قائمة الموقع

الشهيد شادي كحيل.. خبزٌ وحصان مغموسان بالدم على المفترق!

2022-08-15T18:05:00+03:00
الشهيد شادي كحيل.jfif
شمس نيوز - مطر الزق

تدور عربة الحصان مسرعة تجاه الشرق، يُمسك شادي الذي يقف على حافة العربة بـ"لجام الحصان"، ويشده بقوة، وقد أشاح بيده اليسرى العرق عن جبينه، كان يصارع الوقت للوصول إلى البيت واحتضان أطفاله الصغار الذين ينتظرونه على أحر من الجمر، إلى جانبه يوجد خبز ناشف، وكعك، وبعض الحاجيات، وعلب بلاستيكية فارغة، وقبل نحو ساعة من غروب الشمس، وقعت الفاجعة!

شادي كحيل (27 عامًا) متزوج ولديه طفلان -زين 8 شهور والطفلة ريتاج 6 أعوام-، يُعيل والدته في منزل أشبه بـ"الخرابة"، في إحدى زوايا المنزل يجلس أطفاله يتضورون جوعًا، صراخهم يعلو شيئاً فشيئاً، فهو لم يعمل منذ يومين، الأوضاع الصعبة جدًا، دفعته، للعمل تحت أزيز الطائرات، وعلى وقع الأخبار التي لا تتوقف عن نقل الأحداث.

اضطر شادي للمكوث في المنزل على مدار يومين؛ خشية على حياته؛ لكن إلى متى؟!، فهو إن لم يعمل لن يأكل!، فالواقع الذي يعيشه شادي كغيره الآلاف من الشبان مؤلمٌ جدًا، نظراته كانت تتفحص أطفاله وجدران المنزل، ولسان حاله يقول: "ماذا أفعل؟!، هؤلاء مسؤوليتي!، أبي مريض ويعيل 6 أطفال من زوجته الثانية، ووالدتي أصيبت بجلطة دماغية ومريضة قلب، وزوجتي صغيرة لا تقوى على العمل، وأنا الوحيد الذي أُعيل أسرتي، ماذا أفعل يا الله؟".

الصراع الذي يعيشه شادي، دفعه لتفقد باب منزله ذهابًا وايابًا، يُفكر فيما سيفعل، فوقعت عيناه على الحصان الذي استأجره قبل شهر تقريبًا، ليسدد سعره على مدار الشهور القادمة، فزاد همَّه، أطفال يصرخون من الجوع بين جدران تلك الغرفة، وحصان قد زاد من حجم الديون على عنقه، في تلك اللحظة رأى صديقه خالد ياسين، فسأله إذا أحب الخروج معه في تلك الظروف الميدانية الصعبة؟!".

كان شادي يبحث عن مرافق يتقاسم معه مخاوف الحرب، التي خطفت أرواح الأطفال والنساء وكبار السن، ودمرت منازل المدنيين الآمنين، فاستجاب الصديق فورًا، لترتسم علامات الفرح والسرور على وجه شادي الذي وجد أخيرًا الحل لإخماد صراخ أطفاله، فقام الصديقان بتجهيز الحصان بسرعة.

صوت سلاسل الحصان وصهيله دق في أذن والدة شادي التي قالت له: "الوضع خطير لا يسمح بالخروج للعمل، ابقَ في المنزل، بكرة بتوقف الحرب وبتشتغل براحتك"؛ لكن الراحة التي كان يبحث عنها شادي كانت بخروجه من المنزل والبحث عن لقمة العيش.

استعان شادي بالله عز وجل، وخرج برفقة صديقه تحت أزيز طائرات "الزنانة" التي تصم الآذان، عصر يوم الأحد الموافق (7-8-2022) بحثًا عن لقمة العيش، أسرع الحصان؛ فالطرقات شبه فارغة إلا من سيارات الإسعاف والدفاع المدني، ولا يوجد ما يقف بطريقه، تقول والدته: "ذهب للبحث عن العمل في أحد المخابز؛ ليجمع بعضًا من الخبز الناشف أو المحروق أو البايت وبعضًا من الكعك؛ ليخمدَ جوع أطفاله، ثم ذهب إلى مكب النفايات بحثًا عن علب فارغة وبلاستيك لبيعها".

بحزن شديد أكملت والدته الحديث عن الدقائق التي سبقت الفاجعة، فتقول وفق رواية شهود عيان: "أثناء عودته من المخبز، استهدفته طائرة استطلاع إسرائيلي بالقرب من سوق فراس؛ ما تسبب باستشهاده وصديقه خالد ياسين، إضافة إلى شرطي مرور، أما الحصان الذي لم يتمكن شادي من سداد سعره بعد فقد قتل في نفس الغارة".

اختلطت الدماء بالخبز الناشف والكعك، والعلب الفارغة، أما عربة الحصان فقد تحولت إلى قطع متناثرة مصبوغة باللون الأحمر، وصعدت روح شادي وصديقه خالد وشرطي المرور إلى بارئها؛ لتعلن عن أزمة كبيرة لعائلة شادي التي كُسر ظهرها باستشهاده.

في زاوية مهترئة من المنزل، تجلس زوجةُ شادي فتحتضن أطفالها خشية من أن يخطفهم صاروخ إسرائيلي آخر، تقول: "من سيُطعم هؤلاء اليتامى؟ يحتاجون يوميًا إلى الحليب والبامبرز، كان شادي يشتري لنا البامبرز قطعةً قطعةً، فهو لا يستطيع أن يلبي رغبات الأطفال، بسبب قلة ما في اليد، فكيف الآن وقد حرمنا الاحتلال الإسرائيلي من معيل الأسرة الوحيد".

‏تمسح زوجة شادي الدموع من وجنتيها وتكمل حديثها المؤلم: "والد زوجي يعيش مع زوجته الثانية ولديه أسرة من 6 أطفال، أما والدته فهي تعاني من جلطة دماغية ومريضة قلب لا تستطيع العمل".

تعيش عائلة شادي في الطابق الثاني فوق منزل والده، فغرفة نومه مسقوفة بالزينكو وتعاني جراء الحرب فقد تشققت جدرانها، أما باقي الشقة فهي لا تصلح للسكن وفقًا لوالده.

الحياة المأساوية التي تعيشها عائلة شادي كحيل زادت الجرح والآهات والأحزان باستشهاد شادي، فقد أصبحت الزوجة التي حملت الراية بعد شادي وحيدة، تواجه قساوة العيش وضنك الحياة، متأملة من الله تعالى أن يمن عليها بمن يقف إلى جانبها لمساعدة أطفالها الصغار.

وشهد قطاع غزة تصعيدًا عسكريًا يوم الجمعة 5 أغسطس 2022 استمر لمدة 3 أيام بين حركة الجهاد الإسلامي وجيش الاحتلال الإسرائيلي عقب اغتيال الاحتلال الإسرائيلي قائد المنطقة الشمالية لسرايا القدس الشهيد تيسير الجعبري، ما دفع سرايا القدس للرد على الجريمة وأطلقت على المعركة اسم "وحدة الساحات".

واستشهد خلال معركة "وحدة الساحات" 49 شهيدًا بينهم 16 طفلا وثلاث نساء وإصابة 360 آخرين بينهم 151 طفلا و59 امرأة، وفقا لوزارة الصحة، فيما أصيب أكثر من 60 صهيونيًا بسبب صواريخ سرايا القدس التي تمكنت من فرض حظر التجول في جميع المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، وتسببت بخسائر اقتصادية كبيرة جدًا.

 


 

اخبار ذات صلة