مما لا شك فيه أن المقاومة صفة لازمت الشعب الفلسطيني على مر العقود السابقة، وفي كل مرحلة كان يبرز رمزاً وقائداً يصبح بمثابة المجدد لفكر المقاومة ويعطيها الزخم المطلوب بصدق، أزعم بأن السنوات الأخيرة خلقت أمامنا نموذجاً ثورياً من هذا الطراز الفريد بحجم الاخ أمين عام حركة الجهاد الإسلامي المجاهد أبو طارق النخالة، بكل ما يحمله هذا الرجل من جرأة واقتدار وكاريزما في إعادة بث روح المقاومة في الضفة المحتلة بعد أن كانت في اضعف حالاتها، وكذلك تعزيز قوة المقاومة ودورها في قطاع غزة حتى أصبح ذكر اسم سرايا القدس ومعها فصائل المقاومة تؤرق المؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية.
بالأمس جمعني لقاء مع احد أعضاء المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي، وخلال هذا اللقاء تحدثنا مطولاً عن معركة وحدة الساحات ودورها ونتائجها في تعزيز الوعي الجمعي لأمتنا العربية والاسلامية ولشعبنا الفلسطيني وقدرتها على توجيه ضربة قوية للمشروع الصهيوني الذي حاول استخدام كافة الأساليب لتمزيق الساحات عن بعضها البعض ودق اسافين الفتنة، ثم تحدثنا عن الوضع الداخلي خلال جولة التصعيد الأخيرة ودور الحاضنة الشعبية وقوى المقاومة خلال 56 ساعة قتال متتالية شكلت محطة هامة في تاريخ الصراع مع الاحتلال، وكيف أضحت حركة الجهاد وذراعها العسكري سرايا القدس حاضنة وطنية بشكل فعال لتمتين جبهة المقاومة كلها، وكيف وفرت الحاضنة الوطنية بيئة عمل ميدانية لسرايا القدس مما أثر على الجبهة الداخلية للاحتلال الذي لم يكن يتوقع أن تطلق سرايا القدس 1175 صاروخ خلال مدة زمنية قصيرة للغاية غطت بشعاع صواريخها ٥٨ مغتصبة وموقع ومطار ومدن المركز في كيان الاحتلال في ذات التوقيت، وفي سياق التأكيد على دور قوى المقاومة وما حظيت به من دعم معنوي وشعبي خلال المعركة, ولذا سعى الاحتلال جاهداً منذ الدقيقة الأولى لمعركة وحدة الساحات إلى بث العديد من الأخبار والتقارير الكاذبة بهدف كسر الروح المعنوية لشعبنا ولبيئة المقاومة في كل الساحات عبر إعلانه ان العملية العسكرية تستهدف الاستفراد بسرايا القدس دون غيرها رغم انه قتل الأطفال والنساء والشيوخ وهدم بيوت الآمنين دون سابق انذار وذلك لخلق شرخ كبير بالعلاقة بين حركة الجهاد الإسلامي وبقية قوى المقاومة وخاصة حركة حماس لما تمثله من قوة رئيسية بين فصائل المقاومة، وتعمد الاحتلال في سياق المعركة إلى استخدام خطة ممنهجة ومنظمة في الترويج لمسألة الاستفراد بالجهاد الإسلامي وبالمقابل ممارسة حالة خداع للراي العام نفذ من خلالها مجزرة مقبرة الفالوجا حين تعمد استهداف اطفال عائلة نجم بجانب قبر جدتهم وسعى لإلصاق التهم بشعبنا وبمقاومته الى ان ظهرت الحقيقة وكشفت صحيفة هآرتس العبرية قبل ثلاثة أيام ان طائرات الاستطلاع الصهيونية هي من ارتكبت تلك المذبحة التي اعلنت بعدها عائلة نجم رغبتها بالتوجه لمحكمة الجنايات الدولية لمحاكمة قادة الاحتلال في خطوة جريئة ومميزة.
باعتقادي ان فلسفة دق الاسافين بين ابناء المقاومة وقادة مشروعها سياسة صهيونية استخدمها الاحتلال البريطاني سابقا في إطار مبدأ "فرق تسد" وذلك من خلال استخدام الماكينة الإعلامية والأمنية الصهيونية أخبث الأسلحة وهي ضرب قوى المقاومة ببعضها البعض، وللأسف يمكن القول بأنه و بلا تركيز وبسبب النزق والحزبية المقيتة والعمياء انزلق البعض دون قصد وغفلوا عن القيام بدورهم في التصدي للمخطط الصهيوني من خلال رفض التعاطي مع الرواية الصهيونية ودحضها وهي الرواية والسردية التي لا تَجِد سوقا لها إلاَّ في الأوقات الحرجة حين تظهر الازمات الوطنية، وبالتالي تهتزُّ الثقة في نظر الحاضنة الشعبية، وتتهاوى الثوابت وتتراجع القيم الوطنية والاسلامية السائدة التي تربى عليها المجاهدون، وتتحوَّل أنظار كوادر وأنصار المقاومة واتِّجاهاتُهم لتعميق ورفع مستوى الخلافات والمزايدات وبالتالي يتحول المجاهد الى " RWTER مزود نت " لنقل وتبادل بوستات الفتن التي ينشرها الاحتلال والحزبيون، متناسين دورهم الرئيس من تشكيل جدار صد ضد سياسة كي الوعي التي يسعى الاحتلال لزرعها في بيئة المقاومة، ولم يكن عبثاً الجهد الصهيوني المبذول لإحداث شرخ بالعلاقة بين قوى المقاومة وخاصة بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي، لما تمثلاه هاتين الحركتين بالتحديد، وقدرتهم على تهديد للأمن القومي الصهيوني بسبب ما تمتلكاه من مقومات تنظيمية وقدرات متقدمة على صعيد العديد والعتاد والرؤية الوطنية برفض خيار التسوية والاعتراف المتبادل مع العدو.
وبالعودة إلى النموذج الثوري صاحب البصيرة المجاهد القائد أبوطارق النخالة، أطلعني الأخ عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي على رسالة خاصة من الأمين العام المجاهد أبوطارق النخالة يعقب بها على حالة الهرج والمرج التي سادت بعض الأوساط عقب معركة الساحات، حيث يؤكد فيها حرفياً بالنص: "أن الخلاف مع حركة حماس هو تدمير لخيار المقاومة"، كلمات مختصرة ولكنها تحمل بصيرة رجل يعيش حالة المقاومة منذ أكثر من نصف قرن عندما كان شاباً يافعاً لم يتجاوز الـ 17 عام، ومجاهداً داخل السجون الصهيونية محكوم بالمؤبد امضى منه 14 عام، ومطارداً مبعداً مقاوماً لأكثر من 35 عاماً.
نحن كمؤمنين وأبناء لمشروع وخيار المقاومة، ولدينا قناعة كاملة بصدق وشجاعة وبصيرة الأخ المجاهد أبو طارق النخالة، ليس أمامنا إلا أن نثق تماماً بما يقول، ونسعى جاهدين لكي نحمل ونتبنى رؤيته الصادقة بالعمل على إغلاق أي باب يؤدي إلى خلق الفتن وانهاء اي خِلاف مع حركة حماس.
عندما يتحدث ولي الدم فإن الحديث يكون أكثر عبرة ودلالة، وليس هناك ولي للدم كما هم قيادة سرايا القدس, حيث جمعني الله مؤخراً في إحدى بيوت العزاء بأحد القادة الكبار في سرايا القدس, وخلال الحديث معه بالأحداث الأخيرة أكد لي على أن علاقة سرايا القدس مع كتائب القسام هي علاقة استراتيجية وما يربطنا في مشروع المقاومة هو تاريخ تم تسطيره بالدم، وهناك نقاط اتفاق كثيرة مع الإخوة في القسام، وهنا يتحدث الأخ بكل مسؤولية وحكمة عن طبيعة علاقة سرايا القدس مع قوى المقاومة، فهو من جانب يؤكد على أهمية الوحدة بين قوى المقاومة، وفي ذات التوقيت تمتلك قيادة سرايا القدس الرؤية ذاتها التي يمتلكها القائد المجاهد أبوطارق النخالة، وهذا يؤكد بأنه على الرغم من بعض التباينات التي تطرأ في ساحة الميدان بين قوى المقاومة فإن ذلك لا يعني القطيعة أو الانجرار للفخاخ الصهيونية التي تريدنا أن ننسلخ عن ثقافتنا وتاريخنا وهويتنا الجهادية وثوابتنا التي تتطلب منا توحيد كل قوى الأمة في إطار المعركة المفتوحة مع الكيان الصهيوني لاستعادتها.
سعت المنظومة الأمنية الصهيونية منذ عقود لإرباك ساحة المقاومة التي تقاتل من اجل الحرية الكرامة عبر العديد من الطرق والأدوات بهدف تصفية المقاومة بشكل كامل ونهائي، وقتل أي صوت مقاوم في الأراضي المحتلة، ومارست خلال ذلك كل الأساليب القذرة، ومع تزايد دور الإعلام الجديد المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي تمكن الاحتلال من استغلال هذا الفضاء الافتراضي لزرع الفتنة بين أطياف الشعب الفلسطيني بشكل عام وقوى المقاومة بشكل خاص، ولهذا المطلوب من المجاهدين الأعزاء كوادر ومناصري وابناء حركة الجهاد الإسلامي كونهم اليوم على ثغر عظيم من ثغور هذا الوطن العزيز التسلح بالوعي والصبر، فكما كنتم أقوياء متمترسين خلف صواريخكم وسلاحكم في معركة وحدة الساحات ولا يرهبكم أزيز الطائرات ولا تصريحات العدو البلهاء، فأنتم اليوم مطلوب منكم أن ترتقوا بأنفسكم وتترفعوا عن كل الترهات التي يحاول الاحتلال أن يوقعكم بها ويسحب منكم إنجازكم النوعي ويشغلكم بمعارك جانبية لن يكون مستفيد منها سوى الاحتلال عبر الاصطياد بالمياه العكر، فلا تشمتوا العدو ولا تفرحوه باي انحراف ونفذوا نصيحة الدكتور العارف المجاهد فتحي الشقاقي عندما قال: "لقد نهضنا لقتال العدو وما دون ذلك هوامش"، هذا القائد الفذ كان يعلم تماماً بأنه ستأتي علينا أوقات عصيبة وسيحاول الاحتلال جرنا لمربعات الاقتتال ولكن لم تتوقف صرخاته وهو ينادي بنا أتركوا الهوامش التي يريد العدو اشغالكم بها، لذا نحن اليوم مطالبين أكثر من أي وقت مضى بأن نحافظ على ما نملك من مقدرات وأهم هذه المقدرات وحدة المقاومة والسعي بكل قوة لعدم شرذمتها أو إضعافها.
نحن اليوم أمام أن خيارين إما أن نسير خلف الرواية الصهيونية ومن يدور في فلكها ونصبح بيادق في يده لتأجيج هذا الخِلاف مع إخواننا في حركة حماس وإما أن نسير مع رؤية وتاريخ حركة الجهاد الإسلامي التي يمثلها أمينها العام أبا طارق، فمن كان منكم قد أعطى بيعة لقيادته فإن أمينكم العام يعلنها صراحة أن الخِلاف مع حركة حماس هو تدمير لخيار المقاومة، ونحن مازلنا نقول بأن ما يربطنا مع حركة حماس وكتائب القسام أكبر بكثير من نقاط التباين، وهذه التباينات يتم تفكيكها عبر لجان نثق بها من كلا الحركتين تسعى لحل كافة الاختلافات فغير مطلوب من كوادر الجهاد الإسلامي إن يوقفوا حياتهم وأوقاتهم رصداً ورداً على كل كلمة أو همزة أو شتيمة من كل شخص تطاول على الحركة، فنحن منذ لحظة تكليفنا تصدقنا بأعراضنا وسامحنا كل من سبنا وشتمنا أو اغتابنا ليس ضعفاً أو عدم قدرة على الرد، "فمن عفا وأصلح فأجره على الله"، "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"، " وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ".
دماء ابناء سرايا القدس اختلطت مع دماء إخواننا في كتائب القسام في كل المعارك والجولات العسكرية وأبرزها في نفق الوسطى برفقة الشهيد أبو مرشد وإخوانه.. المشهد الحالي يجب أن ينتهي ونركز فيما هو أهم، وذلك عبر إبراز حجم وتأثير معركة وحدة الساحات في إفشال مخططات الاحتلال للتفريق بين ابطال خيار المقاومة ونحمي معا وحدة الأرض والساحات الفلسطينية في مواجهة العدو وصولاً لوحدة المعركة من مختلف الساحات في حلف القدس المبارك.