولا التاريخ، بل فقط هدف استعمار واستيطان بلاد الغير والهيمنة عليها.

فهو يعادي الدول التي ترفض الاعتراف به، يهددها ويهدد شعوبها، يقتل مواطنيها ويشن غاراته على مدنها ومطاراتها وموانئها، يحث على حصارها ماديا ومعنويا، يقتل علمائها ومجاهديها، ويجنّد عملائه لاختراق مجتمعاتها، وكل ذلك دون أي محاسبة دولية، بسبب موافقة الدول العربية الأخرى الضمنية، التي أقامت علاقات تطبيعية معه أو تسعى لذلك، وموافقة وتواطؤ الدول الاستعمارية الكبرى التي تتحكم بالعالم، والتي تعتبر الكيان يدها الضاربة في المنطقة وسيفها المسلط على رقاب الشعوب ومنعها من امتلاك حريتها واستقلالها والتمتع بثرواتها، ناهيك عن أن هذا الكيان الغاصب يمثلها ويمثل مصالحها في المنطقة.

فالعدو يجزئ الشعوب والدول من أجل تسهيل سيطرته على المنطقة. بالمقابل، كيف تتعامل الشعوب وأحزابها مع العدو ومع من يدعمه ويمده بالسلاح لقتلها وإفقارها وحصارها، والذي يبتز حكامها حول ضرورة الاعتراف بكيان العدو ومحاصرة الشعب الفلسطيني ومنعه من الحصول على حقوقه وعودته الى فلسطين، مقابل بعض التسهيلات المادية؟ هل تربط الأمور ببعضها البعض وتنظر اليه كعدو الأمة، يجب محاربته، ليس فقط لأنه احتل فلسطين وشرّد شعبها، بل لأنه يهدد أمنها واستقرارها وهويتها وحضارتها ؟

يبدو أن شرائح من هذه المجتمعات العربية والإسلامية سقطت في الفخ الصهيوني، كونها تعتبر الولايات المتحدة دولة صديقة لها، وهي القوة الراعية لكيان العدو والحامية له، من أجل البقاء في السلطة أو الوصول اليها. تؤكد بعضها أنها متضامنة مع الشعب الفلسطيني (لفظيا) لكنها تتماهى فعليا مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة للعدو، وتفصل، كما يفعل العدو، ووفقا لمنطقه، بين دولها وفلسطين، فتدعم السياسة الأميركية في بلدانها في حين أن الولايات المتحدة هي الداعم والراعي الأساسي للكيان الصهيوني، ولولا هذا الدعم، لتفكّك الكيان وانهار.

ولأن المعركة واحدة والعدو هو الكيان الصهيوني المدعوم أميركيا وأوروبيا خاصة، ولأن فلسطين هي بوصلة الصراع في المنطقة بين الحق والباطل، يكون دعم فلسطين وشعبها المجاهد، بالتخلص من التبعية للولايات المتحدة والعواصم الداعمة للكيان، إذ لا يمكن التوفيق بين الانحياز للغرب الامبريالي وتمكين سيطرته على شعوب المنطقة من جهة، والادعاء بدعم القضية الفلسطينية والتضامن مع شعبها المجاهد من جهة أخرى!.

 

اخبار ذات صلة