منذ البداية لم يكن استنفار سرايا القدس بلا هدف، لقد كان إعلان الاستنفار على امتداد الأراضي الفلسطينية تأكيدا إجرائيا على وحدة الساحات وتشابكها، حيث أن حركة الجهاد تؤمن بأن النصر على العدو يمر عبر طريق الوحدة الفلسطينية، وحدة الشعب ووحدة الجغرافيا ووحدة المقاومة.
العدو لم يحتمل استنفار سرايا القدس رغم أنها لم تطلق رصاصة واحدة فقام بهاجمة الحركة في غزة واغتال الجنرال تيسير الجعبري ورفاقه لأنه توقع أن يكون نتيجة الاستنفار هو ردا من غزة كونها الأسهل، الأسهل في الرد والأسهل في مهاجمتها، لذلك الاستنفار جاء لردع العدو من تغوله في الضفة ورسالة له بأن يحسب حساباته جيدا.
الضفة منذ ما بعد سيف القدس تحولت لساحة حرب حقيقية بفعل جرائم العدو التي لم تتوقف ليلا ولا نهارا، لذلك سلوك العدو في الضفة حمل رسالة واضحة وهي: كسر شوكة المقاومة في الضفة، والاعتداء على رموزها الوطنية المحترمة، والخطير في هذه الرسالة أن لها علاقة بالوعي، لذلك كان الاستنفار صحيح كرد فعل على ما يجري في الضفة على اعتبار أن الوطن ساحة اشتباك واحدة كما أكدت عليه كل فصائل المقاومة.
الاستنفار على كامل الأراضي الفلسطينية أيضاً يعني تجميع الإمكانيات مما يزيد من فعالية الضغط على العدو، وإعلان الاستنفار هو تأكيد عملي على تشابك الساحات.
القائد زياد النخالة في تصريح له قال: المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة لها حضور قوي وهذا يشكل ضغط على العدو...وهذا كلام صحيح وكبير، فالضغط له مستويات، يبدأ بالضغط المنخفض وينتهي بالحد الأقصى من الضغط، والضغط يتم من أجل تحقيق شيئ، وأدوات الضغط تبدأ من التصريح وصولا للاستنفار وانتهاءً بالمقاومة الميدانية، وأحيانا يتم الضغط على العدو ولا يتم تحقيق نتائج، فيصير لزاما الزيادة في حجم الضغط كي يتم تحقيق نتائج.
الشيخ بسام السعدي لديه إثنين من أبناءه شهداء وما تبقى منهم قضوا سنوات في الاعتقال وهو نفسه قضى ما يزيد من 15 عاما في المعتقل، وهو شخصية محترمة لها رمزيتها الوطنية في الضفة، وبمثابة الأب لكل المقاومين في الضفة، وإن مشاهد الإعتداء عليه وسحله وهو رجل كبير في السن أثارت حفيظة كل المقاومين، كل ذلك ومع تواتر وتصاعد الاعتداءات في الضفة استدعى موقف من المقاومة على امتداد الوطن، وإلاّ كيف يمكن تحقيق وحدة الشعب والمقاومة التي تنادي بها كافة الفصائل؟!.
لذلك لا يجوز قراءة المشهد مثلاً بأن هناك 5000 معتقل وباعتقال الشيخ السعدي صاروا 5001، القصة لا تُقرأ هكذا، وهي ليست قيادة أو إدارة أرقام، ولا يجب تُقرأ بأن هناك معتقل كبير ومعتقل صغير، إنها إدارة صراع كبير وليست إدارة لأرقام المعتقلين، وكما قال المجاهد زياد النخالة: نحن نقاتلكم على كل شيئ كما تقاتلوننا على كل شيئ، كل شيئ يعني التفاصيل، وفي هذا الموضوع تحديدا وطريقة إعتقال الشيخ السعدي كان هناك جانب تفصيلي معنوي مهم للمقاومة وحاضنتها، حيث أن الشيخ بسام يُعتبر رمز للمجاهدين ومؤسِّس وقائد وله قيمته وكبير في السن وتم سحله والاعتداء عليه واعتقاله، فكان استنفار السرايا في وقته صحيحاً وجاء ليحافظ على معنويات المقاومة وحاضنتها التي أراد العدو أن يكسر شوكتها بتصديره لتلك المشاهد واعتقاله لرمز من رموزها.
وإن أي نتائج تتحقق في هذا السياق فإن لها قيمة كبيرة وعالية لدى المقاومة في الضفة مما يعزز من صدقيتها، والمصداقية تعني مزيد من الالتحام، وهذا ما يتخوف منه العدو.
الصراع الدائر هو صراع كبير، والعدو لا يترك تفاصيله، والمقاوم يجب عليه أن يشتغل على التفاصيل الصغيرة حتى يحقق نتائج، فالخوض في التفاصيل هو يحقق ويُراكم النتائج، ولا يكفي أن يُقال بأننا نريد تحرير فلسطين وكفى، الصراع هو متابعة كل صغيرة وكبيرة فيه، فالعدو يصارعنا على الثوب الفلسطيني والفلافل والحمص، وللأسف هناك من يستكثر استنفار المقاومة وقتالها من أجل المقاومة وحاضنتها في الضفة!!.
المناضل مطلوب أن يكون عقله كبير وواسع ولديه أفق وأبعاد ولديه قدرة على التأمل والاستبطان، ولديه مقدرة على قراءة ما بين السطور وما بعد السطور وما بعد بعد السطور، وأن يقرأ ما يُكتب وما لم يُكتب، والمناضل والقائد لا يجب أن يغلق أذنه وعينيه ثم يقرأ الأحداث بسطحية وضحالة.
الشيخ بسام السعدي ليس قائد عسكري، لكن لديه حضوره ويستطيع التوجيه والتأثير في حاضنة المقاومة، وهو لم يكن مطارداً في الجبال بل كان في بيته عند اعتقاله، وإن استنفار سرايا القدس من أجله ومن أجل الاعتداءات في الضفة ومن أجل عواودة لهي رسالة طمأنة وثقة وارتياح للمقاومة وحاضنتها بالضفة، ومن يتابع تصريحات الناس بالضفة سيلمس بوضوح إرتفاع منسوب المعنويات لديهم منذ إعلان الاستنفار، ورسالة والد الشهيد رعد خازم نموذجا لذلك عندما قال بأننا ننتظر تعليمات السرايا ونحن نأتمر بتعليمات الجهاد الإسلامي، وهذه ومثلها عشرات ومئات الرسائل التي تشير لارتفاع المعنويات لدى حاضنة المقاومة مما سيزيد مستقبلا من قوتها ومن فعلها ومن احتضانها.
يجب أن يكون دوماً هناك أهداف للفعل المقاوم، والاستنفار هو فعل مقاوم، والأهداف متنوعة مثل: عدم الاجتياح يعتبر هدف، عدم اقتحام الاقصى هدف، عدم هدم البيوت هدف، عدم الاغتيال هدف، وعدم الاعتقال هدف، واطلاق سراح معتقل هو هدف، كلها أهداف وغيرها، كل هدف له وسائل لتحقيقه والضغط بما يناسبه، فكل ضغط بحجم معين يؤدي إلى نتيجة معينة، هناك ضغط عالي المستوى مثل إطلاق صواريخ مباشرة، وهناك ضغط متوسط المستوى مثل الاستنفار، وهناك ضغوط منخفضة المستوى أي لا يُعطي لها العدو أي قيمة.
كل وسيلة ضغط يفترض أن تعطي نتائج، وفي حال لم تُعطي النتائج المطلوبة أو أقل من المطلوبة مطلوب حينها مراجعات وتقييم لوسيلة الضغط ولخط سير عملها وأهدافها.
لذلك نحن بحاجة أكبر لفهم إدارة الصراع، لأنه صراع معقد وخطر جدا وتفاصيله معقدة جدا وبالتالي الصراع بحاجة إلى عقول مركّبة، وليس بحاجة لعقول "سكر خفيف".
وبرأيي إن حضور المقاومة بالضفة كحالة، الآن هو مختلف عن السابق، وهذه الحالة المختلفة بحاجة إلى رعاية مستمرة وحضور دائم وجهد كبير يتابع تفاصيل التفاصيل، ويدعم المجاهدين وعوائلهم وكذلك رموزهم الوطنية والملهمة، فأي غياب عن تفاصيل تلك الحالة المختلفة أو أي قراءة خاطئة يمكن أن تؤدي إلى انتكاسة، وهذا ما يراهن عليه العدو عندما يخوض في التفاصيل ويعتقل رمز من رموز المقاومة ظناً منه أن المقاومة غافلة عن هذا التفصيل الذي له علاقة بالوعي والمعنويات وهي الزاوية الخطرة التي جاء العدو ليضرب منها.
فالقصة ليست لها علاقة بأن هذا المعتقل أفضل من ذاك، ولكن لها علاقة برمزيته وحضوره واحترامه ووجاهته، فالمقاتلون على الأرض هم من جيل أحفاده.
لذلك إدارة الصراع بتفاصيله أهم من الخطب في المظاهرات، إدارة الصراع بتفاصيله تؤدي للمعرفة أين يمكن التشدد في المواقف وأين يمكن التراخي في بعضها، لذلك ترى المجاهد زياد النخالة ومن خلال تواصله المباشر مع عوائل الشهداء والأسرى ومن يهدم بيته حتى مع الأطفال، تراه يقود معركة بأدق تفاصيلها، لذلك لم يكن مفاجئا بأن تقوم سرايا القدس بالرد على العدوان وتسمية العملية ب وحدة الساحات.
بعد الاغتيال وعلى الهواء مباشرة أعطى الأمين العام للجهاد الإسلامي الأمر بالرد على الاغتيال، وهذا بحد ذاته أحد أهداف العملية وقد تحقق بالفعل وقد شاهد العالم كله بسالة وصلابة سرايا القدس في الرد على العدوان، ثم تبِع ذلك تسميه العملية باسم وحدة الساحات وهذه أيضا نقطة مهمة بأن يتم ترجمة ما يُقال عملياً ثم وضعها في قالب استراتيجي، وللتأكيد على وحدة الساحات تم وضع مطلب الإفراج عن الشيخ بسام السعدي، والاسير خليل عواودة المضرب عن الطعام منذ ما يقرب من 5 أشهر، وبذلك تكون تحققت كل مطالب الجهاد الإسلامي في هذه الجولة من جولات الصراع.