إن المتابع للمعركة الأخيرة من العدوان الإسرائيلي وما أفرزته من مواقف أثناء العدوان وما بعد العدوان في ضوء بعض التطورات في المواقف السياسة والعسكرية، وخاصة في تحديد اتجاهات ومسارات حركة حماس على الأقل في الوقت الحالي تجاه مسيرة المقاومة يجد أن المشهد بات أكثر وضوحاً في تقييم رؤية حماس وتوجهها السياسي للمرحلة المقبلة، الأمر الذى أكسبها حالة من التأييد والرضى السياسي على مستوى بعض دول الإقليم وربما أيضا على المستوى الدولي.
لذلك تسعى حماس لإظهار إدارتها لغزة سياسياً بأعلى درجات النضج والحكمة والمسؤولية تجاه السكان، بعيداً عن العواطف وردات الفعل من وجهة نظرها و التي ربما شكلت لحركة حماس وبعد أربعة حروب حالة من الوقوف مع الذات المصلحية، مما جعلها تعتقد بعدم جدواها في الوقت الحالي، ولم تعد بالمصلحة على الجانب الفلسطيني،(الحمساوى) وخصوصاً في غزة،ونتيجة لإستمرار حكمها وحصار غزة تراكمت العديد من الكوارث الإنسانية .. الأمر الذى دفع حماس لجعل الملف الإنسانى أولوية لها في غزة، وذلك كمقدمة لطرح مواقفها الجديدة تجاه تبريد ساحة غزة باتجاه مرحلة سياسية جديدة استدعتها ضرورات ومتطلبات شعبية وفق هذه التطورات في المشهد الفلسطيني.
وفي هذا الإطار أعتقد بأن حركة الجهاد الإسلامي أصبح لزامًا عليها تقييم الحالة والواقع برمته؛ لأن الأمر بات مسألة ضرورية، بل أقول مصيرية لما ستؤول إليه الأحداث مستقبلاً، وأن يكون هذا التقييم مستدعيًا لكل مناحي الحالة التنظيمية الداخلية والخارجية للحركة، والأهم من ذلك هو رؤيتها حول ترتيب العلاقات الخارجية وفق الأجندة التي ربما تطرح في قادم الأيام، والتي في حال حدوثها سيتحدد شكل المشهد وفقاً لذلك.
ومن وجهة نظري الشخصية ربما يتطور الموقف بإتجاه العودة لطرح هدنة طويلة يتم من خلالها التفاوض مع حماس على شكل وكيفية وثمن هذه الهدنة، بالإضافة الى حل موضوع الجنود الأسرى لدى حركة حماس كرزمة واحدة للحل، وربما يدعم ذلك ما أكده القيادي في حماس السيد موسى أبو مرزوق خلال لقاء تلفزيوني حول مسألة مفاوضات حماس مع الاحتلال فقال بأنها مسألة طبيعية، ولا يوجد أي حرج شرعي في هذا الموضوع، وكما تفاوض حماس إسرائيل بالسلاح يمكن أن تفاوضها بالكلام، فقد تضطر حركة حماس إلى التوجه نحو سلوك نهج التفاوض، وأن ما كانت تعتبره حماس من الممنوعات و التابوهات سابقًا ممكن أن يكون مطروحاً على أجندتها، وختم كلامه بآن على الآخرين أن يعلموا أى الفصائل الآخرى أن التفاوض مع الإحتلال وفق المفهوم المطروح هو أمر غير محرم ويمكن ترجمته على أرض الواقع إذا ما إستمرار الأمور على حالها
وبناء على تصور القيادي موسى أبو مرزوق فربما نشهد في المرحلة المقبلة حالة من التجييش والترحيب والترغيب للحالة الإنسانية في غزة، ويصبح عنوان المرحلة القادمة (بدنا نعيش)، ولكن هذه المرة بدعم وتأييد ومباركة من حركة حماس؛ للتخفيف من أعباء إدارة غزة والمشكلات الاقتصادية والإنسانية لأهل القطاع التي خلفها الانقسام منذ 15 عامًا.
وحول هذا الجانب تطرق المحلل السياسي الإسرائيلي (موتى كيدار) إلى أن هناك تفاهمًا ضمنيًا وغير معلن بين إسرائيل وحركة حماس، ويتجلى ذلك على أرض الواقع بالأمور الحياتية اليومية في القطاع، وذلك من خلال تزويد الاحتلال لقطاع غزة تحت قيادة حماس بالوقود والكهرباء والمعونات الطبية، بالإضافة إلى ثلاثة ملايين دولار شهرياً ومئات الشاحنات المحملة بالخضروات والفواكه والسلع المختلفة، وهناك اتفاق على سلسلة عريضة على المستوى الحياة اليومية، بالإضافة للسماح إلى ثلاثين ألف عامل يعملون داخل الأرض المحتلة.