غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

سنرجع يوماً إلى حينا

جلال نشوان
الكاتب الصحفى جلال نشوان

(هارون هاشم رشيد) عندما هاجت قريحته بهذه القصيدة، كان متألماً وموجوعاً، فجاءت الكلمات لتجسد الشعور بالألم المكتوم بداخله، وعن الحزن العميق في ذلك الوقت. كان يظن أنه قادر على تجاوز النكبة التي حلت بشعبنا وأن العودة قريبة مرة أخرى ولكن المؤامرة التي دُبرت بليل أسود، عمقت الحزن فحمل ذلك في نفسه الوديعة، فاكتوى بالنار، ترجم كل ذلك في كتاباته، كلمات طفحت كل احاسيس، أن شيئاً داخل قلبه المكسور.

طال لهيب الانتظار، وتحدث عن فراق الأحبة في حياتهم، وبعد العودة مرة أخرى رحلوا عن حياتي وبقيت وحدي في حالة من الحزن والألم أحاول الحفاظ على بقايا مشاعري المحطمة. لا تحاول الاستمرار في محاولة نجاح شيءٍ خذلك، واجعل من حالة الحزن والوجع بداية جديدة لتحقيق حلمك بكي كثيرًا على الراحلين من الشهداء والأسرى والجرحى وحث عن نور جديد ، وهي الثورة التي ستدافع عن أبناء شعبنا

ما أروعك يا شاعرنا

وما اجمل كلماتك

وما أرقى صورك الشعرية الجميلة

طال الزمن ،ام قصر

سنرجع يوماً الى حينا

ونغرق في دافئات المنى

سنرجع مهما يمر الزمان

وتنأى المسافات ما بيننا

فيا قلب مهلآ ولا ترتم

على درب عودتنا موهنا

يعز علينا غداً أن تعود

رفوف الطيور ونحن هنا

هنالك عند التلال تلال

تنام وتصحو على عهدنا

وناس هم الحب أيامهم

هدوء انتظار شجي الغنا

ربوع مدى العين صفصافها

على كل ماء هى فانحنى

تعب الظهيرات في ظلها

عبير الهدوء وصفو الهنا

سنرجع خبرني العندليب

غداة التقينا على منحنى

بأن البلابل لما تزل

هناك تعيش بأشعارنا

ومازال بين تلال الحنين

وناس الحنين مكان لنا

فيا قلب كم شردتنا رياح

تعال سنرجع هيا بنا

ايها السادة الافاضل :

في الذكرى الثانية لرحيل شاعر الثورة والعودة ،  واحد  رموز شعراء النكبة والعودة  ( هارون هاشم رشيد)،  الذي غادر تاركًا وراءه تاريخًا أدبيًا وثقافيًا كبيرًا، أثرى فيه الشعر العربي والقضية الفلسطينية وحق العودة.

ولد الشاعر والمناضل الكبير هارون هشام رشيد، في حي  الزيتون بمدينة غزة العام 1927، ومنذ طفولته شهد على الأحداث والتطورات التي شكلت المأساة الفلسطينية، ورأى الأطفال والنساء والشيوخ يبتلعهم البحر الهائج، حيث كانت مراكب اللجوء تنقلهم إلى شواطئ غزة، بعد أن شردتهم العصابات الصهيونية عن ديارهم وأراضيهم.

ومن المشاهد المؤلمة ، التي ظلت منقوشة في ذاكرة الشاعر،  ترحيل العصابات الصهيونية لأبناء شعبنا ، خاصة النساء والأطفال ومنذ ذلك  الوقت وهو يكتب شعراً مسكوناً بهموم الوطن ونكباته، وملامح الصمود وأساطير المقاومة، فخرج شعراً مقاوماً تغنت به الأجيال الفلسطينية والعربية

 أنهى دراسته الثانوية فيها عام 1947، وبعدها حصل على الدبلوم العالي لتدريب المعلمين من كلية غزة، وظل يعمل في سلك التعليم حتى عام 1954.

وفي عام 1954 ذاته، انتقل رشيد للعمل في المجال الإعلامي، فتولى رئاسة مكتب إذاعة "صوت العرب" المصرية في  قطاع غزة لعدة سنوات، وعندما أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية، أصبح مشرفًا على إعلامها في القطاع منذ عام 1965 إلى 1967، كما اختارته المنظمة ممثلًا لها داخل غزة.

وبعد احتلال القوات الصهيونية ، قطاع غزة عام 1967 عقب حرب يونيو/حزيران ، أجبرت سلطات الاحتلال الصهيوني رشيد على مغادرة القطاع، فانتقل إلى القاهرة، وهناك شغل منصب مندوب فلسطين المناوب في جامعة الدول العربية، ليكون هارون رشيد بذلك شاعرًا وإعلاميًا ودبلوماسيًا.

كما تم تعيينه لفترة طويلة، مندوبًا دائمًا لفلسطين في اللجنة الدائمة للإعلام العربي واللجنة الدائمة للشؤون المالية والإدارية في الجامعة العربية، في الوقت ذاته الذي شغل منصب مدير تحرير مجلة "شؤون عربية" الصادرة عن الجامعة، فضلًا عن مشاركته في تحرير عدد آخر من الصحف العربية والفلسطينية، إضافة إلى ذلك واصل عمله الإبداعي في الكتابة والتأليف والشعر.

حمل هارون هاشم رشيد القضية الفلسطينية ، في عقله وقلبه  وحاول تسخير شعره وأدبه في خدمة القضية، فكانت أبرز القضايا التي يتحدث عنها: مرارة  اللجوء والهجرة وحق العودة، التي اعتبرها قضية أساسية انطلق منها في أعماله.

وبالفعل، كان رشيد من أكثر الشعراء الفلسطينين توظيفًا لمفردات ومصطلحات العودة، فقد أُطلقت عليه تسميات عديدة مستوحاة من المراحل التي مر بها الشعب الفلسطيني، فمثلًا أطلق عليه خليل الوزير، أحد مؤسسي حركة فتح وجناحها المسلح، لقب "شاعر الثورة" عام 1967 بعد أن كتب قصيدة "الأرض والدم"، كما أطلق عليه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة لقب "شاعر القرار 194"، نسبة لقرار حق العودة للاجئين الفلسطينين رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، كما أُطلق عليه لقب "شاعر النكبة

وخلال رحلته الأدبية الطويلة التي بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي،

( صدر لرشيد قرابة الـ20 ديوانًا شعريًا منها: "عودة الغرباء ) عام 1956

 و( غزة في خط النار" عام 1957 )

وأرض الثورات  عام 1958

و( حتى يعود شعبنا  عام 1965 )

و( سفينة الغضب  عام 1968)

 و( فدائيون" عام 1970)

 و( الرجوع عام 1977)  و(المجموعة الشعرية الكاملة عام 1981(  و( ثورة الحجارة عام 1991 )

و( طيور الجنة عام 1998 ) و(وردة على جبين القدس عام 1998)

وغدا  العالم كله يتغنى بأعماله الأدبية ،  حيث اختار الأخوان رحباني عندما زارا القاهرة عام 1955 من أعماله حوارية بين فتاة فلسطينية من اللاجئين اسمها ليلى ووالدها، بالإضافة لقصيدة ( سنرجع يومًا) و( جسر العودة )  فغنتهما المطربة اللبنانية فيروز، وتم تسجيلها في القاهرة.

وغنت المطربة فيروز كلماته

وهو علاوة على كونه قامة شعرية كبيرة، فهو مناضل وسياسي وإعلامي ودبلوماسي، وشغل منصب مندوب فلسطين المناوب في جامعة الدول العربية.

وفي الحقيقة:

 أُطلقت عليه تسميات مختلفة مستوحاة من مراحل عذابات شعبنا فهو:

( شاعر النكبة)

و(شاعر العودة،)

و شاعر الثورة وهي تسمية اطلقها عليه الشهيد خليل الوزير عام 1967 بعد قصيدة «د(الأرض والدم) وأطلق عليه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة لقب (شاعر القرار 194).

 

أصدر قرابة عشرين ديواناً شعرياً منها (الغرباء عام 1954، وعودة الغرباء 1956، غزة في خط النار، حتى يعود شعبنا 1965، سفينة الغضب 1968، ورحلة العاصفة 1969، فدائيون 1970 مفكرة عاشق 1980 يوميات الصمود والحزن 1983، وثورة الحجارة 1991، وطيور الجنة 1998 وغيرها..

اختيرت نحو 90 قصيدة من أشعاره قدمها اعلام الغناء العربي، وفي مقدمة من أنشدوا أشعاره الفنانين الكبار ( فيروز، وفايزة كامل، ومحمد فوزي، وكارم محمود، ومحمد قنديل، ومحمد عبده، وطلال مداح، وآخرون) .

أما على صعيد المسرح 

فقد كتب أيضا أربع مسرحيات شعرية، مُثِل منها على المسرح في القاهرة مسرحية( السؤال)  من بطولة  الفنانين ( كرم مطاوع وسهير المرشدي.)

وبعد الانتصار التاريخي لمصر  1973 كتب مسرحية (سقوط بارليف) وقٌدمت على المسرح القومي بالقاهرة عام 1974، ومسرحية "عصافير الشوك"، إضافة إلى العديد من المسلسلات والسباعيات التي كتبها لإذاعة "صوت العرب" المصرية وعدد من الإذاعات العربية.

والشاعر والأديب والمفكر  ، له دراسات عدة، من بينها: الشعر المقاتل في الأرض المحتلة، ومدينة وشاعر: حيفا والبحيري، والكلمة المقاتلة في فلسطي

في الذكرى الثانية لرحيله خسرت فلسطين  ،  رمزا من رموزها الإبداعية وعلما من أعلامها النضالية الكفاحية، الذي كرس حياته لشعبه وقضيته

ما تركه هارون هاشم رشيد ، من أثر وإرث كبير في الثقافة والشعر والوعي. ستحفظه كل  الأجيال ،  التي تحفظ اسم المناضل والشاعر الذي رهن حياته من أجل قضايا شعبه ووطن.

سيتحقق الحلم باذن الله

ونرجع يوماً إلى حيينا

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".