تحدث الكثير من المحللين والسياسيين والإعلاميين عن أهداف زيارة بايدن.. وذهبوا بعيداً في طروحاتهم ومقارباتهم وكنتُ من بين الذين فكروا بالحديث والكتابة عن هذا الموضوع ووضعت عنواناً لهذه الزيارة يتمحور حول إنشاء حلف شرق أوسطي بقيادة أميركا لضمان توازن القوى في حال إعلان امتلاك إيران القنبلة النووية... وقد تريثتُ في الكتابة حتى لا أدخل في جانب التخمينات والتوقعات غير السليمة وتكون هناك معلومات مؤكدة أو على الأقل مؤشرات للأهداف من الزيارة وهو ما أعلنه بايدن في مقالته..
وفي هذا السياق.. جاءت هذه المقالة وهي غريبة على الرؤساء الأمريكيين للكتابة في الصحف إلّا للنشر كوثيقة للشعب يتم نشرها.. وهذا يعني أنه يوجه خطاباً للداخل الأمريكي وعلى وجه الخصوص للوبي الصهيوني كونهم مؤثرون في السياسة الأمريكية ويطمئنهم على ضمان حماية الكيان الصهيوني والعمل على دمجه وفتح آفاق التعاون معه من جانب العرب وإنهاء حالة العداء له.
وفي هذا الإطار... لا أريد الحديث فيما هو معلن من الزيارة.. فتصريحات بايدن حملت ما هو خفي وما هو أبعد مما أعلنه يُستدل عليه من خلال ما تضمنه المقال من استراتيجيات عمل وتعاون في المنطقة وهو ما نُطلق عليه المسكوت عنه في الخطاب وله دلالات وإشارات..
يتمحور مقال بايدن حول نقطتين هما:-
1- دمج الكيان الصهيوني من خلال الإعلان عن التحالف الأمني الجديد لطمأنة معظم الدول المتخوفة من توجهات إيران لإنتاج السلاح النووي في ظل التوازنات الجديدة.
2- تجسيد التعاون الأمني من خلال منظومة اتفاقيات السلام الإبراهيمي بربطها باتفاقية كامب ديفيد 1978م الإطارية للسلام.
وفي هذا السياق.. لابد من تواجد مصر والأردن في هذا التحالف الجديد لتحفظاتهما على اتفاقيات إبراهام الجديدة وضم الكيان الصهيوني في هذا التحالف بعد أن تم عمداً الانتهاء من تدمير كل التكتلات والتحالفات الإقليمية العربية في المنطقة لضمان دمج الكيان الصهيوني في المنظومة الجديدة من خلال تهيئة البيئة والظروف التي تضمن لهذا التحالف من النشأة والوجود بوجود أهداف أو مخاطر أو تهديدات ومصير موحد يجمع هذه الدول يتطلب منها الدخول في هذه المنظومة تحتاج لأن تتوافق وتتحالف لمواجهة هذا الخطر الوجودي المشترك.
لذلك.. يتضح من مقالة بايدن أن زيارته تسعى لتحقيق هذه الأهداف في إطار الفراغ الأمني في المنطقة وإعادة ترتيب الأمن في سياق منظومة تضمن توازن القوى وهي خطوة مطلوبة لهذا التحالف ليكون مقابلاً لقوة إيران النووية التي سيتم الإعلان عنها قريباً في إطار الترتيبات للعودة للاتفاق النووي الإيراني الغربي بعد أن انسحبت أميركا منه لإفساح المجال أمام إيران من استكمال هذا البرنامج والقدرة على إنتاج السلاح النووي بعد أن كانت الاتفاقية قيد وعقبة قانونية لعملية الحصول على القدرات النووية..!!!
إذاً.. هذه الزيارة لا تحمل المعنى السياسي بقدر ما تتضمنه من الإعلان عن ترتيبات أمنية تحتاج إلى شكلها السياسي.. ولهذا خلى برنامج الزيارة من الشأن السياسي الفلسطيني بخصوص فتح القنصلية الأمريكية في شرق القدس.. والمطالب السياسية بعودة مفاوضات السلام أو الحديث عن برامج سياسية..
لذلك تم الإعلان عن حجم الدعم المقدم للكيان وتحقيق الأمن له وهو مصلحة أمريكية قبل أن تكون حماية للكيان..
ماذا يعني التحالف الأمني الشرق أوسطي الجديد..!!!؟؟؟
1- أن إيران باتت قريبة من الحصول على السلاح والقدرات النووية وهو مسلم به.. هذا إن لم تكن تمكنت من ذلك بالفعل وهو الدافع الرئيس لإنشاء هذا التحالف.. وفق نظرية توازن القوى أو الردع.
2- دمج الكيان الصهيوني في المنظومة العربية وطمأنته بأنه ليس فقط وحيداً ديموغرافياً في مواجهة إيران.. وهذا يعني إزالة المخاوف من التهديدات الإيرانية.. وذلك بزيادة واتساع المساحة الجغرافية لأعداء إيران.
3- إشراك العرب في سياق التهديدات الإيرانية وأنها بحاجة إلى قوة نووية تتمثل في الكيان الصهيوني كقوة ردع تقوم على التوازن النووي وبقيادته النووية.
4- وجود مصر والأردن بجانب دول الخليج في هذا التحالف بجانب أميركا والكيان الصهيوني يضمن تحقيق التوازن العسكري في مقابلة إيران.
5- قيادة أميركا لهذا التحالف يعني ضمان عدم انفراد دولة في البدء بعمل عسكري بعيداً عن موافقتها وبخاصة سلوك الكيان الصهيوني.. وضمان السيطرة على القرار الأمني والعسكري في المنطقة.
6- التحالف الأمني الجديد ينهي حالة العداء مع الكيان الصهيوني... ويستبدلها ويجسد حالة عداء جديدة مع إيران كدولة وليس كنظام حكم.. وهو ما يحقق الرؤية والاستراتيجية الأمريكية والصهيونية..
يبقى السؤال الجوهري الذي ستجيب عنه الأيام والأحداث القادمة.. هل سيتم نجاح وتحقيق هذه الأهداف في ظل المتغيرات الدولية والمنطلقات والمداخل التاريخية والسياسية والثقافية للمنطقة وغيرها من عوامل مؤثرة أم لا..!!!؟؟؟
وهذا ما يجيب عنه التاريخ..
د. فواز السوسي
باحث في الشأن السياسي