رغم الألم لكن لايزال مقاتلو الجهاد الإسلامي يسجلون النقاط في مرمى العدو الصهيوني ويفشلون مخططاته بكل براعة وحنكة واقتدار، وقد انتقلت الآن الجهاد الإسلامي من مرحلة الاستنفار إلى استنزاف العدو، وبهذه المرحلة هي علّقت العدو في الهواء، فالعدو قام باغتيال الجنرال تيسير الجعبري من سرايا القدس ثم طلب من حماس عدم الدخول في المعركة وهدد في حال دخلت المعركة فإنه سيوسع عمليته العسكرية، العدو بذلك يراهن على إستمرار العملية ليومين أو ثلاثة ايام بالحد الأقصى ويراهن على الاستفراد بالجهاد الاسلامي وباستنزاف قدراته، لكنه تفاجأ أن الرد جاءه على الهواء مباشرة من أمين عام الجهاد الإسلامي حيث أعطى أوامره للمقاتلين بالعمل وفق الخطة المتفق عليها، إذن هناك خطة معدة مسبقاً، ما تلك الخطة المتفق عليها؟
يجب ألا يُنسى أن الجهاد الإسلامي خاض مثل هذه التجربة عندما اغتال العدو قائد أركان المقاومة بهاء أبو العطا وها هو يتكرر نفس السيناريو، لكن اليوم وفي هذه المعركة سيعمل الجهاد الإسلامي وفق خطة متفق عليها، أي انها خطة وُضعت بعد تقييم مرحلة الشهيد ابو العطا، لتتحول إلى خطة الجعبري، وما بين الخطتين هناك معالجات والكثير من العبر، وواضح من خلال أداء سرايا القدس الميداني الذي يعمل على تنقيط العدو بالصواريخ وفي أكثر من إتجاه ساعية لاستنزافه والاستمرار في المعركة إلى أشهر وليس كما خطط العدو لأيام، إذن الجهاد الإسلامي حولت المعركة من استنزاف لها كما أراد العدو إلى استنزاف للعدو نفسه، الآن العدو سيبقى في هذه الدائرة المملة والمستنزِفة لجبهته الداخلية ولغته ستبقى كما هي وسيبقى يكرر كلامه: إذا دخلت حماس المعركة سنوسع العملية، وسيبقى يهدد الجهاد الإسلامي ويزيد من وتيرة تهديده التي ستصل في النهاية إلى ارتباك عنده مما يجعله يرتكب الأخطاء تلو الأخطاء، في هذه الحالة ستدوس أقدام الجهاد الإسلامي على أخطائه وتصعد درجات لتسجل نقاط إضافية في حالة الردع والوعي وفي النهاية سيذهب العدو صاغرا إلى الوسطاء، حينها ستفرض الجهاد الإسلامي ربما معادلات اشتباك جديدة وتضع اهدافا اخرى للمعركة، وهذا وارد جدا.
أهداف الجهاد الإسلامي وأهداف العدو
واضح أنه لا يوجد للعدو هدف معلن سوى اغتيال الجنرال تيسير الجعبري، وهناك مؤكد لديه أهداف اخرى غير معلنة ربما منها استهداف الجهاد الإسلامي بسبب يده الطويلة في الضفة مما حولها لمنطقة ساخنة على مدار الوقت، وهذا ما لم تُخفِه وسائله الإعلامية العبرية في سياق تحليلاتها العسكرية، والاهم هو ليس لماذا ضرب العدو وماذا يريد العدو؟ لكن الأهم هو ماذا تريد الجهاد الإسلامي؟ وكيف تحقق ما تريد؟
الآن الجهاد الإسلامي يرد على الاغتيال وهذا هدف واضح وهو يأتي في سياق إلتزام مسبق من الجهاد الاسلامي بأنه سيرد على أي اغتيال وليس فقط على اغتيال قائد من سرايا القدس، فالجهاد الإسلامي كانت سبّاقة بالرد على إغتيال القائد أحمد الجعبري وكذلك كانت سباقة بالرد على إغتيال القائد زهير القيسي أمين عام لجان المقاومة، إذن الالتزام بالرد على الاغتيال هو لدى الجهاد الإسلامي إلتزام وطني واخلاقي واستراتيجي وليس تكتيكي سواء هذا الاغتيال كان لأحد كوادرها أو كان لأحد كوادر أي تنظيم آخر.
لا أحد ينكر بأن هناك رهان على الضفة وهي قادرة على أذية "الاسرائيلي"، فالجو العام أصبح يشير لأن الضفة وغزة أصبحا قلب واحد وهمّهم واحد، فالضفة اقتربت كثيراً من نبض غزة في المواجهات والاشتباكات اليومية، والمعركة الدائرة الآن هي ليست إستراتيجية، بمعنى ليس لها هدف استراتيجي لكنها تأتي في سياق تحقيق أهداف استراتيجية وتثبيت معادلات اشتباك، المعركة بدأت عند إقدام العدو على الاغتيال، إذن هي تأتي في إطار الرد على عملية اغتيال، والرد على الاغتيال هو التزام مسبق، وصحيحٌ أن الرد بدأ بإطلاق الصواريخ لكن هذا لا يمنع بأن يكون هناك رهان بالرد من الضفة أيضا، أو وجود مفاجآت أخرى.
إذن الرد على عملية الاغتيال هو بحد ذاته هدف للمعركة لدى الجهاد الإسلامي، فلكل معركة هدف ولكل معركة مدى، وقد تظهر أهداف أخرى أثناء المعركة.
وكل ما جرى من غدرٍ يُثبت بأن استنفار سرايا القدس كان صحيح وفي وقته، ويثبت بأن السرايا التقطت منذ البداية نية غادرة وخطة خبيثة للعدو يسعى لتنفيذها، لذلك أعلنت سرايا القدس الاستنفار، ولولا استنفارها الذي بدأ منذ إعتقال الشيخ بسام السعدي حتى الآن لوقعت الكوارث التي كان يسعى العدو لها، فالعدو لم يأت فقط لاغتيال واحد أو استهداف واحد، ولم يفرِغ المستوطنات من حول غزة لاغتيال واحد ولم يهيئ جبهته الداخلية من أجل إغتيال واحد ولم يحشد جنوده وآلياته وقبابه الحديدية من أجل إغتيال واحد، بل كان يسعى لتوجيه ضربة قاسية للجهاد الإسلامي انتقاما منها لاستنهاضها مقاومة الضفة وتشكيلها للكتائب المسلحة ورعايتها ومتابعة تفاصيلها، لكن الله قدر لهذه الحركة المباركة أن تنتبه لهذه المكيدة الكبرى التي ذكّرتنا بمكيدة الحزام الناري.
الجهاد الإسلامي الآن وبعد تفكيك مكيدة العدو، أصبح زمام المبادرة بين أيديها وسيبقى مقاتلو سرايا القدس يستنزفون العدو لأيام وربما لشهور، وسيصبح العدو في النهاية أمام خيارين فقط، إما أن يذهب الى الوسطاء صاغرا، أو يذهب الى الوسطاء صاغرا.