مصادقة «الكابينت» الأمني الصهيوني، اول أمس الأحد، على خصم أكثر من 176 مليون دولار من عائدات الضرائب الفلسطينية؛ تطبيقًا لقانون سلب فاتورة رواتب الأسرى والشهداء من أموال المقاصة، تدل على العقلية التي تتعامل بها «إسرائيل» مع السلطة الفلسطينية. فقد ذكر موقع «والا» العبري، أن «الكابينت» صادق على اقتطاع مبلغ 600 مليون شيقل من عائدات الضرائب الفلسطينية بعد تقديم وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس تقريره السنوي حول قيمة فاتورة الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية لعائلات الأسرى والشهداء عن العام الماضي 2021, وأوضح الموقع أن سلطات الاحتلال ستخصم المبلغ المذكور على 12 شهرًا مقبلة, «فإسرائيل» لا يعنيها معاناة السلطة المالية, ولا يعنيها ردة الفعل العالمية على لصوصيتها وسرقتها لأموال الفلسطينيين, ولا يعنيها أسلوب الاستجداء والتوسل الذي ينتهجه البعض كي ينظر اليهم رئيس حكومة الكيان الصهيوني يائير لابيد بعين العطف والشفقة, فتصريحات رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، إن استمرار «إسرائيل» في خصم جزء من أموال الضرائب «المقاصة» يضع حكومته في وضع مالي صعب, ليس لها محل من الاعراب في سياسة حكومة الاحتلال الصهيوني الى تهدف لتضييق الخناق على الفلسطينيين, علما ان هذه الحكومة التي يقودها لابيد مصنفة على انها حكومة وسط معتدلة, لكن «إسرائيل» لا تعرف وسط او يسار او يمين متطرف, فهي تحكمها سياسة واحدة عنوانها خنق الفلسطينيين, وتكدير حياتهم, وتضييق الخناق عليهم في امورهم المعيشية, وهذه من الثوابت التي لا تتغير بتغير الأشخاص ولا تصنيفاتهم الحزبية ولا آرائهم السياسية.
وزارة المالية الفلسطينية قالت إن «إسرائيل» تواصل اقتطاعات شهرية من أموال المقاصة تفوق 100 مليون شيكل (نحو 32 مليون دولار). والمقاصة، هي أموال ضرائب وجمارك على السلع الفلسطينية المستوردة، تقوم وزارة المالية الصهيونية بجبايتها، وتحولها شهريا إلى رام الله، بعد خصم جزء، وخلال عام 2021، بلغ متوسط أموال المقاصة بعد الخصومات الإسرائيلية، 700 مليون شيكل (220.8 مليون دولار)، شهريا. وتشكل أموال المقاصة قرابة 63 بالمئة من الدخل الشهري للحكومة الفلسطينية، الناطق باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة قال في بيان، بأن «القيادة الفلسطينية تؤكد رفضها القاطع لهذا القرار الخطير، ولن يؤدي إلى أي نتيجة وشدد على أن هذا القرار غير مسؤول ومخالف للقانون الدولي، وأن على المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لوقف مثل هذه الإجراءات وإلغائها، «لأن القرار بمثابة سرقة واضحة لأموال الشعب الفلسطيني». واضاف أبو ردينة إن «المطلوب من الحكومة الإسرائيلية الآن مراجعة مواقفها وقراراتها، حتى لا تصل الأمور إلى طريق خطير ومسدود», فهل يمكن لمثل هذه التصريحات التي تطلق عليها السلطة اسم «القوة الناعمة» ان تمثل وسيلة ضغط على حكومة الاحتلال كي تتراجع عن مواقفها، وهل يمكن لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ان يضغط على صديقه المقرب وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس الذي يسعد بلقائه لكي يغير من قرار «إسرائيل» بمصادرة أموال المقاصة, وغانتس نفسه صديق أبو مازن المقرب في حكومة الاحتلال هو الذي قدم تقريره السنوي حول قيمة فاتورة الرواتب التي تدفعها السلطة لعائلات الأسرى والشهداء عن العام الماضي 2021.
ثم دعونا نتساءل هل السلطة فعلا تتبنى موقفا وطنيا تجاه الاسرى الفلسطينيين وتقوم بدفع الأموال لهم امام تضحياتهم الكبيرة وعطائهم اللامحدود, الثابت ان السلطة قامت بقطع أموال الآلاف من الاسرى تحت ذريعة الانتماء السياسي, فمن ينتمي لحماس والجهاد الإسلامي, وتنظيمات أخرى لا تتساوق مع سياسات السلطة الاستسلامية يحرم من حقوقه المالية, ويمنع من أي امتيازات سواء داخل السجن او خارجه, والسلطة حرمت الاسرى المحررين المعارضين لسياستها من حقوقهم, وتعدى الامر ذلك بمنع الأموال عن اسر الشهداء واعتبرت شهداء العدوان الصهيوني على قطاع غزة سواء في العام 2008م, او العام 2012م, او العام 2014م او العام 2021م ليسوا شهداء وحرمتهم من أي دعم مالي, حتى المساعدات التي تأتي من الخارج تقوم السلطة بمصادرتها وحرمانهم منها, لكن «إسرائيل» التي تسلك مسالك «اللصوصية» تمارس قانون القرصنة لا يكفيها ما تفعله السلطة بحق الاسرى وتطالب بالمزيد لأنها تريد ان تقتل أي فعل نضالي مقاوم في نفوس الفلسطينيين, «إسرائيل» تسلب أموال السلطة لأنها لا تراها نداً مكافئاً لها, وستستمر في سياستها هذه بالتعامل معها وفق منطق السيد والعبد طالما بقيت السلطة متقوقعة في بيضة ضعفها ووهنها وقلة حيلتها, لماذا لا تنظر السلطة لتجارب الاخرين في التعامل مع «إسرائيل» كي تتعلم أساليب التعامل مع الاحتلال, اذا كانت تتعالى عن النظر الى تجربة الفصائل الفلسطينية التي فرضت معادلات جديدة على الاحتلال في اعقاب ملحمة سيف القدس البطولية, فلتنظر الى تجربة حزب الله وكيف يتعامل مع «إسرائيل» وكيف تستجدي «إسرائيل» الإدارة الامريكية لايجاد حلول لمشكلة حقل «كاريش» ليس عيبا ان تتعلم من غيرك, لكن العيب ان تظل مصرا على سياساتك الاستسلامية التي لم تحقق لك اية مكاسب على مدار سنوات طوال, عليك ان تدرك ان أموال المقاصة لن تأتي الا بأوراق ضغط حقيقية تمارسها السلطة على الاحتلال, ولغة الاستجداء لن تنفع لان العالم لا يحترم الضعفاء.