غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

د. العريان : رؤية "تفكيك الاحتلال" لا بد أن تستند إلى إرادة حقيقية لا تقتصر على الساحة الفلسطينية

العريان
شمس نيوز -إسطنبول

أكد مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية في جامعة صباح الدين زعيم - إسطنبول، د. سامي العريان، أن إعادة إحياء مجزرة صبرا وشاتيلا، والمجازر الإسرائيلية كافة التي ارتُكبت بحق أبناء الشعب الفلسطيني، تجدد الذاكرة، وخلق جيل جديد يُدرك طبيعة الحركة الصهيونية وجوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وأوضح العريان خلال لقاء مُتلفز، أول أمس، أن جذور الحركة الصهيونية تقوم على أسسٍ أيديولوجية "الصراع الوجودي" التي لا تعترف بالآخر ولا تقبل بأنصاف الحلول، وتُصر على الصفاء اليهودي في استعماره واستيطانه للأرض الفلسطينية ولا يقبل الشراكة.

وعقد مشروع "تدريس فلسطين _الممارسة التربوية وشمولية العدالة"، مؤخراً، مؤتمره الدولي لعام 2022 في بيروت لإحياء الذكرى الأربعين لمجزرة صبرا وشاتيلا، ومناقشة التحليل التاريخي والمفاهيمي النقدي للذكرى الأربعين للغزو "الإسرائيلي" للبنان، وحصار بيروت عام 1982.

وقال: "إن المؤتمر جاء في سياق تجديد الذاكرة حتى لا ننسى هذه المجزرة، ولا طبيعة الصراع الذي يقوم على اقتلاع الشعب الفلسطيني، ويرفض وجود الفلسطيني على أرضه أو خارجها مُنتظراً عودته"، مستدركاً: "من لا يعرفُ تاريخه لا يفهمُ حاضره ولا يبني مستقبله".

وأضاف: "القادة الصهاينة يرفضون تماماً الفلسطيني ووجوده ويريدون أن يشتتوه، وصفقة القرن جاءت مبنية على مفهوم تشتيت الفلسطيني وعدم السماح له بالوجود على أرضه إلا تحت شروط لا تجعله إنساناً بل تجعله خادماً للحركة الصهيونية، والذين هم خارج فلسطين يُشتتون ويُوزّعون وتنتهي قضيتهم، بالتالي لا بد أن نتذكر مثل هذه الأحداث".

وشدد على ضرورة أن يكون هناك حركة وعي للجيل الجديد، وأن الصراع ليس حل الدولتين أو دولة، مشيراً إلى أن الفلسطينيين أضاعوا أكثر من ربع قرن "منذ صفقة أوسلو وحتى الآن" بالحديث عن حل الدولتين أو أن يكون هناك تنازلات، وبدون فائدة.

مراحل مفصلية

وبيَّن العريان، أن القضية الفلسطينية مرت بعدة مراحل على المستوى الفلسطيني، ففي النكبة عام 1948م، كان الفلسطيني هدفه الرئيس "العودة إلى بلاده، والانتهاء من الاستعمار الاستيطاني الاحتلالي"، الذي كانت تُمثله الحركة الصهيونية وبعد ذلك الكيان.

وأوضح أن هذه المرحلة تضمنت عدة محطات لمقاومة الكيان الصهيوني، تتمثل المرحلة الأولى بـ" بقيادة الأنظمة العربية المرتبطة بالاستعمار، ومعظمها أنظمة "ليبرالية أو يمينية"، حركة المقاومة ضد الاحتلال عام الـ 48، وتمّت هزيمتها.

وفي المرحلة الثانية، انتقلت المقاومة إلى حركات "قومية ويسارية واشتراكية" ترفع شعار تحرير فلسطين، وهُزِمت هزيمة ساحقة في عام 1967م، وعقب ذلك صعود الحركة الوطنية الفلسطينية والتي تُمثل المرحلة الثالثة. وفق العريان.

وأشار إلى أن عمل الحركة الوطنية الفلسطينية صعد في السبعينيات، مروراً بالاجتياح الإسرائيلي عام 1982الذي دمر البلاد والعباد، وسقط ضحاياه أكثر من 19 ألف لبناني وفلسطيني، وخروجها من لبنان عام 1982.

في حين تتمثل المرحلة الرابعة، بصعود الحركات الإسلامية خلال فترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، في أعقاب الصعود الإسلامي الذي بدأ بالسبعينيات من الصحوات الإسلامية ثم الثورة الإسلامية في إيران، ثم الجهاد الأفغاني وغيره من الصعود الإسلامي الذي واكب صعود الحركة الإسلامية بفلسطين من خلال حركتي "الجهاد الإسلامي وحماس" واللّتين كان لهما تأثير مباشر بالانتفاضة، ثم استمر العمل المقاوم المباشر ليس فقط عبر الحجارة، بل وصل للعمليات الميدانية المباشرة.

ونوّه إلى أن الحركات الإسلامية بفلسطين كانت قائمة، لكنها لم تكن تُدرك طبيعة وظيفتها، مضيفاً: "إن الحركة الإسلامية بالعالم العربي كان لديها بعض الأهداف الواقعية والخيالية، لكن الحركة الإسلامية بفلسطين كانت بتماسٍ مباشر مع الاحتلال، وجاءت الانتفاضة لتؤكد على دورها بالمقاومة المباشرة والدخول في خضم المواجهة مع العدو".

مسار المفاوضات

وبيَّن أن الحركة الوطنية الفلسطينية نظراً للمتغيرات الدولية والإقليمية، لا سيما بعد هزيمة العراق وخروجه من الكويت وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام العالمي كـ "قطب واحد" في بداية عام 1990م، وسقوط الاتحاد السوفيتي، إضافة لعدم إدراكها لطبيعة "الكيان الصهيوني"، دخلت في مسار المفاوضات، والاعتراف بـ "إسرائيل" وصولاً إلى اتفاق أوسلو 1993.

ويرى أن كُل ما جرى بعد أوسلو، أعاد فهم القضية الفلسطينية، فبعدما كنا نتحدث عن خروج الفلسطيني عام الـ 1948م، والمطالبة بعودته والتحرير الكامل، أصبحنا نتحدث عن أمور أقل حتى وصلنا كامب ديفيد، حيث أدرك وقتها الزعيم الفلسطيني الذي أخذ قرار"المفاوضات" فشله، ودفعنا ثمنه غالياً ولم نستطِع أن ننفك عنه حتى اليوم، وجعل من بعده القيادات الفلسطينية متورطة تورطاً كاملاً به.

ونوَّه إلى أن القيادات الفلسطينية انقسمت قسمَيْن، الأول "مَنْ قبِلَ بالأمر الواقع وحاول تبرير ذلك بالوضع الاستراتيجي المُظلم بالمنطقة"، والقسم الآخر "مَنْ يؤمن أنه لا سبيل إلا المقاومة بكافة أنواعها لإنهاء الاحتلال الغاشم".

وأكد أن الوضع الاستراتيجي الفلسطيني على المستوى التفاوضي بات أضعف بكثير ممّا كان عليه سابقاً، نتيجة اعتراف وقبول معظم دول العالم بالوضع القائم، وتجاوزه بشكل كبير من قبل بعض الأنظمة العربية التي ذهبت للتطبيع مع الاحتلال.

أما على المستوى الفلسطيني فأصبح هدف "إقامة دولة فلسطينية" يتراجع أكثر فأكثر؛ لأن مشروع حل الدولتين باعتراف جميع دول العالم بما فيها "الولايات المتحدة، وإسرائيل" بات مستحيلاً، وبالتالي أصبح على الفلسطيني القبول بالوضع الحالي المُتمثل بنوع من الانفراج الاقتصادي.

تفكيك الكيان الإسرائيلي

وشدد على ضرورة التركيز على رؤية "تفكيك الكيان الصهيوني"، من خلال التعرف على أسباب قوته واستخدام الأسلحة المتاحة كافة أمام الشعب الفلسطيني وشعوب الأمتين العربية والإسلامية، باعتباره كياناً "غيرَ طبيعيٍّ ومصطنَعَاً" وخطيراً؛ يهدف لتقسيم الأمة.

ونوَّه إلى ضرورة أن يكون هناك إرادة حقيقية لا تقتصر على الساحة الفلسطينية بل تمتد لتشمل الساحات الدولية كافة، في سبيل الوصول لـ "تفكيك الاحتلال"، قائلاً: "هناك دول مركزية بالمنطقة لا بد أن يكون لها وجود وحضور على الساحة الفلسطينية، كالمغرب والجزائر ومصر وتركيا، إضافة لدولة إيران التي أصبحت رقماً مهماً في الصراع منذ الثورة، وباكستان وماليزيا وغيرها".

ولتحقيق هذه الرؤية، أكد على ضرورة إبقاء الشعب الفلسطيني بفلسطين ودعم صموده في مخيمات الشتات حتى يبقى مُصرَّاً على هذا الحق، إضافة إلى الاشتباك مع الحركة الصهيونية عبر العالم في كلّ المجالات "العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية والرياضية وغيرها".

وأشار إلى أن المعادلة التي لا بد أن نؤمن بها، هي "أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تُحَلَّ بالفلسطيني وحده، وبالتالي لا بد أن تعم المقاومة والاشتباك الأمة بأكملها"، مبيناً أن الشعب الفلسطيني يمثل "رأس الحربة" ومركز العمل المقاوم، وبدونه لا يوجد قضية.

ويراهن العريان، على الشعوب العربية بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ودعمه في الوصول إلى تنفيذ رؤية "تفكيك الاحتلال"، وذلك لإيمانها بالقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بالتحرر، وأن "إسرائيل" العدو الإستراتيجي للأمة بأكملها.

وحول إمكانية ترجمة رؤية "تفكيك الكيان" إلى واقع في ظل التغيرات الحاصلة على الصعيد الإقليمي والدولي، أوضح أن الرؤية يمكن تنفيذها باعتبار المشروع الفلسطيني "مشروعَ حقٍّ أمامَ باطل"، لكنها تحتاج إلى إرادة وعمل حقيقي.

فرص جيدة

وأكد أن الصراعات المستجدة في العالم كـ "الحرب الروسية الأوكرانية" و"الصراع الصيني الأمريكي"، تمنح القضية الفلسطينية فرصاً كثيرة لم تكن مُتاحة منذ ربع قرن، خاصة في ظل تغير الأدوار في القوى العالمية، فبعد أن كانت أمريكا القطب الأوحد المهيمن على الساحة الدولية، صعدت أقطاب أخرى.

وأوضح أنه في حال انتصار روسيا بحربها ضد أوكرانيا، ستكون قطباً مهماً في السياسية العالمية، يمكن أن يجعل خيارات أمريكا محدودة أكثر، بالإضافة إلى دولة الصين التي تعتبر قطباً مهماً سيقوى أكثر خلال السنوات القادمة، بحيث يكون العالم محكوم بالصراع الصيني الأمريكي.

وبيَّن أن الخطر الحقيقي الاستراتيجي على أمريكا هو صعود الصين اقتصادياً، منوهاً إلى أن الصين مازالت تتقوى على صعيد المستويين الاقتصادي والعسكري، ففي عام 1992 بلغ حجم الاقتصاد الصيني 3% من حجم الاقتصاد الأمريكي، وفي عام 2021 بلغ أكثر من ثلثين، الأمر الذي يُمثل خوفاً أمريكياً حقيقياً كون قوة الاقتصاد الصيني قد تتحول إلى قوة عسكرية.

متغيرات استراتيجية

وأكد أن متغيرات المشهد الدولي تنعكس وتُؤثر على القضية الفلسطينية، فهناك رؤية أمريكية تحاول أن تفرضها على المنطقة، كما فعل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بفرض مفهومه لطبيعة الأنظمة بالمنطقة فيما تُسمى بـ "صفقة القرن"، وسار عليها الرئيس الحالي جو بايدن، مبيناً أن هناك إجماعاً داخل المؤسسة الأمريكية حول دور "إسرائيل" وحمايتها وجعلها جزءاً من المنطقة.

وبيَن أن هناك عدة متغيرات استراتيجية قد تؤثر في القضية الفلسطينية، تتمثل بـ "موقف الشعوب العربية وردها على سياسات أنظمتها المُطبعة كما جرى في ثورات الربيع العربي عام 2011-2013، إضافة إلى مدى تطور وتقدم قوى المقاومة الفلسطينية"، مشيراً إلى أن المقاومة أصبحت رقماً أصعبَ مما كانت عليه سابقاً، وبات لديها خيارات أوسع.

وأوضح أنه من بين هذه المتغيرات، التناقضات الكبيرة التي تعصف بالكيان الإسرائيلي، وعدم قدرته على تشكيل حالة استقرار سياسي، فعلى مدار أربع سنوات جرت خمس انتخابات، إضافة إلى المشكلات الكبيرة الموجودة بنظام "الرأسمالي" الذي يطحن الشعوب.

وأشار إلى أنه في حال تشكلت حركة تحرر عالمية تتعدى الواقع العربي الفلسطيني الإسلامي، يُمكن أن تجعل فلسطين هي العنوان لحركة التحرر العالمي، كما كانت فيتنام في الستينيات.

 

نقلا عن / صحيفة الاستقلال