بقلم/ محمد الفارس
عبارة تبدو بسيطة أكد عليها الأمين العام للجهاد الإسلامي المجاهد زياد النخالة في مؤتمره الصحفي بالأمس، في إشارة منه إلى الضفة والقدس وغزة، تلك العبارة نعم هي بسيطة لكن في بساطتها يكمن جوهر وحقيقة ما تصبو إليه المقاومة وهي عبارة عن الرسالة الضد لما يسعى إليه العدو من تفتيت الساحات الفلسطينية والاستفراد بها واحدة بعد أخرى، أنتم نحن ونحن أنتم، قوتها في بساطتها، وإن بساطة مطالب المقاومة الفلسطينية في عملية وحدة الساحات هي أيضا أتت ترجمة لهذا المفهوم النضالي الوطني المهم، ومن البلاهة أن يقرأ البعض رسالة مطالب المقاومة على اعتبارها مطالب شخصية.
لقد جاء الانقسام بوحشيته وبدمويته غير المألوفة على شعبنا نتيجة لعوامل تراكمية ونتيجة للتعبئة المضادة والتي عكست حالة من الاضطهاد والتمييز التي عانت منه ساحات الوطن، كل ذلك كان بمثابة وجبات دسمة لتغذيةٍ ولتربيةٍ عميقة عززت الشعور بالتيه واليُتم لدى أبناء الشعب الواحد أدى في نهاية المطاف إلى انقسام جغرافي أثر على وحدة شعبنا الفلسطيني وعلى وحدة مقاومته للاحتلال وكانت محصلته إيجابية للعدو سجل من خلالها العديد من النقاط لصالحه.
جاءت معركة سيف القدس محاولة لإنهاء الانقسام على المستوى النّفسي وعلى المستوى الشعبي وعلى مستوى الجغرافيا لتقول للناس في القدس والضفة والداخل المحتل وغزة بأننا شعب واحد وما يهم ساحة يهم الأخرى وما يصيب منطقة إشتباك يصيب الأخرى، سال الدم المبارك في سيف القدس لأجل هذه الرسالة النبيلة والتي استحقت كل تلك الدماء، وقد تلقف شعبنا الفلسطيني هذه الرسالة وتفاعل معها وأيدها، كونها رسالة وعي ومصير، رسالة كانت لابد أن تؤسس لوحدة الشعب والجغرافيا وكان لابد وأن تصل لعقول الناس من أجل أن تعيد الثقة بين أبناء الشعب الواحد، وفي المقابل هناك عدو يستخدم كل إمكانياته وأدواته الأمنية والعسكرية والاقتصادية والاعلامية كي يُبقي الفلسطيني منقسما على نفسه كهدف استراتيجي له آمن بأنه يجب الحفاظ عليه حتى لو دفع الأثمان من أجله، ولا نستغرب من بعض الصحافة العبرية حين تقول بأن الغاية "الاسرائيلية" الآن هي عدم ترابط الساحات الفلسطينية.
بعد سيف القدس دأبت المقاومة في تفعيل العمل المقاوم في الضفة وذلك كحصاد طبيعي ونتيجة لمعركة سيف القدس، فليس من المعقول أن تُخاض المعارك ذات الأهداف الاستراتيجية ثم النتيجة تكون كلاما وشعارات إعلامية فقط، بل يجب استثمار تلك الدماء من أجل المراكمة في الفعل المقاوم بتفعيل وإشعال الضفة التي هي أخطر مليون مرة على العدو من غزة كونها مركز صراع وتهديد حقيقي ووجودي له، وكانت على رأس فصائل المقاومة التي شكلت كتائب عسكرية في الضفة هي سرايا القدس، وكلما تمددت المقاومة وشكلت المزيد من الكتائب وازدادت الاشتباكات على الحواجز كلما ثار غضب وذعر العدو منها لشعوره بخطر ترابط الساحات، فكانت الاعتقالات تارة للمقاومين بالضفة وذويهم والاغتيالات وهدم المنازل تارة أخرى والتنكيل بهم وبرموزهم الوطنية، كل ذلك استدعى موقفا من المقاومة كي يعيد العدو حساباته ويتراجع عن خطته الهادفة لكسر شوكة المقاومة في الضفة، جاء هنا استنفار سرايا القدس كرد فعل على كل ذلك، إيمانا منها بأهمية ترابط الساحات على مستوى كامل تراب الوطن واستكمالا وتثبيتا لما بدأته معركة سيف القدس، كي لا يتم الاستفراد بساحة دون أن تتداعى لها باقي الساحات الأخرى، ففلسطين كالجسد الواحد كلما اشتكت ساحة مطلوب أن تتداعى سائر الساحات لها بالنصرة والمقاومة، على اعتبار أن الوطن ساحة اشتباك واحدة، وهذا لن يحدث بالعبارات المنمقة أو بالطّلات الإعلامية أو بالخطاب في المظاهرات، لكن المطلوب الفعل العملي لتحقيق الوحدة.
الضفة أو القدس وعند أي ضائقة تجدها تستنجد بغزة، وهذا الاستنجاد ليس عاطفيا أو لمجرد دغدغة للعواطف بل هو نداء استغاثة حقيقي وجاد للمقاومة، نداء استغاثة ممزوج بالألم والبكاء والقهر أملا بالتخفيف عنها، لذلك المناضل الحقيقي الذي يسعى لتحرير وطنه مطلوب منه يفكر بحسابات وطنية وأن يبتعد عن الحسابات الحزبية والشخصية، فالنضال من أجل القضايا الوطنية أسمى وأنبل ويشكل رافعة للجميع، أما الحسابات الحزبية لا ترفع حزب ولا وطن وفي النهاية تهلك معها حتى المصالح الشخصية.
وأختم مقالتي بسؤالين لكل شخص يعتبر نفسه مناضلا من أجل الحرية، هل تعتبر الوطن ساحة اشتباك واحدة؟ وفي حال أنك اعتبرته كذلك، ما المطلوب لتحقيق تلك الغاية؟