إنه الليث الأسمر، القادم من عرَّابة، الحالم بالحرية والساعي لها كلما أدركته لحظة انتزاعها، لا ينام عن ظلم، ولا يستريح في منتصف الطريق، كان من الصفوة الأولى، ومن بين يديه تخرج العاشقون للشهادة والحرية، وما يزال زئيره في الجبال والأغوار، ونفيره ماض يزيل وحشاً من غبار، ويزرع في البلاد التي زارها حراً، مواسم الحصاد والنصر.
في عرَّابة التي قدمت خيرة رجالها، كان ميلاد القائد الفذ محمد عبد الله العارضة في الثامن من نوفمبر عام 1975م، بين أكناف عائلة تظلل أبناءها بكل معاني العطاء والتضحية.
بدأ مسيرته شبلاً يصول في شوارع البلدة إبان انتفاضة الحجارة 1987م، حيث كان الفدائيون والمطاردون يتخذونه أميناً لأسرارهم وحلقة وصل بينهم، وأماكن اختبائهم وتنقلاتهم، فنشأ عوده صلباً منذ أول الطريق.
كان يقف بالمرصاد لدوريات الاحتلال وسيارات المستوطنين، فيقوم بإلقاء الزجاجات الحارقة، حتى تعرض للاعتقال في 25-8-1992م، وحكم عليه بالسجن أربع سنوات، ليفرج عنه في 10-1-1996م، حيث لم يتبق من محكوميته عدة أشهر خلال إفراجات "أوسلو".
تعرف في عرين السجن إلى رجال الجهاد ومؤسسيه الأوائل، فاَمن بفكرة الإيمان والوعي والثورة وأطروحات الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي، فالتحق بالركب، وصعد إلى مكانة تليق به في مسيرة الجهاد المقدس.
بدأ بتكليفه الإلهي وواجبه الجهادي، يشكَّل الخلايا العسكرية، ويخوض المواجهات المسلحة ضد جنود الاحتلال وقطعان مستوطنيه، فقد قام بقتل ضابط صهيوني وإصابة زوجته من مسافة صفر في مدخل قرية بدية قضاء سلفيت، وواصل عمليات إطلاق النار التي أدت لإصابة مستوطنين.
بعد تحرره من الاعتقال الأول عام 1996م بثمانية أشهر، كان موعده مع الاعتقال مرة أخرى في 21-9-1996م، بتهمة إيواء ومساعدة الشهيد القائد صالح طحاينة، وأثناء مكوثه في الأسر، توصل جهاز الشاباك لمعلومات مهمة، فقام بالتحقيق المفاجئ مع القائد محمود العارضة ليتضح أنه المسؤول عن عملية سلفيت البطولية، فكانت الصدمة التي أصابت العدو، فهو لم يترك خلفه أي دليل، ولم يعترف رغم وحشية التحقيق معه.
لم يتوقف يوماً عن السعي للحرية، فقد حاول في بداية انتفاضة الأقصى جلب منشار لقطع حديد الحماية فقامت إدارة السجن بعزله فوراً، كما تعرض للعزل لأربعة أشهر في 19-6-2011م، ثم تجديد العزل لشهرين، وتم عزله في 11-6-2014م، على خلفية إعداده نفقاً للهروب من سجن "شطة"، وأمضى في العزل ما يزيد عن سنة، ووضعته ضمن الأسرى الخطيرين جداً.
واصل مسيرته التعليمية والإبداعية، فقد حصل على شهادة الثانوية العامة وشهادة البكالوريس في التربية الإسلامية، وأنهى حفظ كتاب الله تعالى كاملاً، ويعد من المرجعيات الثقافية والفكرية للأسرى، فقد ألف عدداً من الكتب الفكرية والسياسية والأمنية من بينها "الرواحل"، و"تأثير فكر الإمام الغزالي على الحركة الإسلامية في فلسطين"، وغيرها ممن لم يخرج للنور بعد.
كانت له بصمة واضحة في العمل الجهادي خلال انتفاضة الأقصى، فقد التقى بالعديد من القادة والمجاهدين داخل سجون الاحتلال، ومنهم الشهداء القادة إياد صوالحة وخالد زكارنة ولؤي السعدي واَخر الشهيد عبد الله الحصري.
يعد من أبرز قادة حركة الجهاد الإسلامي داخل سجون الاحتلال، ويحظى بعلاقات واسعة ويشهد له بالكفاءة والإبداع، فقد تولى العديد من المهام الإدارية والتثقيفية داخل السجون، وكان أثر ذلك واضحاً وجلياً على مسيرة الحركة الأسيرة.
وبعد محاولات عدة من نزع الحرية، نجح أخيراً القائد الفذ محمود العارضة مع رفاقه الأسرى يعقوب قادري ومحمد العارضة وأيهم كممجي ومناضل نفيعات وزكريا الزبيدي في التحرر من سجن "جلبوع" من خلال نفق أسموه "الطريق إلى القدس"، ورغم إعادة اعتقالهم وعزلهم إلا أنهم حققوا معجزة عظيمة، حطمت منظومة الأمن الصهيوني ومرغت أنفه في الوحل.
لقد عُرفوا بكتيبة جنين، التي خرجت من أرض جنين، وقررت العودة إليها، فيما انتفض الرجال لحمايتهم، وامتدت كتيبة جنين التي كانت بفضل هؤلاء الأحرار، لتكون حالة المقاومة ونموذجها الحي.
وما يزال هذا المجد شهادةً للتاريخ، ومسيرةً تستحق أن تكتب بمداد الدم حتى تعرف الأجيال الواعدة سيرة ومسيرة الأبطال الذين تفخر به فلسطين، وترفعهم إلى مصاف العظماء الذين ما عرفوا إلا طريقاً واحداً، هو الطريق إلى القدس.