لايزال الكثير من الفلسطينيين يرددون مصطلحات ومفردات لا تنسجم والواقع الفلسطيني ويعتقدون بأن شعبنا يعيش في دولة مستقرة لها جيش نظامي ومجلس تشريعي وفيها تداول سلمي للسلطات، هؤلاء يتناسون أن الشعب الفلسطيني كله لايزال تحت الإحتلال والاعتداء.
إن كلمة السر في هذا الصراع هي: أننا لازلنا في مرحلة التحرر الوطني، وإن استحقاقات التحرر الوطني تختلف عن استحقاقات الدولة، والمفردات والمصطلحات المستخدمة في مرحلة التحرر الوطني تختلف عن المفردات والمصطلحات المستخدمة في الدول التي لها سيادة وحدود برية وبحرية ومجال جوي.
عندما يُقال " قرار السلم والحرب، أو التداول السلمي للسلطات، أو الانتخابات، أو المجلس التشريعي" كل تلك المفردات هي تليق بدولة قائمة، ولا تليق بشعب يُقاوم الاحتلال، وفي حال إسقاط مفردات الدولة على شعب يقاوم الاحتلال، هنا يحدث ما يُسمى بإبتذال المراحل، وتلك هي وصفات سحرية للاختلاف والصراع ولتعميق الأزمات بين قوى التحرر، وهذا ما نرى نتائجه على الأرض، حتى العلاقات السياسية والوطنية والحزبية تختلف تماماً في مرحلة التحرر الوطني عنه عندما تكون دولة، كل ذلك ينسحب أيضاً على الوزارات والحكومات والسفارات والسلك الدبلوماسي وصولاً إلى الانتخابات، لذلك التنظيمات المقاومة مطلوب أن تكون منسجمة مع نفسها، وأن يكون خطابها السياسي يتحدث عن تحرير الأرض وعن مقاومة المُحتل ولا يتحدث عن مفردات وكأن الدولة أصبحت قائمة، لأنه ببساطة الدولة لم تأتِ بعد ومطلوب القتال من أجل تحرير الأرض ثم بعد ذلك تأتي الدولة.
سنضرب مثالا كيف أنَّ استخدام مفردات الدولة يترتّب عليه الكثير من الأزمات إذا ما أُستُخدمت في مرحلة التحرر الوطني، مثلاً: الانتخابات في الدولة، فإن خوضها يعني حسم الوضع الداخلي لصالح طرف بعينه وهذا بالتأكيد سيزيد من الصراعات بين القوى المتنافسة مما يؤدي إلى تقاذف الاتهامات فيما بينها، أمَّا في مرحلة التحرر الوطني فإن التنافس يتم في كيفية تعزيز الوحدة الوطنية لمقاومة الإحتلال، وليس على مبدأ الأغلبية والأقلية، ولو نظرنا لما حدث في المجلس التشريعي وانتخاباته التي جرت في مرحلة تحرر وطني وكأنه هناك دولة قائمة، بعد سنوات تهاوى وتبخر المجلس التشريعي في ليلة وضحاها وتمَّ حلُّهُ لأنه مفردة من مفردات الدولة، أليس كذلك؟ فهو لم يستطع أن يعيش في مرحلة ليست مرحلته ولا زمان ليس زمانه، فالمزارع لا يستطيع قطف الثمرة قبل نضوجها، وهكذا نحن الفلسطينيين لا يمكن لنا أن نعيش في دولة قبل تحرير الأرض.
وكذلك مصطلح "قرار السلم والحرب" هو يصلح إستخدامه بين الدول القائمة والمستقرة والتي لديها جيوش نظامية ولا يليق وصف حركات التحرر وكأنها جيوش نظامية مستقرة وتمتلك قرار السلم والحرب، لأنه ببساطة؛ الشعوب المحتلة معتدى عليها على الدوام، والشعب الفلسطيني معتدى عليه بفعل إحتلال أرضه وبفعل بناء المستوطنات وتدنيس المقدسات ووجود الأسرى واللاجئين وبفعل الحصار، هو معتدى عليه حتى لو لم يُطلق طلقة، فلا يوجد قرار إسمه "السِّلم" مع من يحتل فلسطين والمسجد الأقصى وإنما هو قرار المواجهة والاشتباك المستمر، وهنا لا يقصد بالاشتباك المستمر أن يتم إطلاق الصواريخ إلى أن تقوم الساعة، وإنما الاشتباك مع العدو بشتى الوسائل المتاحة، المهم الحفاظ على ديمومة الاشتباك معه، لذلك على السياسيين التواضع وعدم الإستعلاء في إستخدام المفردات السياسية والعسكرية عند وصفهم الحالة النضالية لشعبنا الفلسطيني، التواضع وعدم الاستعلاء هنا بمعنى الانسجام مع الواقع وعدم تصدير مفردات للعالم وكأن الفلسطينيين استقر حالهم وأصبح لديهم دولة يقررون فيها حالة السلم والحرب.
هناك بديل عن هذه المفردة "السلم والحرب" وهو ما ينسجم مع طبيعة الصراع هو "التهدئة الميدانية أو الاشتباك"، وهذا جائز لكل حركات التحرر بأن يتم عقد تهدئة ميدانية مع العدو لإلتقاط الأنفاس لمدة محددة وليست مفتوحة وفق متطلبات الميدان، وكلما كانت التهدئة قصيرة الأمد كلما كانت أفضل، وهذا خاضع لمبدأ الربح والخسارة، ففي حال كان الربح منها أكبر من الخسارة إستمرت التهدئة إلى مدَّتها وإلاَّ على المقاومين ضرب التهدئة بأحذيتهم في حال كان الضرر منها أكبر من المنفعة، وإن أهم معيار لإبرام أي تهدئة ميدانية هو مدى ارتباطها بالقضايا الوطنية وليس إرتباطها بالقضايا الحزبية أو الشخصية، لذلك هي دعوة لكل سياسي مناضل يسعى للخلاص من إحتلال وطنه أن يدرك جيداً ما يُخرِجه فَمه من مفردات ومصطلحات سياسية أو عسكرية لا تنسجم مع الواقع الفلسطيني النضالي.