من الطبيعي أن ترى أمًا فقدت ابنها للتو تبكي بكاءً حارًا، وأن تُخفي وجهها عن كاميرات الصحفيين التي تحيط بها، وأن تنتظر جثمان نجلها حتى يصل إلى المنزل لتطبع على جبينه قبلة الوداع؛ لكن ما جرى اليوم مع أم ابراهيم النابلسي يختلف تمامًا عن الواقع والطبيعي، فقد رسمت أجمل صورة لأمهات شهداء فلسطين.
كانت كالصخرة الشماء، وسط الآلاف من الرجال والنساء، توزع الابتسامات على الصحفيين، وتطلق العنان للسانها يغرد كالطائر الحر، تعمل كالطبيبة النفسية تخفف آلام بعض النسوة عبر الدعاء لنجلها الشهيد الذي اغتالته قوات الاحتلال الإسرائيلي برفقة "كاتم أسراره" إسلام صبوح، مؤكدة أنها قد رضيت تمامًا عن نجلها، وتتمنى من الله تعالى أن يرضى عنه وأن يسكنه الجنة مع الشهداء والصديقين.
صورة أم إبراهيم تحولت إلى أيقونة لكل نشطاء منصات التواصل الاجتماعي في فلسطين، الذين عبروا عن ضعفهم أمام قوة تحمل وصبر أم إبراهيم، وعبروا عن فخرهم وعزهم بما فعلته هذه الأم الفلسطينية التي ضحت بفلذة كبدها من أجل فلسطين وكرامة المسجد الأقصى مسرى النبي صلى الله عليه وسلم.
ما أن شاهدت الناشطة رهف سوالمة صورة أم إبراهيم بالعزيمة والقوة التي تميزت بها، حتى اقتبست بشكل سريع كلمات من الشاعر حسن عبد الله والتي ألقاها مرسيل خليفة حينما قال: "أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها وعاد عاد مستشهدا"
وقالت رهف في منشورها على حسابها في الفيسبوك: "لله درك يا أم إبراهيم، استقبلت نبأ استشهاد ابنها بالزغاريد، وحملته في نعشه وامتشقت سلاحه"، ثم اقتبست أغنية ثورية مطلعها: "طلت البارودي والسبع ما طل".
وعلق ناشط فلسطيني آخر: "أب وأم يحملان نعش نجلهم إبراهيم ابن عامًا وهو ابن عائلة مناضلة، ترجل اليوم عن صهوة جواده حيث ارتقى إلى العلا شهيدا بعد خوضه ورفاقه اشتباكات عنيفة مع قوات الاحتلال الغاشم الذي اقتحم واجتاح نابلس مسخرا كل إمكاناته لاغتيال وتصفية الشباب، لأرواحهم الرحمة ولذويهم الصبر والسلوان".
فيما كتبت الناشطة حنين زين الدين: "عظيمة هي أمك يا إبراهيم ... وعظيم ابنك يا أم إبراهيم رحمك الله يا شهيد واسكنك الفردوس الأعلى وجميع الشهداء يا الله".
بعض الناس اتهم "أم إبراهيم" بأن قلبها قاسٍ على نجلها؛ لكن الناشطة أمل ضبان أوقفت الجميع عند حده بما عبرت عنه بقوة وإيمان خالص بقوة الله عز وجل وحب "أم إبراهيم" لنجلها الذي ودعته بالزغاريد والابتسامات، وكتبت على حسابها في الفيسبوك: "ولا إم تفكر حالها بتحب ابنها أكتر من إم إبراهيم .. ولا إم تحكي شو هادا ما أقساها ما أقواها وكيف هيك!! هادي الأم فهمت معنى الدنيا كويس .. وعشانها بتحب ابنها رضيت باختياروا .. ودفعتو لأمنية حياتو اللي كان بيجري وراها .. اللي بصير معها واللي بتحكيه مش بمجهودها البشري أبداً.. يد ربنا الخفية طبطبت على قلبها .. أفرغت عليه صبر، وأعطت كتفها القوة إنها تحطه عليه وتزفه لمثواه الأخير".
وأضافت: "قوة ربنا أعطتها القوة توقف وتحكي وتزغرد وتقهر اليهود، وهادا الموقف حيكون حجة على أي أم بتمنع ابنها أو بتوقف بوجهو .. هادي الأم اسطورة وجبل .. هادي قدوتنا كلنا .. هادي الأم بتمثل صورة الأم الفلسطينية الحقيقية، اللي عرفت تربي وتصنع وتثأر بطريقتها.. كلنا بنحبك .. كلنا ولادك .. وولادنا ولادك يا تاج راسنا انتي".
الناشطة سالي كراجة كتبت على حسابها: "يا حبيبتي يما يا حبيبة قلوبنا، كلنا ولادك يا إم ابراهيم كلنا ولادك يا أم الأسد وفلسطين، كلنا ولاد كل اميات الشهداء من الرضيع للكبير، أسياد الوطن، أبطال فلسطين، اللي مشاهم فوق روسنا من فوق، الله يرحم كل شهدائنا، معلش يما كلنا فدا الوطن، روحنا ودمنا وعروقنا فدا هالأرض، كلنا يما شهدا بإذن الله، ملتقاكم الجنة بصحبة رسولنا العظيم.. صبركم الله يا تاج الوطن".