تقف الشابة سعدة أمام أجهزتها المخبرية، تراقب حركة الأنسجة النباتية بدقة متناهية، تناولت ورقة وقلم؛ لترسم مخططات وأرقاما تُشير إلى نجاح التجربة، ومن زاوية أخرى للمعمل المخبري جلبت زجاجة شفافة ووضعت بداخلها أجزاء نباتية صغيرة، تم إكثارها بتقنية زراعية حديثة هي الأولى من نوعها في فلسطين، ثم أغلقت الزجاجة بإحكام شديد، قبل أن تضعها في مكان مُعد خصيصًا لهذه التجربة.
تُناول سعدة المجدلاوي فريقها المساعد (أصالة أبو شنار وسحر أبو زور) داخل المختبر زجاجة تلو زجاجة، وبرفق تُمسكها إحداهن مرتدية قفازات طبية؛ لتغرسها في مكان معد مسبقًا، تكررت التجربة وتحولت إلى استراتيجية لإنتاج نباتات اقتصادية لم تكن موجودة أصلًا في قطاع غزة.
الأنسجة التي تمكنت سعدة وفريقها من إكثارها بتقنية زراعية دقيقة، هي لنبتة ستيفيا التي تتكاثر وتنمو في -موطنها الأصلي- أمريكيا الجنوبية، ويتم استيرادها من الخارج؛ بهدف مساعدة مرضى السكري كبديل آمن عن السكر الأبيض في المشروبات والحلويات دون تأثيرات جانبية.
نبتة ستيفيا هي عشبة معمرة حساسة للصقيع، تتميز أوراقها بنسبة عالية من الحلاوة (أحلى بـ 300 مرة من السكر الأبيض)؛ وهي خالية من السعرات الحرارية تمامًا، ويتم إنتاجها على شكل أقراص، أو قطرة تضاف لتحلية المشروبات الساخنة أو الباردة.
بداية الرحلة
سعدة المجدلاوي حاصلة على درجة الماجستير تخصص (Biotechnologies) تكنولوجيا حيوية في علم النبات وزراعة الأنسجة، تهتم بالزراعة الحديثة من خلال مشروع إنتاج النباتات الاقتصادية غير الموجودة في السوق المحلي؛ ما يساهم في تخفيف تكلفة الاستيراد من الخارج.
ولاهتمام سعدة بإنتاج النباتات المميزة والجديدة، أطلقت شركة باسم " تكنوبلانت" لتبدأ مشروعها رغم الكثير من المعوقات التي واجهتها بعزيمة وإرادة لا تلين، وأول ما شرعت به هو استخلاص المادة الفعالة المحلية لنبات ستيفيا؛ لمساعدة مرضى السكري والحمية الغذائية ومن يهتمون بحصتهم لتناول كل ما يشتهون من حلويات كان يمنع تناولها.
رحلة إكثار إنتاج نبات ستيفيا نسيجيًا كما تقول سعدة لـ"شمس نيوز" انطلقت منذ أشهر عدة عندما استوردت زجاجتين للأنسجة من مصر، وبعد عمل دؤوب تضاعف العدد؛ ليصبح لديها أكثر من 200 زجاجة مواصفاتها كمواصفات النبتة الأم، فمادة السكر فيها عالية الجودة وخالية من طعم المرار.
تحتاج من 6 إلى 9 شهور
استخدمت سعدة وفريقها جهازا مخبريا صنعته محليًا، وهذه أول عقبة تخطتها سعدة بنجاح، حينما صممت ثلاثة أجهزة نجحوا في منحها نتائج دقيقة جدًا في عملية الاستخلاص.
تلمست جهازها المخبري بأناملها، وبدأت تنتج نباتات ناتجة من زراعة الأنسجة تحت درجة حرارة "مسيطر عليها" من حيث الضوء والحرارة والرطوبة، وبهدوء نقلت الأنسجة داخل علب زجاجية محكمة الإغلاق وتضعها في مكان مخصص لمدة 6 شهور، وللحفاظ عليها من التلف تقوم سعدة بتجديد العناصر الغذائية للأنسجة، مشيرة إلى أن "زراعة الأنسجة في العلب الزجاجية بحاجة إلى 16 ساعة ضوء و8 ساعات ظلام".
هنا بدأت العقبة الثانية التي واجهت سعدة وفريقها المساعد في إكثار الأنسجة، وقد تغلبت عليها بشراء ألواح شمسية وبطاريات غالية الثمن؛ لتبقى الكهرباء موصولة 24 ساعة، في ظل زيادة المساحة التي يتم فيها وضع الأنسجة المتكاثرة.
بعد (6 شهور) من زراعة الأنسجة في علب زجاجية تنمو الشتلات، وتتجه سعدة مباشرة إلى غرفة أخرى تُهيئها لأن تصبح بيئة خصبة لأقلمة الشتلات التي تُسمى "الدفيئة الزراعية" تستمر المرحلة الثانية من شهر حتى ثلاثة أشهر، قبل أن تنمو الأشتال وتصبح أوراقا وسيقانا طولها نحو (50 سم).
ترخيص المنتج
تتبسم سعدة ومن حولها عند انتهاء المرحلة الثانية بنجاح، لتبدأ المرحلة الثالثة بالحصول على الأوراق وتجفيفها، قبل أن يتم استخلاص المادة السكرية من الأوراق، وفي المرحلة النهائية يتم استخلاص المادة السكرية على هيئة -سائل- قطرات من الماء توضع في عبوة بلاستيكية حجمها (10 ملم) فيها نحو 200 نقطة، متوسط استخدام 4 نقاط على كاسة من المشروبات الساخنة أو الباردة.
وفيما يتعلق بخطورتها على صحة الإنسان أشارت سعدة إلى أن المادة السكرية التي يتم إنتاجها من ستيفيا خالية من أي خطورة، مؤكدة أنها حصلت على رخصة من وزارة الصحة والاقتصاد للمنتج، خاصة وأن المنتج تم تحليله في مختبر الأغذية في جامعة الأزهر، وتأكد أنه خالٍ من الجلكوز ومن السعرات الحرارية.
وللتأكد من صدق التحليلات المخبرية؛ فقد تم تجربة مستخلص نبتة ستيفيا السائل على مرضى سكري ولم يعمل السائل على رفع مستوى سكر الدم، وهذا يؤكد أن المنتج آمن لمرضى السكري ومن يتبع الحمية الغذائية أيضًا.
وتطمح سعدة وفريقها المساعد لأن تصبح شركتهم "تكنو بلان" واحدة من الشركات الرائدة في تكنولوجيا الزراعة الحديثة؛ لأن الهدف الأساسي ليس نبتة ستيفيا فقط؛ إنما إنتاج أنسجة النباتات التي يتم استيرادها من الخارج كـ"البطاطس" على سبيل المثال، إذ قالت سعدة: "يتم استيراد تقاوي البطاطس من الخارج بنحو مليون دولار سنويًا؛ لكن عندما نقوم بإكثار الأنسجة في غزة؛ فإن ذلك سيساهم في تخفيف المبالغ المالية الطائلة التي يتم صرفها.