غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

بلا مساحيق حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين شعلة متقدة

مسيرة الجهاد الاسلامي
بقلم د. أسعد جودة

الحركة لم تنطلق لتضيف رقمًا لعديد التنظيمات الموجودة على الساحة الفلسطينية، ولا حزبا سياسيا يسعى لينافس على سلطة، بل كان يسكنها وجع وهمٌّ، هو كيف يمكن وضع القضية في سياقها باعتبارها القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية، وتؤمن أن الصراع في فلسطين وحول فلسطين صراع على الدين والعقيدة والتاريخ والحاضر والمستقبل ،لأن فلسطين وتحريرها هي الممر الإجباري والوحيد لإعادة المشروع الحضاري، وعودة الأمة لممارسة رسالتها، واستئناف  دورها الذى عطِّل بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهزيمة الدولة العثمانية، وإنهاء النظام السياسي من قبل القوى الاستعمارية، سواء بريطانيا أم فرنسا، والوريث أمريكا،  واستنبات الغدة السرطانية المسماة إسرائيل فى قلب الحوض العربى والإسلامي، لمكانتها الدينية، وموقعها الجغرافي المميز، لتحول بين إعادة الوحدة والترابط، بل تعزز التمزق، وتثبت ما أطلق عليه "الشرق الأوسط" منطقة بلا هوية ثقافية ولا دينية، بل دول متفرقة متقاتلة فيما بينها، جمعيها لها أب واحد، وللوصول لقلبه يجب حماية وصيانة طفله المدلل، حامي مصالح دولة الاستكبار والغطرسة والبلطجة العالمية أمريكا.

 فى إطار هذة الرؤية الاستراتيجية، ولدت الحركة، لأنها تدرك وتعي أن الربط بهذا العمق هو من سيعيد وحدة الأمة، وتحرير فلسطين، ودخول المسجد الأقصى، وتتبير العلو، وعمليًّا إن دخول المسجد هو إنهاء الحقبة الاستعمارية.

أما فى مجال التوقيت، رأى المفكر والعقل الاستراتيجي الفذ  د.فتحى الشقاقي، وهو صاحب إطلالة على فهم عميق للقرآن وللسنة المطهرة، وموقع فلسطين فيها، والتاريخ وصناع المجد، ودارس وباحث ومتعمق فى اطلاعه على التجربة الاستعمارية وأبعادها، ومتبحر فى علوم الدين، وذو عقل منفتح بعيد عن التشوش والعصبية الحزبية، ومطل على قصة الطائفية والمذهبية، وكيف تستغل للتمزيق بدل الوحدة، ومطل وعن قرب شديد على  التحولات الجارية فى المنطقة، والمحاولات المستمرة والمال السياسي اللامعقول ، لاستدراج الجسم الفلسطيني الرسمي لمربعات التسوية، ويستخدم لاحقًا كجسم لتمرير قبول الاعتراف بإسرائيل، وشرعنتها  كجسم طبيعي له حق العيش بأمان، وهذا  هو المدخل الوحيد  لتثبيت الكيان، تمهيدًا لدمجه، وإطالة عمر مشروع الهيمنة الاستعمارية، وتظل فلسطين والحوض العربي والإسلامي  غارقًا فى الوحل.

 كان العام ١٩٧٤م عامًا استثنائيًّا فى تاريخ القضية الفلسطينية، فى هذا العام حصلت ثلاث محطات؛ الأولى موافقة المجلس الوطني الفلسطيني فى المؤتمر الذى انعقد فى القاهرة فى بداية حزيران عام ١٩٧٤، على البرنامج المرحلي الذى عرف ببرنامج  العشر نقاط، وكلمة السر فيه هو بداية القفز عن جوهر الميثاق الذى تأسست عليه، وهو التحرير الكامل، وبات القبول بإسرائيل هو بداية مشوار التيه.

المحطة الثانية القمة العربية التى انعقدت فى المغرب نهاية نوفمبر ١٩٧٤، اعتمدت منظمةَ التحرير الممثلَ الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، كمكافأة لها على الجرأة!

والمحطة الثالثة فى منتصف ديسمبر  من العام ١٩٧٤ نفسه، اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة لمنظمة التحرير، بعد خطاب الراحل عرفات فى مقرها  فى جنيف كبعثة مراقب، البعض اعتبر ذلك هو بداية النهج السياسي الواقعي، إيمانا بالقدر  أن إسرائيل خلقت لتبقى وتتعايش وتندمج فى نسيج المنطقة!

لكن رؤية مؤسس الجهاد وإخوانه تتناقض مع هذا النهج بالكلية، ولذا حرصوا على الانتقال من مرحلة التأصيل النظري إلى الممارسة العملية على الأرض، فبدأت الفكرة تتبلور، وتحولت إلى واقع عملي بعد عودتهم عام ١٩٨١ لغزة من القاهرة، وكان الدكتور فتحي يؤمن بترابط الجغرافيا ،لذا بحث عن عمل فى القدس ليستطيع التنقل والتبشير بفكر الحركة، وهذا ما حصل، وكان مركزه للانطلاق مستشفى المطلع بالقدس، كما أن له حضورًا فى القدس والضفة، إذ أتم دراسة الرياضيات فى بير زيت، قبل خروجه لدراسة الطب فى مصر.

منذ تلك اللحظة إلى يومنا، تتأكد  للعيان صوابية ومدى جدية وعمق الرؤية.

ساهمت الحركة منذ حراكها فى البدايات في إعادة انعباث دور الإسلام والتيار الإسلامي فى الحركة الوطنية الفلسطينية، وبرزت حركة المقاومة الإسلامية حماس، وغدت عنوانًا مهمًّا ورقمًا صعبًا فى خط المقاومة والجهاد، ونسجت الحركة خطوطًا مع الكل الوطني، وبدأت مشوارها بالسكين، مرورًا بالحجر والسلاح، وصولا إلى الحدث التاريخي الاستثنائي، وهو انتفاضة الثورة الشاملة عام ١٩٨٧، والتى استثمرت لاحقًا بثمن بخس، لتجلب أوسلو المقيت، وتحصل الكارثة التى كانت تستشرفها القيادة، وهي أن تعترف المنظمة بالكيان الصهيوني، ليصبح العدو  المغتصب جارًا، والتنسيق الأمني مقدسًا، عبر صوغ  كل المبررات والذرائع.

رفضت الحركة، وعلى لسان أمينها العام المؤسس د.الشقاقي  هذا الاتفاق تمامًا، ورأت فيه نكبة جديدة حلت على فلسطين، ووصفه القائد التاريخي الدكتور الشهيد فتحى بأنه "قفزة فى الهواء، ولا يلزمنا بشيء، وسيجلب الدمار والاقتتال" .

اليوم، والجهاد يقيّم ويتابع ويطور من إمكانياته، أضحى رقما صعبا، وفاعلا ومقررًا على الساحة، لا يمكن القفز عنه، أو تجاوزه، ولم يغير من ثوابته مطلقا، فبعد استشهاد الأمين العام المؤسس أبو إبراهيم، في مالطا فى أكتوبر عام ١٩٩٥، خلّفَ قائدًا فذًّا استثنائيًّا، وهو د.رمضان شلح، الذي حافظ على النهج نفسه، وأضاف وعزز البناء، وثبت القواعد، وظل معطاء بطاقة عالية، حتى فارق الحياة، وخلفَ أخًا يعرفه القاصي والداني، إنه من أشد المحافظين على الثوابت، ولديه جراءة فى القول والفعل، القائد أبو طارق النخالة، وهو الذى يعمل المستحيل لتشتعل الضفة والقدس، وكل ربوع فلسطين،  مهما بدا ذلك مستحيلًا.

الجهاد الإسلامي بعد كل هذه المسيرة المعبدة بدماء الشهداء، من شهداء معركة الشجاعية؛ الشيخ مصباح الصوري، وإخوانه ومحمود الخواجا ومحمود طوالبة ومقلد حميد وبهاء أبو العطا وجميل العموري، والقائمة المطرزة بالفخر تطول، فيها منازلات مفصلية تواجه إصرار العدو على حسم وتثبيت الوجود فى الضفة والقدس كلاعب وحيد ومقرر، يهندس بناء مستوطنات  كما يشاء، ويقتل متى شاء، ويستبيح القرى والمدن.

 إن المفاجأة التى أفقدت العدو صوابه أن الجهاد الاسلامي له بالمرصاد، يعمل ليل نهار، بلا كلل او ملل، ليعيد بناء الخلايا والتسليح والعمليات، وتعود جنين القسام لتتصدر المشهد، وتربط ٢٠٠٢ باليوم، كأن الأحداث لم تنقطع، وتنتقل لنابلس وطولكرم والخليل.

تدرك الجهاد وتعي أن التهاب واشتعال الضفة الغربية والقدس فى هذه المرحلة العصيبة، التى تحاول فيها أمريكا وحلفاؤها فرض أمر واقع، والانتقال من الدمج لبناء التحالفات العسكرية الشرق أوسطية، ترى أن ذلك يعيق -إن لم ينسف- كل تلك الجهود، وهي تسعى إلى الاستمرار فى  مواصلة المشوار، لتحقيق الرؤية الاستراتيجية لاستكمال عملية التحرير والعودة، هذا التحدي بالتأكيد سيواجهه العدو بأبشع الطرق الوحشية اللامسبوقة، ومنها الاقتحامات الليلية والاغتيالات والحصار، وآخرها اختطاف الشيخ المجاهد البطل بسام السعدي من بيته، أمام السلطة  التى تتغنى فى حماية المواطن، بينما هي تغط فى سبات النوم العميق، للعمل على وأد الواقع قبل استفحال العدو، الذي يدرك أيضا أن حماس تفكر بالنهج نفسه، والطريق ذاته، وقد  تفاجأه

 أيضا بعمل نوعي، ولها إرث ضخم، وقاعدة عريضة، والآلاف من الأسرى ذوي المحكوميات العالية، وأيضا غالبية الفصائل، كالجبهة الشعبية، لها قاعدة وإرث، ولها موقف شجاع، وأيضًا كتائب شهداء الأقصى، التابعة لفتح، وتؤمن غالبية فصائل العمل الوطني بالرؤية نفسها، ما سيضع السلطة أمام استحقاق، إما العودة للشعب، وتطبيق القرارات المتخذة بشأن إلغاء أوسلو، وسحب الاعتراف، أو أن توضع فى خانة أخري!

وهذا الاشتعال والاشتباك سيشكل لطمة للمطبعين والمهرولين.

جملة تحولات يجب أن تؤخذ فى الحسبان، وغالبيتها تشير إلى أن العالم والإقليم يتحرك نحو عالمٍ متعدد الأقطاب والمحاور، وكل ذلك يجعلنا فى فلسطين أكثر يقظة، وبحاجة للتماسك، والتمسك بخيار المقاومة، حتى يستمر، ولا تنطفأ الجذوة، ونكون للتحرير والعودة أقرب.

من تلك الشواهد التحولات الكبرى الجارية اليوم فى العالم، من جراء الحرب الروسية الأوكرانية، ومدى اتساع رقعتها، لتشمل دولًا عظمى، والتداعيات والآثار من النقص الحاد فى مصادر الطاقة، والغلاء غير المسبوق فى العالم.

إن الكيان الصهيوني وتخبطه، وبداية الشيخوخة، والحكومات المتسارعة، وجبهة كغزة أو لبنان، تصبح كابوسًا مرعبًا واقعيًّا.

الأحلاف المضادة التي فى بداية التشكل ،كروسيا- إيران- تركيا.

زيارة بايدن، والتى لم تظهر نتائجها، ولكن بعض المؤشرات تقول إنها -تحديدًا فى منطقة تعدها أمريكا مناطق نفوذ- عادت تتحدث عن خيارات وبدائل، سواء على مستوى التسليح أم العلاقات .

هذا الإرث المشرق، والواقع والأداء المميز الذى يجعل دولة كالكيان تنام ليلة، وتحسب ألف حساب، وتأخذ كل الاحتياطات؛ خوفًا من الجهاد الإسلامي أن يباغتهم، كل ذلك يستدعي من أبناء الجهاد تعزيز وتقوية أواصر المحبة والترابط والإيثار، وعدم الالتفات للدنيا وزخرفها وبريق المناصب والشارات، وتقوية أواصر الأخوة، وتعزيز روح التعاون وحسن الظن مع الشركاء فى النهج والمصير والخط الجهادي فى حماس، وكل فصائل العمل الوطني، ومع  محور المقاومة الصاعد.

  "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ".

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".