هدد وزير حرب العدو بيني غانتس لبنان بحرب طاحنة، يدمر فيها لبنان ويدخل عاصمته بيروت، إذا طلب منه تنفيذ عملية في لبنان.
فهل تفعلها اسرائيل وتكرر أخطائها لاشعوري ولا واع كما يقول علم النفس؟
فوفق تصريحات الجنرال احتياط يتسحاق بريك التي نشرتها القناة العبرية 14، يقول أنه تلقى رسالة من قادة كتائب لواء المشاة 16 لواء القدس عبّروا فيها عن خشيتهم من تداعيات المواجهة المقبلة، في ظل انعدام الجاهزية والاختلاف الجوهري بين التقارير التي يكتبها قادة الجيش عن التدريبات وما يحدث على ارض الواقع.
ورغم تصريحات الجنرال بريك فاسرائيل مريضة بمرض نفسي سيجبرها على تكرار أخطائها، وعلى محور المقاومة أن يكون حذراً، حيث وضح عالم النفس اليهودي النمساوي فرويد أن الإنسان يكرر أخطاءه نتيجة العقد والعمليات النفسية والمواقف الصعبة التي حدثت له في طفولته بشكل غير واعي ولاشعوري.
والسؤال هل يمكن للدول أن تكرر أخطاءها مثلها مثل الافراد؟
نعم فإذا عدنا الى تهديدات غانتس فيمكن تحليلها وفق مبدأ إجبار التكرار، فما قامت وتقوم به دولة الاحتلال المدججة بالسلاح في كل من فلسطين ولبنان يدلل على خيبتها وعدم قدرتها على هزيمة المقاومة في كل من لبنان وغزة الصغيرة المحاصرة، ويمكن فهم تكرارها للحروب رغم علمها بنتائجها الى ثغرة خطيرة في العقل الاسرائيلي تجعله قابلا لأن يقع في الهزائم عدة مرات بنفس الآليات، فيخرج مهزوماً بكافة المقاييس سواء في لبنان أو في غزة، وهو المتفوق عسكرياً، والذي يملك السلاح النووي.
ان التماثل بين هزيمة اسرائيل في لبنان 2006 م، وهزيمتها في غزة 2021م وخروجها بلا نتيجة ايجابية عسكرية أو سياسية أمر يدعو للتوقف والدهشة في نفس الوقت.
كيف يمكن لهذا العقل الصهيوني الذي يدعى التفوق ان يسقط في هذا الفخ مرات متتالية وبنفس الطريقة، ويتعرض لمهانة الهزيمة أمام قوى أضعف منه بكل المقاييس؟
لماذا يجيد العقل الصهيوني التخطيط والمناورة والتدمير ويستخدم سلاحه الجوي المتفوق بكل البراعة التي يظهرها ليل نهار على مدى أيام طويلة في لبنان، ثم على مدى أيام أطول في غزة، ويخرج في النهاية بخيبة كبيرة ولا يحقق أي من أهدافه؟
لا أحد يمكن ان يصدق القيادة السياسية الاسرائيلية فيما تقوله من أنها حققت ما أرادت من حملتها في غزة في مايو 2021م، فقد سبق لها أن قالت الشيء نفسه في نهاية حملتها على لبنان في صيف 2006 م، ولم تلبث ان اعترفت بأخطائها أمام لجنة فينوغراد التي أوصت في النهاية بعدم تكرار هذه الاخطاء.
اسرائيل تسلك سلوكاً مرضياً، ومن خلال بحثي كمتخصص في علم النفس في أعماقها المريضة، يمكن أن نقف على سبب وقوعها مرات عديدة في الهزيمة العسكرية – السياسية في حروب متتالية مع قوى أقل منها قوة.
يقول فرويد أننا يمكن أن نرى آلية اجبار التكرار غالباً لدى الاشخاص الذين عانوا من صدمة انفعالية حادة، كما يحدث مثلا عقب الحروب أو حوادث الطرق مثل تصادم السيارات أو كوارث تصادم القطارات أو غير ذلك من الحوادث التي تعرض الحياة للخطر، ويعتبر الميل للتكرار واحد من مكونات الوجود الانساني.
والقادة الاسرائيليون يتحدثون عن صدمات نفسية ناتجة عن الهولوكوست، واذا ما تابعنا تفصيلات نظرية فرويد في اجبار التكرار، نجد انه يؤكد ايضا ان اللجوء اللاشعوري الى تكرار التجارب المؤلمة يظهر ان الاشخاص يعملون على تدبير المواقف التي تبعث فيهم الشعور بالمذلّة بطريقة لاواعية. واسرئيل تبحث في سلوكياتها تجاه المقاومة عن المذلة فهل هناك ما يبعث على المذلة أكثر من الهزيمة العسكرية من طرف ذي امكانيات بسيطة كالمقاومة في لبنان أو المقاومة في غزة مقارنة بجيش الاحتلال؟
ومعنى ما يذهب اليه فرويد هو ان اسرائيل المريضة إنما تقدم على تكرار التجارب الأليمة وهي تدرك لاشعوريا انها ستؤدي بها الى ألم الشعور بالمذلة، اي ان اسرائيل دخلت من البداية تجربة حملتها في غزة عازمة على ألا تخرج منها مهزومة، كما هزمت في لبنان، بل كانت تهدف الى تدمير الانفاق وتدمير قدرات المقاومة، ولكنها لم تكن تملك من ارادتها ما يمكّنها من تجنب الهزيمة فخرجت خالية اليدين.
سيأتي الوقت الذي تحاسب فيه القيادة الاسرائيلية على سلوكها العسكري الذي افضى الى هزيمة تكاد ان تكون نسخة مكررة من الهزيمة في حرب لبنان، وليس لنا ان نتوقع ان يلجأ اي من القادة العسكريين او السياسيين الى الدفع بأن اسرائيل كانت محكومة بعقدة اجبار التكرار، لا نتوقع ان يرجع أحدهم الى كتب فرويد ليقرأ منها امام المحققين ان اللاشعور الجمعي الاسرائيلي محمّل برغبات خفية لإذلال الذات، وان هذا قد افضى – عن غير قصد – الى دخول هذه الحروب بنوايا لاشعورية للخروج منها بمذلة جديدة، تعيد مذلة الهزيمة امام المقاومة اللبنانية. تبقى نظرية فرويد تفسيرا مشروعا ومقبولا لفهم الكيفية التي يتحول بها ذكاء اسرائيل الى غباء صارخ، وتتحول قدرتها وامكاناتها العسكرية الى عبء غير مجد، فتسير مرة اخرى من هزيمة الى هزيمة.
ويبقى ان نذكّر بنظرية فرويد الاشمل التي تتحدث عن سيطرة غريزة الموت على غريزة الحياة، ونسأل هل تسعى اسرائيل ولو لاشعوريا الى الموت وليس فقط الى الهزيمة؟